بعد أن تجاوز عمرها 62 عاماً ومنذ أن تحمل عمالها مسؤولية إعادة تشغيلها بتحدٍ كبير منذ أن آلت للدولة في مايو 1977م ، حيث احتلت الصدارة كمركز اقتصادي للدولة المستقلة ، وكانت أحد العوامل المهمة في استقرار اقتصادها واستيعاب الأيدي العاملة التي راهنت على حرفيتها ومهارتها التي لا تقل عن الخبراء والفنيين الانجليز الذين كانوا يديرونها . وظلت شعلة المصفاة الرمز الأبرز للصمود في وجه كل الصعوبات ، وبطولة عمالها في إدارة وتشغيل مثل هذا المجمع الصناعي الكبير في ظل تلك التحديات الكبيرة والإمكانات المحدودة للبلد .
حتى داهمتنا هذه الحرب الظالمة التي استهدفت القضاء على كل ما يمس حياتنا وإنسانيتنا ، والأهم من ذلك إنهاء المنشآت الاقتصادية والخدمية التي من خلالها يمكن استمرارية وبقاء المجتمع والحفاظ على أساسيات معيشته ، بما في ذلك البنية التحتية لهذه المدينة التي لا تُذكَر إلاّ مزامنة مع المصفاة والميناء والمطار ..
وما تعرضت له شركة مصافي عدن من القصف والحرائق وعملية تفجير الأنابيب وإحراق مخزونها من المحروقات المكررة ، وآخر مخزون من النفط الخام ، حتى لا تقوم لها قائمة بعد ذلك ، لاسيما وأن الإمكانيات المادية للدولة تحت الصفر ، في حين أن ما يسمى بالدولة – في هذه المرحلة – تسخر كل إمكانياتها لهذه الحرب اللعينة ، وعجزت عن توفير النفط الخام للشركة أو حتى توفير المستحقات المالية لعمال الشركة ، رغم أنها كانت المصدر الوحيد للمشتقات النفطية للمواطنين في عدن والمناطق المجاورة وتموين المقاومة بالمشتقات طوال فترة الحرب ..
ومع أن قرار فتح باب الاستيراد للمشتقات النفطية الجاهزة من قبل التجار المحليين ، والذي أحال الشركة من منتج لهذه المشتقات إلى مستودع للتخزين ، وانطفاء شعلة المصفاة إلى أجل غير مسمى ، يبعث الأسى في نفوس كل الوطنيين بما فيهم أبناء الشركة وموظفيها ، ويترجم جلياً الإهمال المتعمد لها ، والذي سيؤدي بدوره إلى اندثارها التدريجي ومصير ما يزيد عن أربعة ألف أسرة مهددة بالمجهول .
فهل ستجد هذه المنشأة الاقتصادية التفاتة من الدولة ، أو من دول الخليج لانتشالها من موتها السريري هذا واقتراب لفظ أنفاسها الأخيرة وقبل أن نشيعها بالدموع إلى مصيرها المحتوم حتى قبل أن تكتب وصاياها الأخيرة لأبنائها الطيبين والمحبطين الذين لا همّ لهم سوى انتظار معاشاتهم الشهرية بين الفينة والأخرى كصدقة جارية لهذه العجوز المسجى جسدها في غرفة الإنعاش ؟!
نأمل أن لا يقترب يوم تنكيس أعلامنا حداداً على آخر أمل كان يشعرنا ببعض الاستقرار ، مع تعجبنا الشديد عن سبب الصمت المطبق الذي يلازم كل أولي الأمر بمختلف درجاتهم ومسؤولياتهم عن هذا الحال الذي وصلنا إليه ! واكتفينا بالبيانات والمناشدات العمالية الهزيلة والتي تظهر خجولة بين الحين والآخر وتتلاشى في الهواء كتلك التي تستجدي الحصول على المستحقات الشهرية المتأخرة لعمال الشركة وكأنها محض أحلام وخيالات أمل كادت توصلهم لدرجة القنوط !