استاذ النظريات الموسيقية العامة بمعهد جميل غانم للفنون الجميلة عدن على مدى ثلاثة أيام قمت بالبحث والسؤال عن عائلة الفنان الشعبي العدني المخضرم سالم عبدالله علي بازغه وعن أصدقائه المقربين حتى وصلت إلى المنزل الذي يسكن فيه بعض أفراد عائلته والكائن في كريتر حي جبل العيدروس والتقيت هناك بأخته من أمه الفنانة فطوم ناصر وأخيه عبده عبدالله علي بازغه وذلك للكتابة عنه وعن بعض مراحل حياته الاجتماعية والفنية.
طلبت من الحجة فطوم أن تحدثنا عن أخيها فقالت " أخي المرحوم سالم من مواليد مدينة عدن حي الطويلة الدوابية عام 1918 تقريباً، وأصل والده من حضرموت، انتقل إلى عدن واشتغل في صناعة الإيقاعات الفخارية(الدرابيج) الواسعة الاستخدام في تلك الفترة كانت زوجته الأولى عيشة " عواش " من بنات مدينة الحديدة بشمال الوطن اليمني التي رزقه الله منها عبدالله ونبيل ومن زوجته الثانية عيسى.
يقول ابنه عبدالله " كان والدي يعمل مع جدي في صناعة الإيقاعات الفخارية التي تعلمها منه صديقه الصانع عبده سيف الذي مارس هذه المهنة واشتهر أيضا بصناعة العيدان وترميم الآلات الموسيقية المختلفة في محله الكائن بجانب مسجد العيدروس بكريتر، كما كان صديقه فضل عاطف يقوم يذرع الجلود للإيقاعات ويتعامل مع فرق الجيش الموسيقية ويرمم طبولها، لكن والدي سالم بازغة كان يحب الشعر والطرب ولم يهتم بالمهنة التي كان يمارسها جدي" .
وفي لقاء جمعني بصديقه عبده سيف قبل وفاته حيث قال لي: كان سالم يجيد العزف على آلة العود كما كان يجيد غناء جميع الألوان الغنائية اليمنية مثل الغناء الصنعاني واليافعي واللحجي والحضرمي والعدنيوالتعزي وألوان غنائية يمنية أخرى وهو شاعر وملحن ومغني وله أعمال كثيرة جداً ولا يلحن ويغني إلاّ من أشعاره.
ويضيف قائلاً : كان سالم فناناً شعبيا بسيطاً ومتواضعاً كما كان متسامحاً دائماً، لذا فإن الكثير من الفنانين قد استغلوا طيبته وتسامحه وكانوا يسطون على ألحانه ويقتبسون منها دون ذكر اسمه: من تلك الأغاني على سبيل المثال أغنية(مهما غبت عني عندي مرجعك) التي غنتها لأول مرة الفنانة اليمنية أكاذيب ومن بعدها غنتها واشتهرت بها الفنانة أمل كعدل، كما غنى له الفنان أحمد فتحي من كلماته وألحانه أغنية (واساكن امجاح آح منك).
كان الفنان سالم بازغه أمياً لا يجيد القراءة والكتابة وكان يسجل أشعاره بصوته في مسجل (ريل جرندنج) ثم يطلب من أحد معارفه أن يكتب له ما سجله من أشعار على الورق.
ومما قالته الحجة فطوم عن أخيها:(كنت منذ صغري أهوى الغناء وكان يشجعني على ذلك ويدربني على غناء الألوان الغنائية اليمنية وعلى بعض من ألحانه فغنيت الكثير منها وكنت أشاركه في إحياء حفلات الزواج(المخادر) في عدنولحج وأبين وكان يشاركنا في إحياء تلك الحفلات أخي محمد بازغه الذي تعلم عزف العود على يد أخيه سالم بازغه وكان صاحب صوت جميل، وقد سجلنا معظم أغانينا على اسطوانات شركة عزعزي فون وشركة بي بي فون وشركة عبد العزيز فون و شركة مستر حمود، من تلك الأغاني: مهما غبت عني عندي مرجعك , روح مني روح ,وا ساكن امجاح*1, من الصحاب قلبي تقنّع وتاب , على شط بحر صيره صادفت هذا الغزال , عدن بلادي عجيبه , لفته ياجميل لفته ,حرّقت الفؤاد , من حبك ياناسي ,عسى الله يحفظك يازين ,سرى الليل يامولى الذهب, أيش رأيكم باشرح لكم ذي القضية .
وتضيف الحجة فطوم قائلة: سجل سالم الكثير من أغانيه أثناء سفرياته وتواجده في مناطق الخليج العربي، وكانت سفرياته إلى هناك بواسطة السفن والسواعي الشراعية التي كانت تجلب التمور والسلع الأخرى إلى بندر عدن وتعود محملة بشتى أصناف البضائع فقد كانت عدن في تلك الفترة منطقة تجارية رائجة وميناء دولي واستراتيجي هام، وكان سالم بازغه وغيره من مطربي عدن مثل المطرب حمودي عطيري الذي اشتهر بغناء الصوت الكويتي والغناء الخليجي يرافقون بحارة تلك السفن إلى عُمان والكويت والبحرين، وكان الناخوذة يتفق معهم على مرافقته في سفرياته وإحياء السهرات الليلية للتسلية وتمضية الوقت مقابل مبلغاً من المال، كان ذلك من بداية خمسينيات القرن الماضي، كماعاش سالم في السعودية مدة سنين مارس خلالها أعمال الدلالة والطرب والغناء، وسافر إلى جيبوتي وسجل لإذاعتها الكثير من الأغاني التي كانت تذاع إلى وقت قريب وبصورة دائمة ومستمرة)
الجدير بالذكر أن جمهورية جيبوتي هي عضو في نادي باريس لحماية الملكية الفكرية في كافة مجالات الثقافة والابداع، لذا كان الفنان سالم بازغة يتسلم مبالغ مالية كانت ترسل له بواسطة بريد عدن كلما بثت إذاعة جيبوتي أغانيه في حين أنه قد استلم حقوقه المادية بعد التسجيل مباشرة.
ومما روته لنا الحجة فطوم عن أخيها:( ومن مطربي زمان الذين عاصروه الفنان حمودي عطيري وعازف الربابة التقليدية القديمة رشاد حسن والفنان إسماعيل سعيد هادي ومن لحج الفنان عوض سالم الطميري والفنان محمد علي الدباشي كما عاصر كبار المطربين أمثال الفنان المطرب عوض عبدالله المسلمي والفنان عمر محفوظ غابة والفنان أحمد عوض الجرَّاش وغيرهم.
وعند قيام ثورة 26سبتمبر1962م في شمال اليمن سجل لإذاعة صنعاء أغنية وطنية لإلهاب حماس الجماهير الثائرة وتعبئتها للدفاع عن تلك الثورة الوليدة تقول كلماتها : قمنا الصباح كانت الساعه ثمان سمعنا صوت من صنعاء هز المكان عاش السلاّل وليحيا جمال وقد سجلها في شريط ريل وأرسلها إلى إذاعة صنعاء التي كانت تبثها يومياً وبشكل دائم وكانت مساهمة منه للثورة الوليدة.
مجد الملك عبدالعزيز آل سعود بأغنية من كلماته ولحنه وصل صيتها إلى المملكة العربية السعودية وسجلها آنذاك على اسطوانات مستر حمود تقول كلماتها : عبدالعزيز ابن السعود ابن الكرم اختاره الله في البيت الحرم وأمن الناس من القوم الظلم تعيش يامولى الجلالة والكرم
وتختم الحجة فطوم حديثها معي قائلة:(سافر إلى المملكة التي احتفت به وكرمته ومكث حينها في مدينة جدة خمس سنوات تقريباً ثم عاد واستقر في عدن عشرون عاماً ثم قرر السفر إلى المملكة وطلب مني مصاحبته لزيارة الأراضي المقدسة ولأداء مناسك العمرة ثم عدنا بعد ذلك إلى عدن وبعد أسبوعين قرر أن يسافر إلى الحديدة لزيارة أهل زوجته فسافر إلى تعز ومنها إلى الحديدة حيث مات هناك بعد وصوله بفترة قصيرة في عام 1988م) .
هوامش : 1. وا ساكن امجاح : وا : بمعنى يا . ام : وهي ال التعريف باللهجة التهامية. امجاح معناها البيوت المبنية من القش والطين التي تشتهر بها مناطق تهامة.