تكاد أن تكون أكثر دولة تتحاور أطرافها السياسية في طابع يبدو ذات مدلول ديمقراطي حكموي إلا أن حوارات هذه البلد لا تنتهي إلا بأزمة أكبر من ذي قبل ، ومرورا بتاريخ الحوارات اليمنية سنرى أن كل تلك الحوارت إنتهت بكوارث جناها الإنسان البسيط على الأرض . فبعد الوحدة اليمنية خاض شريكي الوحدة أول حوار بعد أن بلغت الأزمة اليمنية أشدها بين الحزبين ( الإشتراكي ، المؤتمر ) بعد موجة اغتيالات شديدة شهدها عام 1991 . فضّل على أثرها شريكا الوحدة أن يخوضا الحوار للخروج من المشهد المظلم هذا، طرحت الفكرة وسمي حينها المؤتمر اليمني الجامع . وفي مشهد متسارع تأجل الحوار قبل أن يعقد وأعلن حينها الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر عن مصالحة بين العليين ، كان ساسة الجنوب حريصون على قيام هذا الحوار خصوصاً بعد أن ظهرت خروقات قاتلة استهدفت كبار كفاءات الجنوب ليبدو في نظرهم أن شريك الوحدة لا يحمل أي نوايا حسنة لذا فالحوار يمثل لهم المبدأ الذي سيضع الشريك أمام مشهد واضح ومنتهي . على الصعيد الآخر تملص صالح من هذا الحوار وحرص على عقد مصالحة مع شريك الوحدة نوقشت في غضون ساعات . حاول حزب الرابطة تدارك الأمور وسعى لتشكيل مؤتمر جامع كان راعيا له وراعى في تشكيله أن يشمل مختلف الأحزاب والتنظيمات السياسية الكبرى ، عٌقد المؤتمر وفي مشهد وصف بالغريب تغيب شريكي الوحدة ، تغيب العليان . توالت الأحداث وشهد العام 1992 توتر سياسي انتهى بفكرة عقد مؤتمر يمني جامع يتم على ضوءه دمج الحزبين ( المؤتمر / الإشتراكي ) كحزب سياسي واحد ، قرر له حينها أن يكون في 13 مايو 1993. قاطع كبار ساسة الجنوب هكذا خطوة واعتبروها ليست إلا قفز على الأحداث وكعادته ظهر صالح محاولاً احتواء الموقف ليوكل حينها للعطاس تشكيل حكومة و في موقف ازدواجي أعطى تعليماته لحزب الإصلاح بالاعتراض لينتهي الموقف بتشكيل حكومة ثلاثية شملت ( الإشتراكي ، الإصلاح ، المؤتمر ) كان ذلك فقط بعد الحوار الذي عٌقد في 11 اكتوبر 1993 . وانتهى حينها بإنتخاب مجلس النواب مجلس رئاسي جديد مكون من صالح رئيسًا البيض نائبًا الزنداني ، عبدالعزيز عبدالغني ، سالم صالح أعضاء . رأت عدن أن الموقف السياسي اليمني قد يشهد انفراجه بعد هكذا خطوة وسعت صنعاء حينها لعقد لقاءات عسكرية واجتماعات بين كبار قادة الجيش ( الشماليون ) وصفت حسب تقارير عسكرية جنوبية بأنها استعدادات حرب . توالت التقارير العسكرية لينتهي كل هذا برفض البيض السفر إلى صنعاء لأداء القسم الدستوري مفضلاً الاعتكاف في عدن واضعاً حينها 18 شرط سميت ( خطة الإصلاح السياسي و الإداري ) معتبرًا إياها شروط الإستمرار في الوحدة . وافق صالح على كل شروط البيض مخبراً إياه أن كل شروطه قابلة للنقاش والتوافق شريطة عدم المساس بالوحدة اليمنية . استمرت صنعاء بعقد اللقاءات العسكرية وفي خطوة مماثلة بدت متأخرة للغاية أعطى البيض أوامره للواء الثالث المرابط في عمران بالانسحاب والعودة صوب الجنوب محاولاً بذلك تشكيل حزام حدودي لتقابل الخطوة بانتشار عشرات الآلاف من الجنود الشماليين في محوري تعز و إب لتشهد صنعاء أكبر تعبئة دينية سعى إليها خطباء المساجد متناوله أهمية ودور الجهاد. أوشك الوضع على الإنفجار خصوصاً بعد أن واجه اللواء الثالث المرابط في عمران صعوبة التحرك والتوجه صوب الجنوب . لتتحرك قوة مدرعة من العند صوب الشريط الحدودي مع الشمال . في 22نوفمبر 1993 وتندلع على اثرها أولى الاشتباكات بين طرفي الوحدة علقت عليها عدن أنها مواجهات عسكرية وأعلنت عنها صنعاء أنها صدام بين قوات جنوبية ومواطنون بعد تعدي من قبل القوات الجنوبية . أرسل حينها صالح طلب لهيثم قاسم المعين حديثاً وزيراً للدفاع بعد أن تقطعت سبل التواصل بينه وبين البيض طالباً منه تشكيل لجنة وساطة و تهدئة بين الطرفين ، وفي الوقت الذي سعى فيه هيثم لحل فتيل الأزمة أعلن صالح عن تعليق الحوار وعمل اللجنة لأجل غير مسمى متهماً أطراف جنوبية باختراقات عسكرية ليٌترجم موقفه انه صدر بعد أن تلقى البيان الأخير من قياداته العسكرية خصوصاً بعد أن اتخذت قواته مواقع دفاعية لها على طول الشريط الحدودي . علق صالح حينها كل شيء - لجنة التهدئة برئاسة هيثم -حوار خطة الإصلاح السياسي و الإداري ( شروط البيض ) ليقتصر الموقف على تحركات عسكرية بحتة . في 27 فبراير أعلنت إذاعة عدن بيان محاصرة قوات شمالية للواء الخامس الجنوبي المرابط في حرف سفيان منذرة أن تحرك كهذا ليس إلا شرارة لإندلاع حرب أهلية في كل اليمن ، في 26 مارس انفجر الوضع في أبين و شبوة بين قوتين مدرعتين جنوبية وشمالية انتهت بتهدئة سعت إليها صلالة كانت في 3 ،4 ابريل. كان محور اللقاء وقف الصدام العسكري والشروع لطاولة الحوار وبعد يومي اللقاء أعلنت عمان عن فشل لقاء المصالحة محملة الأطراف اليمنية الفشل ، ليعقب هذا الحوار اندلاع مواجهات في 6 ابريل بين قوات باصهيب وقوات شمالية كانت مرابطة في ذمار . في 27 ابريل أصدر صالح خطبته الشهيرة التي أعلن فيها أنه سيضع حداً لكل من يحاول إجهاض الوحدة ليكون ذلك الخطاب بمثابة الإشارة التي تبعتها تحرك قوات القشيبي مسنودة بالفرقة ومليشيات القبائل موجهة نيران الغدر صوب اللواء الثالث الجنوبي المرابط في عمران لينتهي هذا الهجوم بمجزرة مروعة راح ضحيتها ما يزيد عن 750 شهيداً بعد أربعة أيام متواصلة من المواجهات . توالى الموقف بمحاصرة لواء باصهيب في ذمار في مشهد بدت فيه القوات الشمالية مركزة على إنهاء التواجد العسكري الجنوبي في الشمال لتتبع ذلك بتحرك صوب الجنوب فارضة أمر الوحدة . فرضت الوحدة وانتهى مشهد مكتض بالمواقف المؤلمة عن خروقات وتجاوزات ليوحي لنا في مشهد ثابت وأزلي ، عمره ما يزيد عن 25 عاما من بين كل تلك الحوارات ،المؤتمرات واللقاءات ان الشمال ورجالات الشمال لم يكونوا يوماً قط دٌعاة سلام و لا أهل لسلام ، و أن كل حواراتهم عبر التاريخ الوحدوي لم تكن إلا مرحلة لإلتقاط الأنفاس وتصويب ضربات موجعة قاتلة لطرف الحوار الماد يده . وما حروب صعدة الست ، احداث دماج ، عمران والقشيبي الأخيرة شاهد ، فليتنا نتعلم من الماضي ونحرص أشد الحرص علي أن يكون رهاننا على جيش وطني يحمي أرضه أولا وأخيرا و إلى الأبد . عبدالله ناصر باصميع