اصبح مبدأ حقوق الانسان الذي تهتم به الدول الكبرى وترفعه كشعار باقي دول العالم خاوي من الجوانب العملية والمفاهيم والبنود التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان وخضعت تلك المبادئ لازدواج المعايير التي تفرضها الدول الكبرى .. ما حدث في السنوات الأخيرة في المنطقة وخاصة مع ثورة الربيع العربي تجعلنا نقف امام سياسات غير أخلاقية بالنسبة للدول الكبرى التي تدعي انها حامل لواء الدفاع عن حقوق الانسان ومعها عدد من المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال ، وان الدفاع عن حقوق الانسان اصبح شعار مرتبط بسياسة القوى الدولية الكبرى وشعار لبعض الأنظمة وخاصة الأنظمة القمعية التي تستهدف الانسان بحريته وكرامته ومصادر رزقه وعقيدته وانتمائه .. تنتهك الإنسانية كل يوم في كثير من دول العالم وخاصة الدول التي تعاني من صراعات سياسية وعرقية وطائفية ودينية وغيرها من أسباب الصراع ، ونجد ان التعامل مع تلك الانتهاكات يخضع للمواقف السياسية للدول الكبرى ومن يسير في فلكها ، بمعنى ان حقوق الانسان تتخذ مدخلا لتلك الدول لتنفيذ اجندات سياسية خاصة بها بعيدا عن حماية حقوق الانسان وفقا للمعايير التي نصت عليها المواثيق الدولية .. أصبحت حقوق الانسان ورقة تستخدمها الدول الكبرى للمزايدة السياسية وورقة ضغط على الأنظمة لتحقيق مصالح واجندات سياسية معينة ، مثلا .. ما حدث في تركيا من اعتقالات عقب انقلاب مسلح على حكومة منتخبة ديموقراطيا ، استخدم الانقلابيين القوة المفرطة من الدقائق الأولى للانقلاب وقاموا بقتل مئات المواطنين واستخدموا الدبابات لسحق المواطنين في الشوارع والطائرات لقصف المرافق ، إضافة الى اعداد قوائم بعشرات الالاف لقتلهم واعتقالهم كما ورد في وثائق مخطط الانقلاب .. على ضوء ذلك الانقلاب قامت السلطات التركية بممارسة مهامها الدستورية بحماية البلاد وافشال الانقلاب وحماية الخيار الديموقراطي وهو المبدأ الاخر الذي يهتم له الغرب ، ومن الطبيعي ان تقوم السلطات التركية بتنفيذ اعتقالات للمتورطين والمشتبه بهم بدعم الانقلاب وهو اجراء قانوني وتقوم به كل الأنظمة التي تتعرض لمحاولات انقلابية بل تقوم بتجميد العمل بالدستور وإعلان الطوارئ واي إجراءات ترى انها مناسبة مثل التوقيف والمنع من السفر والاحتجاز ، وما قامت به تركيا الى الان لم يتجاوز الإجراءات الضرورية لملاحقة المتورطين حماية للنظام .. لكن الهجمة الغربية على تركيا تحت شعار حقوق الانسان لم يرتقي فعلا لمبدأ حماية حقوق الانسان لان السلطات التركية لم تستكمل إجراءات التحقيق ولم يصدر أي حكم قضائي الى الان بحق الانقلابيين المعتقلين ، و ما قامت به السلطات هي إجراءات وقائية للسيطرة على الوضع وحماية النظام والمواطنين من ان تتعرض للفوضى ، وان مواقف الدول الاوربية وامريكا وبعض الدول التي تتشدق بحقوق الانسان ونظامها من اكبر الأنظمة القمعية سارعت لاصدار البيانات والادانات والتصريحات خوفا على الانقلابيين من الانتهاك ضاربة عرض الحائط الجريمة التي قاموا بها .. هذه المواقف المستعجلة تدل على ان هناك اجندات سياسية لتلك الدول تتعلق بالانقلاب وتقديم الدعم له او ان بعضها تقف ورائه بشكل مباشر وغير مباشر ، خاصة انه صدر منها مواقف سياسية او إعلامية داعمة للانقلاب في ساعته الأولى ، ومواقف تلك الدول تحت عنوان حقوق الانسان هو غطاء لتخفي ورائه علاقتها بالانقلاب ولتنفيذ اجندات سياسية مخطط لها مسبقا ، ولو كان المبدأ هو حقوق الانسان فعلا فهناك انتهاكات ومجازر بشعة تمارس من سنوات ضد الإنسانية وتحتاج للإغاثة العاجلة لوقف تلك المجازر .. في اليمن ومصر وسوريا وليبيا والعراق وفلسطينوايران وأفغانستان وبورما ودول افريقية أخرى انتهكت الإنسانية وحدثت مجازر في تلك البلدان على ايدي الأنظمة والمليشيا المسلحة ولم ترتقي المواقف الدولية وخاصة الامريكية والاوربية الى المستوى الأخلاقي في تعاملها مع قضية حقوق الانسان في تلك الدول وانما وفق مصالحها واجندتها السياسية الداعمة لانتهاك حقوق الانسان تحت شعار حقوق الانسان .. في اليمن ارتكبت مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية جرائم بحق الإنسانية تصنف كجرائم حرب ضد الإنسانية من قتل وتدمير وتفجير للمنازل ونهب واعتقالات وتعذيب حتى الموت وتجويع وتشريد وكل أنواع الجرائم ويوجد الالاف من المواطنين معتقلين ومخفيين قسرا وانتهاك الطفولة ، ومع ذلك لم تبادر الولاياتالمتحدة واوروبا والدول التي تقع ضمن فلكهما الى تصنيف هذه المليشيا الانقلابية بمليشيا إرهابية وفقا للجرائم التي ارتكبتها وممارستها القمعية ، ولم ترتقي مواقف تلك الدول الى الحد الأدنى لحماية حقوق الانسان وفق المعايير التي تضمنتها المواثيق الدولية لحقوق الانسان .. في سوريا انتهكت الإنسانية بكل معانيها وارتكبت كل أنواع المجازر الوحشية بحق الانسان السوري وبكل أنواع أدوات الجريمة ، بداية من السلاح الشخصي الى السلاح الكيماوي والغازات السامة والبراميل المتفجرة واخرها جريمة طيران التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب والذي راح ضحيته اكثر من 300 شخص في منبج والمناطق المجاورة ، ومع كل تلك الجرائم والمجازر التي ترتكب بسبب دعم وتشجيع الدول المتباكية على حقوق الانسان في تركيا ، وبسبب تواطأها مع النظام الإرهابي الذي قتل الى الان قرابة المليون سوري وشرد الملايين واعتقل مئات الالاف .. في مصر ، دعمت الدول المتباكية على حقوق الانسان بتركيا الانقلاب في مصر على نظام ديموقراطي وحكومة شرعية وقام الانقلابيين في مصر بقتل الالاف واعتقال عشرات الالاف بما في ذلك اعتقال اطفال قاصرين ونساء وتم اعتقال الالاف من الطلاب والطالبات من المدارس والجامعات وكل المعتقلين من المعارضين للانقلاب وهذا حق من حقوقهم ، ومن عامين والاحكام العسكرية تصدر بإعدام الالاف على شكل قوائم طويلة بعد محاكمات لا يتوفر لها ابسط القواعد والضمانات القضائية المعروفة ، واجمالا .. ما حدث في مصر من جرائم وانتهاكات ورغم فضاعتها ووحشيتها الا انها لم ترتقي الى مستوى اهتمام تلك الدول الا في الحدود التي تحتاجه كورقة ضغط تذكر به النظام في مصر للوفاء بإلتزاماته التي جاء من اجلها الانقلاب .. في فلسطين ليس للإنسان الفلسطيني أي حقوق او إكرامه امام سياسات العدو الصهيوني المحتل ، والفلسطيني مباح دمه وعرضه وماله وترتكب الجرائم يوميا ويقتل الأطفال والنساء والرجال في الشوارع لمجرد انه فلسطيني يعتقد انه حامل سكين فيتم اطلاق الرصاص الحي لقتله مباشرة ، ومع هذا نجد الغياب الكامل لدور تلك الدول والمنظمات الدولية بل ان تلك الدول والمنظمات تهتم لمشاعر سلطات الاحتلال اكثر من إنسانية الفلسطيني وحقوقه المغتصبة .. في ليبيا والعراق وايران وأفغانستان وبورما يذبح الانسان بالهوية وتنفذ الاعدامات بالجملة ( ايران والعراق وبورما ) وترتكب المجازر بحق الإنسانية وضد مواطني تلك البلدان كل يوم ، ولم نجد تلك المواقف التي حركتها الاعتقالات الاحترازية في تركيا .. الانسان لا قيمة له في نظر الدول الكبرى والمؤسسات الدولية الا بحدود مقتضيات حاجات اجندتها السياسية والاستعمارية ضد تلك البلدان ، فبشار والحوثي والخامنئي والمالكي وحسن نصرالله وحفتر والسيسي وباقي المجرمين عندهم بمثابة ابطال ، لانهم ينفذون سياسات تلك الدول ويقمعون شعوبهم ، هذه هي حقيقة حقوق الانسان عمليا بالنسبة لامريكا واوروبا والدول التي تحوم في فلكيهما .. حقوق الانسان مجموعة مبادئ فرضها واقع الحاجة لحماية الانسان من الديكتاتوريات عبر مراحل زمنية طويلة ، ورغم ان منظومة مبادئ حقوق الانسان مهمة وضرورية الا ان الدول الكبرى وظفتها لخدمة اجندتها السياسية وحولتها الى سوط يرفع في وجه الأنظمة التي ترى انها غير تابعة لها او استخدامها كورقة ضغط بعيدا عن جوانبها العملية والأخلاقية .. مبادئ حقوق الانسان تهتم للإنسان دون النظر للونه او مكانه او ديانته او عرقه ، وهذا هو الأساس ، ونتجة للسياسات الاستعلائية عملت على تحريف هذه المبادئ وتفريغها من مضمونها الأخلاقي ، وحولت حقوق الانسان الى سيف مسلط على رقاب الأنظمة وخاصة ذات الطابع الإسلامي والعربي تحديدا ، وأصبحت قضية حقوق الانسان تفتقد للجانب الأخلاقي بكل ابعاده من قبل الدول الكبرى والمنظمات الدولية ..
اختتم الموضوع بإقتباس الفقرة التعريفية من موسوعة ويكيبيديا لحقوق الانسان ( حقوق الإنسان هي المبادئ الأخلاقية أو المعايير الإجتماعية التي تصف نموذجاً للسلوك البشري الذي يفُهم عموما بأنه حقوق أساسية لا يجوز المس بها "مستحقة وأصيلة لكل شخص لمجرد كونها أو كونه إنسان"؛ ملازمة لهم بغض النظر عن هويتهم أو مكان وجودهم أو لغتهم أو ديانتهم أو أصلهم العرقي أو أي وضع آخر. وحمايتها منظمة كحقوق قانونية في إطار القوانين المحلية والدولية. وهي كلّية تنطبق في كل مكان وفي كل وقت ومساواتية ذاتها واحدة لكل الناس، تتطلب التماهي والتشاعر وسيادة القانون وتفرض على المرء إحترام الحقوق الإنسانية للآخرين. ولا يجوز ولا ينبغي أن تُنتزع إلا نتيجة لإجراءات قانونية واجبة تضمن الحقوق ووفقا لظروف محددة. فمثلا، قد تشتمل حقوق الإنسان على التحرر من الحبس ظلما والتعذيب والإعدام. وهي تقر لجميع أفراد الأسرة البشرية قيمة وكرامة أصيلة فيهم. وبإقرار هذه الحريات فإن المرء يستطيع أن يتمتع بالأمن والأمان، ويصبح قادراً على اتخاذ القرارات التي تنظم حياته. فالاعتراف بالكرامة المتأصلة لدى الأسرة البشرية وبحقوقها المتساوية الثابتة يعتبر ركيزة أساسية للحرية والعدل وتحقيق السلام في العالم. وإن ازدراء أو التغاضي وإغفال حقوق الإنسان، لهو أمر يفضي إلى كوارث ضد الإنسانية، وأعمالا همجية، آذت وخلّفت جروحا وشروخا عميقة في الضمير الإنساني. ولهذا فإنه من الضروري والواجب أن يتولى القانون والتشريعات الدولية والوطنية، حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم، ولكي لا يشهد العالم والإنسانية مزيدا من الكوارث ضد حقوق الإنسان و الضمير الإنساني جميعا. ) .. حقوق الانسان التي تدعيها أمريكا واوربا تخالف مبادئ حقوق الانسان بل حولت هذه المبادئ الى أدوات استعمارية توظفها ضد الأنظمة التي تعمل لإخضاعها لتنفيذ سياسات خاصة بالدول الكبرى ، والامثلة على ذلك كثيرة ( تقارير المنظمات الدولية والخارجية الامريكية والمفوضية الاوربية والتقارير الخاصة بتلك الدول منفردة ) وبالنسبة للمنطقة العربية والإسلامية فإن قضية حقوق الانسان عبارة عن مدخل استعماري لفرض سياسات معينة ، اما الانسان في المنطقة العربية والإسلامية فهو ضحية سياسات تلك الدول وخاصة من خلال توفر الدعم السياسي والعسكري للأنظمة القمعية والمليشيا المسلحة ..