ليس أشق على إنسان من أن يفقد من هو أعز وأحبُ إليه أو على الراحلون من أعلام الوطن ورموزها فرحيل الأستاذ المربي القدير والشخصية الإجتماعية المعروفة "قاسم عفيف بن عفيف " مساء 12/8/2016م عن عمر ناهز ال60 عام وبعد صراع طويل مع المرض كان قد شكل فاجعة كبرى وصدمة قوية هزت قلوب أهله وكل أصدقائه ومحبيه بل ان وطنه الجنوب الحبيب قد خسر هامة تربوية قديرة وشخصية إجتماعية مناضلة مرموقة وبمناسبة مرور أربعين يوما على رحيل "ابو رياض " احببت أن أتذكر زميلي وأخي وصديقي "قاسم" الذي رافقته وزاملته جُل سنوات العمر ،لألقي بعض الضوء على حياته . الفقيد من مواليد 1956م ،إنبتته أرض الجنوب في قرية الصافأ مديرية الشعيب -الضالع ،بذرة طيبة من غرس أسرة وطنية مناضلة ،بدأ دراسته في مدرسة العوابل الابتدائية ثم مدرسة الضالع الإعدادية وبعدها تخرج عام 72م كمدرساً في مدرسة الرباط الإبتدائية وفي عام 74م أنتقل إلى مدرسة الشهيد المكلاني المصنعة وعمل فيها مدرساً ثم مديراً لها بالإضافة إلى إضطلاعه بعدة مهام سياسية وجماهيرية منها سكرتير أول لمنظمة الاشتراكي القاعدية لقرى مكلان ،المصنعة ،الجعافر ،الصرحة ،واقد ،الحلج ،وكان واحداً من مؤسسي منظمة لجان الدفاع الشعبي في مديرية الشعيب وعضواً قيادياً ل(أشيد ) بالمديرية ولنشاطه الحيوي في إطار هذا الإتحاد الشبابي بُعث للدراسة لمدة عام في جمهورية ألمانيا 85م ونال العديد من الشهادات التقديرية لدوره في المجالات التعليمية والحزبية والشبابية والجماهيرية . لقد شكل رحيل "ابو لواء" بالنسبة لي صدع في الفؤاد لا ينجبر أبدا ،وصدمة هزت كياني هزاً عنيفاً ولم أستطع أن أنساه طيلة حياتي .. لحظات حزينة ومؤلمة خيمة عليّ إلى درجة كدت أصاب معها بصدمة عصبية ،ففي لحظة نقله إلى المستشفى ،ارمي بنظرة سريعة إلى وجه صديقي يعتصر القلق نبضاتي تصرخ النبضات في جوفي وأنا أتوجس شراً أحدق في عينيه المغلقتين أترقب أنفاسه الواهنة أمسح بيد المودة على جبينه ولكنه يا حزني ذهب إلى عالم الموت البعيد ،فما عدت أراه حتى الأبد في مسالك هذا الوجود ..أناديه من وراء الوجود ولكن عبثا ادعو فانه بعيداً عني لايسمع نداء روحي ولا صرخات قلبي ..أعرف ياصديقي الحبيب ان كلماتي ستصلك حيث صار جسدك الممد في قبر الآخرة ..نعم ستصلك فهأنا أكتشفت الآن إن شمسكم تغرب كلياً فقد تركت لنا خير ما تركت وأعز ما أنجبت . في أيامه الأخيرة قبل أن يغادر دار الفناء ليلتحق بدار البقاء ومن خلال زيارتي المتكررة له وفي حين تكون جلساتنا على إنفراد لم تمنعه حالته الصحية المتردية ولم تمنعه أزمته القلبية الحادة من أن يعيد أهم ماهو في شريط الذكريات الخاصة وأحداثها يستذكرها ويسترجع مواقفها ومكابداتها وبالذات الايام التي كان يطلق عليها الفقيد "بأيام العز " نعم لقد خبُر الحياة وذاق حلوها ومرها ..رحم الله "ابو نجيب " في آخر زيارتي له أي قبل خمس ساعات من وفاته كنا نبتسم في وجه بعضنا ونتساءل تلك الأسئلة المعتادة فجأة قطع الحديث ليخبرني بمرض صديقنا العزيز عبدالله صالح الجحافي في حين رفع هاتفه وأخذ يجري الإتصال بصديقنا ليطمئن على صحته الرد كان من قبل أخيه محمد قائلا عبدالله لازال في العناية المركزة ،لايسمح لنا بزيارته في هذه اللحظة أما صحته فلم يطرأ عليها أي تحسن ..كان رد الفقيد متأسفا وملامح الحزن تبدو على وجهه ،بكرة سأكون في عدن وإن شاء الله أزوره وهذا دليل يؤكد معنى الوفاء والإعتراف بالفضل لأصحابه وهو في آخر ساعات من حياته ..فسبحان الله في ذلك حلقت روح "ابو الهيثم" حيث خالقها بعد خمس ساعات من إجراء هذه المكالمة وبعد "29"يوما من وفاته شاءت الأقدار من بعده أن يفارق صديقه "عبدالله " الحياة وكان هذا الخبر صادقاً كذلك كصديق عزيز على قلوبنا جميعا طيب الله ثراه برحمته .نعم لقد أعتبر الفقيد الموت كالذئب الذي يريد أن يفترسه وظل يطارده من مكان الى آخر داخل الوطن وخارجه في حين تمكن الموت سريعا من " ابو خالد " لقد عاش الفقيد مواقف شعبه في الجنوب وكانت كلماته أكثر صدقا وتعبيراً عن آماله وتطلعاته كان جريئاً ومعارضاً جد الرأي ثابت المبدأ كانت آراءه تتسم دائماً بالإتزان والعقلانية صادقاً ووفياً في توجهاته وقناعاته ومواقفه ..كان حقاني بلا تطرف وصريح بلا تجريح يتسم بالإباء والكرم والشهامة يرفض النفاق والمجاملة والتزلف وسرعان مايغضب وينفعل ويثور لكنه مايلبث أن يهدأ ويستكين . ولعل أكثر ما يتميز به فقيدنا من الصفات الشخصية هو صفاء السريرة ونقاوة الضمير وبساطته المتناهية في علاقته مع أصدقائه ومحبيه حيث كان أباً حنونا ومثالياً مع أولاده الخمسة وبناته الأربع وأحفاده الواحد والعشرون يبتسم للإطفال بابتسامته السخية التي تستطيع أن تفرحهم بسرعة قياسية.. فهو من كان يمسح دمعة الحزين بما يمتلك من إمكانية ،ويحس ويشعر بالفقراء والآمهم إلى حد مثير للعطف والإشفاق ..جمع القلوب على محبته وكانت لديه القدرة على إكتساب ثقة حب الناس ومودتهم فضلا عن قدرته على إشاعة روح الألفة والمحبة في أي مجلس يرتاده حيث كان لمكارم الأخلاق دور محوري في تعميق علاقته بالجميع والدليل هو الحضور الكبير الذي شهده موكبه الجنائزي لتشييع جثمانه وكذا مواكب العزاء التي تقاطرت الى منزله من مختلف القرى والمناطق وذلك يمثل صورة من صور الوفاء والمحبة لذلك الإنسان الذي أستطاع خلال مراحل حياته أن ينتزع بأستحقاق ذلك الشعور في نفس من عرفه وأن المشاهد لهذه الصورة من الوفاء لا يجد صعوبة في معرفة مقدار تلك المحبة الصادقة والمكانة الإجتماعية والأخلاقية التي أحتلها الفقيد في نفوس الجميع . في أعقاب رحيل "عفيف "علامة إستفهام ولدة لدى الكثير من يسعه أن يصير "العفيفي"كما كان يطلق عليه هذا الاسم طبيبه وصديقه المصري الدكتور محمد فوزي وهو تعبير عن إحساس أصدقاءه ومحبيه أي من يعوض عن إنطفاء شعلة اجتماعية وتربوية متقدة ..من يحل مكانه في مقيله المفتوح الذي كان يملؤه أنفاسه بالدفء فعلا كان مصباح المكان ومصدر بهجته وسرور لمد يديه بابتسامته العريضة التي ترتسم على محياه.. كيف لا وهو ذلك الرجل المتخلق وهو أجمل مافينا من صفات حميدة وسجايا رائعة .. لقد مات "قاسم" حقاً ولكن تغش قلوبنا ثقة ورضاء وكثير من الإعتزاز بإنه ترك من بعده رجال أفلح في تربيتهم شربوا من حليب نبل أخلاقه وسماحة نفسه وجودها ..نعم أنه رجل برجال ..وجربة بمال ،أو كما يقال" من خلف ما مات" لم نتمكن من وصف حياة فقيدنا ابو الرجال في هذه المرثاة إنما هي عجالة ذكرنا غيضا من فيض لسيرة حياته فهو يستحق كل الدعاء له بالرحمة والمغفرة وبإن يسكنه ربنا فسيح جناته وأن يلهم أهله وذويه وكل أصدقائه ومحبيه الصبر والسلوان ..إنا لله وإنا إليه راجعون .