خلال الاسابيع الماضية تصدرت المشهد السياسي في اليمن عموما والجنوب على وجه الخصوص! ثلاثة عناوين رئيسية حول الازمة السياسية والحرب في اليمن استحوذت على المشهد باهتمام بالغ ومتابعة من قبل القوى السياسية والنخب والشخصيات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني الجنوبية وهذه العناوين هي : -خطة جون كيري وزير خارجية الولاياتالمتحدة حول مسار الحل السياسي للنزاع في اليمن - مبادرة اللواء عيدروس الزبيدي محافظ محافظة عدن بشأن تشكيل كيان سياسي جنوبي يمثل الجنوب في الداخل والخارج. - قرار الرئيس عبدربه منصور هادي بنقل البنك المركزي الى عدن. في خضم الجدل والنقاش الواسع التي احيطت به هذه العناوين حاولت البحث عبر هذه القراءة الافتراضية البحث عن الروابط بين هذه المتواليات بعناوينها وتوقيتها وما لفت نظري انه ربما توجد روابط سببية ذات بعد سياسي, لكنها غير منسجمه مع بعضها فخطة كيري حول استئناف عملية السلام التي توقفت في الكويت لم تتطرق لا من قريب ولا من بعيد للقضية الجنوبية . اما البنك المركزي فقد كان له وضع خاص منذ بداية الازمه حيث توافقت جميع الاطراف اليمنية والاقليمية والدولية على تحييده في عملية الصراع واتفق على وضعه في اطار محايد سمي باتفاق (الهدنه الاقتصادية) . الانسجام الوحيد الذي يمكن ملاحظته هو التتابع الزمني المتقارب لهذه (الاحداث) دعونا نسميها هكذا ان شئتم. والمستجد الابرز هنا هو مبادرة (الكيان السياسي الجنوبي) التي اطلقها اللواء عيدورس الزبيدي محافظ محافظة عدن. ما الجديد اذا؟! ...ترى هل هناك رابط بين خطة كيري حول التسوية السياسية بمبادرة محافظ محافظة عدن بأنشاء كيان سياسي جنوبي ,بعد عودته مباشرة من السعودية وبعد مغادرة كيري للرياض قبلة بفترة وجيزة. هل كانت هذه الخطوة مطروحة على بساط البحث لتشملها(خارطة الطريق ) التي اوكلت الى ممثل الامين العام للأمم المتحدة ولد الشيخ احمد ليقوم بأعدادها, وهل هناك رابط بين ما يفترض انه تم التداول حوله مع كيري حول نقل البنك المركزي الى عدن بما معنى اسقاط مفهوم حيادية البنك ووضعه في كنف الحكومة الشرعية بعد ان عبث الحوثيون بأموال البنك وبالتالي اعلان وفاتها (اي الهدنه الاقتصادية ) واعطاء العاصمة الجنوبية المؤقتة عدن كما اعلنتها الحكومة الشرعية, وضعا خاصا في ظل قيادتها الجنوبية الحالية, لكن المعروف ان الادارة الأمريكية كانت الى وقت قريب تعارض بشدة قيام الحكومة الشرعية الاقدام على خطوة كهذه . المنطق السياسي ربما يقول ان ترتيب اولويات الادارة الامريكية الحالية وهي على مشارف توديع البيت الابيض بعد اشهر قليلة ينحصر في خطة الحل السياسي للملف اليمني دون غيرها, وأن اي خطوات من قبل الحكومة الشرعية لا تنسجم مع هذا التوجه قد تعد خروجا عليها او عرقلتها او حتى نسفها من الاساس, او اعتباره تصرف من جانب واحد لا يخدم مسار العملية السياسية. اذا افترضنا ان كل ذلك قد جرى اخذه في الحسبان خصوصا فيما يتعلق بنقل البنك المركزي, من قبل الحكومة الشرعية وان الادارة الأمريكية قد احيطت علما به وبلعت مواقفها السابقة ودعت الامر يمر دون ضجيج. فماذا حدث بشأن مبادرة اللواء عيدروس الزبيدي!! هل سمحت بمرور هذه الاشارة اذا كانت لها علاقة بزيارة الرئيس حيدر العطاس التي تعد الاولى لمسؤول جنوبي كبير للولايات المتحدة مؤخرا ولقائه مسؤولين كبار من الحزب الديمقراطي الامريكي ,الذي يمثل الادارة الأمريكية الحالية كبالون اختبار لجس ردود الفعل الجنوبية والبناء عليها لاحقا سلبا او ايجابا. من الواضح ان الادارة الامريكية ليست في وارد ولا ترغب في توسيع شقة الخلاف مع حليفتها المملكة العربية السعودية حول الملف اليمني الذي في الواقع لا يمثل اولوية بالنسبة لها اي للإدارة الأمريكية ,حيث ينصب تركيزها على الملف السوري وهي بحاجة لترويض الموقف السعودي المتشدد في الملف السوري لإنجاح الخطة الأمريكية الروسية في سوريا. في المقابل ربما تترك مساحة من التحرك والتصرف للمملكة والامارات في الملف اليمني من دون ضغط او الاصطدام معها والتعاطي المشروط بمقاربات منها حث الحكومة الشرعية على تأجيل معركة صنعاء او حتى عدم التفكير فيها من الاساس ,والالتزام بما يسمى بقواعد الاشتباك لتجنب سقوط ضحايا مدنيين . لكن الحقيقة ايضا تخفي الكثير من المرارات في النفوس , فالمملكة العربية السعودية والامارات العربية لا تنظران بارتياح للممارسات الأمريكية في التعامل مع ملفات المنطقة بما فيها التحالف في مكافحة الارهاب لان فيها الكثير من التجاوز المفرط والتجاهل لدور هذين الشريكين وعدم احترام معنى الشراكة من قبل واشنطن كما حدث في الخطة الأمريكية الروسية حول سوريا. مما عزز الشكوك المتبادلة حول المقاربات الأمريكية من مفهوم الامن الخليجي خاصة من قبل المملكة العربية السعودية التي تنظر الى التقارب الامريكي الايراني وتنامى الاتصالات والتفاهمات حول العديد من الملفات ذات الصلة بين واشنطن وطهران, في حين يزداد التمدد والتغول الايراني في هذه الممارسات: الكثير من النفاق والقليل من المصداقية. وثمة اسباب اخرى تفاقم الشعور بالخيبة في منطقة الخليج ازاء واشنطن بان هناك اقصاء متعمد للملكة العربية السعودية كلاعب اقليمي محوري والتقليل من دورها ونفوذها في المنطقة مقابل تصاعد دور ونفوذ كل من تركيا وايران . ما الذي جعل الامور تأخذ هذا المنحى من التجاذب بين اصدقاء وحلفاء الامس!! هل سنشهد تبدلا في صياغة قواعد اللعبة في المنطقة التي ظلت تتحكم في ادارتها الولاياتالمتحدة لعقود طويله تكون المملكة العربية السعودية والامارات عرابيها ولاعبين اساسيين فيها بعد ان فرضتا حضورهما بقوة في ملفات عديده في المنطقة ومعها دول الخليج الاخرى بالتبعية, تكون فيه شريكا حقيقيا فاعلا فيها لا تابعا. ربما الاجابة ستجد لها مكانا في مآلات الازمة اليمنية وادارتها سواء في الحرب او السلام التي يبدوا ان فصولها لن تنتهي قريبا, وايضا في القدرة والارادة وحسن التدبير في اعادة صياغة الوضع في اليمن بما يتلائم مع هذه الرغبات والتوجهات ربما يكون عنوانه الاساسي (امن دول منطقة الخليج العربي) اليمن (شمال)(جنوب) يحقق لها القدرة على فرض الحماية والسيطرة في المنطقة ومجابهة كافة التحديات والتهديدات سواء تلك التي تأتي من الخارج او من الداخل حتى تصبح هذه (المنظومة الجديدة) اكثر ثباتا لوجودها, وحتما ستترك بصمة كبيرة على خارطة المنطقة . هذا سيستدعي بالضرورة اعادة النظر في التحالفات القديمة بين (المجموعة الخليجية) واليمن (الشمال تحديدا) التي كانت قائمة على الولاءات الشخصية والجهوية والقبلية .اثبتت الاحداث خلال اكثر من نصف قرن ان هذه الولاءات في تبدل مستمر حسب المصالح ولا يمكن الوثوق بها, وما الحرب الاخيرة الا دليل واضح وفاضح لها. اسس وقواعد تحالفات تقوم على المشتركات الوطنية والقومية والانسانية مع( الشمال)ومع(الجنوب) وعلى تغيير حقيقي بنيوي لمفهوم الدولة فيمها واساسه قيم الحداثة والمدنية ,يؤسس لشراكه متينه مستدامة تصمد امام كافة التحديات والمهددات..
هامش: في ضوء ما تقدم على الجنوبين ان يأخذوا نفسا عميقا وان يدركوا بان مبادرة الاخ المحافظ عيدروس الزبيدي لم تأتي من فراغ ولا صرخة في واد ولكنها صيحة من اعماق مناضل تسكنه روح الشهداء الذين يسقطون كل يوم في معارك الحرية والكرامة ويؤرقه انين الجرحى الذين يحملون في اجسادهم اوسمة الشرف لوطن مثخن بالجراح اسمه الجنوب. ثقوا فيه وكونوا معه واحذروا (من خساسة الحنشان)