انهيار حوثي جديد: 5 من كبار الضباط يسقطون في ميدان المعركة    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    نتائج قرعة أندية الدرجة الثالثة بساحل حضرموت    نائب رئيس نادي الطليعة يوضح الملصق الدعائي بباص النادي تم باتفاق مع الادارة    شاب سعودي يقتل أخته لعدم رضاه عن قيادتها السيارة    الهلال يلتقي النصر بنهائي كأس ملك السعودية    كان طفلا يرعى الغنم فانفجر به لغم حوثي.. شاهد البطل الذي رفع العلم وصور الرئيس العليمي بيديه المبتورتين يروي قصته    لتجهيل المجتمع ومحاربة التعليم.. رعاية حوثية للغش في الامتحانات الثانوية    تعز.. حملة أمنية تزيل 43 من المباني والاستحداثات المخالفة للقانون    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    توضيح من أمن عدن بشأن مطاردة ناشط موالٍ للانتقالي    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    34 ألف شهيد في غزة منذ بداية الحرب والمجازر متواصلة    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    الخميني والتصوف    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    الريال ينتظر هدية جيرونا لحسم لقب الدوري الإسباني أمام قادش    الرواية الحوثية بشأن وفاة وإصابة 8 مغتربين في حادث انقلاب سيارة من منحدر على طريق صنعاء الحديدة    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    الخطوط الجوية اليمنية توضح تفاصيل أسعار التذاكر وتكشف عن خطط جديدة    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    الحوثيون يعلنون استعدادهم لدعم إيران في حرب إقليمية: تصعيد التوتر في المنطقة بعد هجمات على السفن    مخاوف الحوثيين من حرب دولية تدفعهم للقبول باتفاق هدنة مع الحكومة وواشنطن تريد هزيمتهم عسكرياً    احتجاجات "كهربائية" تُشعل نار الغضب في خورمكسر عدن: أهالي الحي يقطعون الطريق أمام المطار    مبلغ مالي كبير وحجة إلى بيت الله الحرام وسلاح شخصي.. ثاني تكريم للشاب البطل الذي أذهل الجميع باستقبال الرئيس العليمي في مارب    غارسيا يتحدث عن مستقبله    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    كأس خادم الحرمين الشريفين ... الهلال المنقوص يتخطى الاتحاد في معركة نارية    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ردفان .. العودة إلى الجهاد الاكبر استطلاع لمجلة العربي الكويتي 1988م
نشر في عدن الغد يوم 13 - 10 - 2016

ونحن نحتفل بذكرى ثورة 14 اكتوبر المجيدة في الجنوب تنشر " عدن الغد "" استطلاع مصور لمجلة العربي الكويتي عن مديرية ردفان نشر قبل 28 عام جدير بالقراءة والاهتمام لكونه يحكي تاريخ منطقة كانت احد اسباب قيام ثورة اكتوبر ونشكر في نفس الوقت الباحث والمهتم بالتراث سالم بن سالم الذي قدم لنا نسخة من الاستطلاع المنشور لنشرة بهذه المناسبة الغالية على قلوب كل جنوبي حر فالى الاستطلاع :

اعدها للنشر : هشام عطيري



بعد ربع قرن على الثورة ردفان .. العودة إلى الجهاد الاكبر
استطلاع سليمان الشيخ
تصوير فهد الكوح


معظم مساحة مديرية ردفان في جمهورية اليمني الديمقراطية الشعبية تتكون من جبال وجبالها مسننة ووعرة ، نادرة الاشجار ، مع ذلك فإنها احتضنت المجموعات الاولى التي اعلنت الثورة على الانكليز ، بعد أن استعمروا البلاد منذ عام 1839م وجعلوا ميناء عدن محطة مهمة تزودهم بالوقود والغذاء لمواصلة رحلتهم الى مستعمراتهم في الهند او العكس .

في مثل هذه الايام منذ ربع قرن مضى ، انطلقت الرصاصات الاولى للثورة على الانجليز من قمم جبال ردفان ، فكيف هي حياة الناس الآن ، بعد مضي هذا الزمن ؟ وما هي ذكريات الرعيل الذي واجه غطرسة المستعمرين ودباباتهم ، وطيرانهم ، واسلحتهم المتقدمة ، وهو لا يملك إلا اسلحة الايمان بقضيته .. والاصرار على تحرير بلاده .. وبضع بنادق قديمة ؟

قبل الدخول في تفصيلات عن الزمن الذي كان ، ووقائع الحاضر ، فإنه يجدر بنا تسجيل مجموعة من الحقائق عن المنطقة

إن مديرية ردفان تتبع الآن محافظة لحج ، أي المحافظة الثانية كما كانت تسمى من قبل ، وهي تقع شمال مدينة عدن ، وتبعد عنها حوالي مائة كيلومتر، وعندما وصلناها فإننا اكتشفنا أنه لا يوجد قرية أو بلدة ، أو جبل محدد اسمه ردفان .. بل أنه اسم يطلق على منطقة باكملها بما فيها من جبال ووديان وقرى وسهول ، واعلى ارتفاع سجل لاحدى قمم جبالها وصل الى 1862متر .

يبلغ عدد سكان المنطقة حوالي مائة الف نسمة وكان يغلب عليهم الطابع القبلي اهم القبائل التي تسكنها هي : القطيبي ، العبدلي ، البكري ، الحجيلي ، الضنبري ، وغيرها .

وقد كانت هذه القبائل تتنافس وتتنازع فيما بينها ، ونتج عن ذلك مع غيره من اسباب حرمان المنطقة من كثير من مظاهر التقدم .

مع ذلك فإن هذه المنطقة نفسها كانت مهد الشمالي من القطر اليمني ، الذي قامت فيه ثورة ضدا لملكية في 26سبتمبر سنة 1962م واصبح يمثل سندا حقيقيا لاي عمل ثوري في الجنوب ، وتفصل ردفان عن حدود اليمن الشمالي مناطق واراضي الضالع والعلوي والحواشب من ناحية الغرب ، كما ويفصلها حالمين والشعيب والمفلحي شمالا وكلها مناطق جبلية وعرة ، مع ذلك فإن الثورة انطلقت من منطقة ردفان بالذات وليس من غيرها ؟

عند قيام الثورة في اليمن الشمالي سنة 1962م وتعرضها لبعض المؤامرات والمواجهات فإن آلاف الافراد انطلقوا من جنوب اليمن للمشاركة في حماية الثورة في الشمال والدفاع عنها ، وكان من بينهم المئات من ابناء ردفان الذين (تسللوا) سيرا على الاقدام وقطعوا مئات الكيلومترات من خلال الجبال الوعرة ، وقد لعبت القوات المصرية دورا مهما في حماية ثورة الشمال . ومساعدة الثورة في الجنوب .

لقد كان بين افراد النواة الاولى التي اشعلت فتيل الثورة في منطقة ردفان مجموعة من الشباب الذين عملوا في الكويت ، وسكنوا في منطقة (عشيرج) التي تحول اسمها الى الدوحة الآن ، وشاركوا في رصف الطرق والعمل في شركات النفط ، ومارسوا بعض الاعمال الاخرى ، وقد عايشوا النهضة في الكويت وتشربوا الاجواء الثورية التي كانت تسود المنطقة العربية كلها ، وتأسيس نواة الدولة الوحدوية الحديثة بين مصر وسوريا 1958م .

وقد انتظم الكثير منهم في حركة القوميين العرب وغيرها من تنظيمات واخذ بعضهم يعود الى المنطقة ويسهم بجهوده في توفير الارضية المناسبة لانطلاق الثورة


هذه بعض الحقائق التي تتعلق بالمنطقة وابنائها فكيف هي الآن ؟ وما هي حكايتها مع (الجهاد) الاكبر ؟

ارض الجبال العالية :

نغادر عدن ونتجة شمالا فنمر على ضواحي خور مكسر ، والمنصورة ،والشيخ عثمان .. نرى جمالا تجر عربات .. فيستهوى المنظر زميلي المصور ويأخذ بالتقاط الصور المناسبة ؟ ثم نمر بدار سعد .. القرية التي تفصل بين محافظتي عدن ولحج ، ثم نصل الى الحوطه عاصمة محافظة لحج ، ، فنجد مزارع وبساتين حمضيات وموز ونخيل وخضروات تحيط بالبلدة ، قيل لناأن بعضها يسقى بواسطة الآبار ، وبعضها يسقى من وادي تبن الذي كان جافا ويشكو الظمأ كغيره من الصحاري المحيطة به(في شهر يناير – كانون الثاني ) ثم نمر بالقرب من قرية الشقعة يليها قرية العند ، وبعدها نصل الى مفرق الطريق الذي يتجه الى (كرش) حيث نقطة الحدود بين شطري اليمن .

بدا ارتفاع التلال يتزايد تدريجيا ، الطريق ممهدة ويمكن السير فيها على خطين .. بعض شجيرات الاثل ، والراك – تستعمل اعوادها كمساويك – والسومر وغيرها تظهر على حواف الطريق .. بدأ الطريق ينحصر بين التلال المتقابلة .
قال مرافقنا هذا المكان يسمى (سيلة بلة ) وهذه بعض الفجاج والمغارات التي كان الثوار يتحصنون فيها في بعض الاحيان . لقد كانت الطريق ضيقة من قبل وكان يمكن التحكم بها من خلال بعض المواقع في هذه التلال .


بدأت الجبال بقممها الشامخة تظهر وتسد افق النظر ، هبات منعشة من الهواء بدأت تتسرب بين الفينة والأخرى ، بعض غيوم بيضاء وسوداء لاحت على وجه السماء ، وطبيعة الجبال الصخرية المدببة بدأت تبرز بين تلال كثيرة نخفف سرعة السيارة عند حجاز لرجال الشرطة ، ثم نمر بين مجموعة من الدكاكين ، المح مجموعه من الرجال يمضغون القات .. ثم يعلق مرافقنا : أن زراعة القات وتعاطيه مسموح بهما في هذه المناطق لانها هي التي تزرعه ، لكن المناطق التي مررنا بها من قبل فإن تعاطي القات مقنن فيها ليومين في الاسبوع ( الخميس والجمعة فقط ) ثم استدرك : نسيت أن اذكر بأننا نمر الآن من قلب قرية الملاح ، وهي كما يقال عنها مشهورة بنسائها ورجالها الملاح .

ثم مررنا بقرية الرويد ، وشعب الديوان .. ثم جدعة .. الحمراء ، وكلها قرى صغيرة عدد بيوتها قليل ربما لا يصل الى خمسين بيتا
سالت : اين ردفان ؟
أجاب مرافقنا : هي كل هذه المنطقة التي نحن فيها .
علقت : ألا يوجد مكان معين يسمى بهذا الاسم ؟
اجاب : بل هي المنطقة كلها .
بيوت القرى موزعة على رؤس الجبال والتلال ، هكذا دأب اليمني على بناء بيته ، إنه يبحث عن ما يمكنه أن يوفر له الحماية ، وكشف تحركات اعداءه وما يحيط به .

في الحبيلين :

نصل الى مشارف بلدة .. انصبة بيضاء تحتل جانبا من الطريق ثم ندخلها ، معظم بيوتها مبنية من طابق او طابقين ، ولا يوجد ما هو ضخم أو كبير هنا ، الطريق الرئيسي ( مسفلت) وما عداه ما زال على حاله من تراب .

قال مرافقنا : إنها بلدة الحبيلين عاصمة المديرية ، ويصل عدد سكانها الى حوالي 18الف نسمة ، والحبيل هو الارض المنبسطة كما ترون ، والحبيلين هو مثنى حبيل ، تقع البلدة في سهل تحيطه الوديان والتلال ، بعض الاشجار والزراعات القليلة تظهر بين الوديان ، محطة بنزين ومقاهي ومطاعم ودكاكين متواضعة تحاذي الطريق .

وصلنا الى بناء مكون من ثلاثة ادوار .. ربما هو اعلى بناء في البلدة ، استقبلنا مضيوفنا على باب احدى شقق البناء التي تستعمل كمكتب ومضافة لاعضاء الحزب وزوار المنطقة .

ارتحنا قليلا واستأنفنا الحديث عن المنطقة واوضاعها والمستجدات فيها ، والذكريات ، ذكريات من شاركوا في الثورة وخاضوا غمارها .. وفد الى البيت قائد صالح حسين رئيس المكتب التنفيذي لمجلس الشعب المحلي في مديرية ردفان والسيد سلام احمد علي مدير التربية والتعليم في المديرية السيد قاسم ثابت سعيد سكرتير المكتب التنفيذي لمجلس الشعب المحلي .. ومسؤول الحزب في المديرية ، ونائبه وافراد آخرون .


السيد / قائد من ماليد سنة 1939 ، شارك في الثورة منذ بدايتها وكان راعيا ثم انضم الى الرعيل الذي عمل في الكويت ، وتنظم هناك في حركة القوميين العرب ، والتقى بعلي عنتر احد القادة التاريخيين للثورة .. وعاد وأيها مع مجموعة من ابناء ردفان والضالع في نهاية الخمسينيات ، وتزودوا بالسلاح من شمال الوطن .. وعادوا الى قراهم في الجنوب وبدأوا مع غيرهم بالعمل السري وعقد المصالحات بين القبائل المنافرة والمتنازعة .

علق احد الحاضرين دعنا نعرفك بالمكان .. ثم نصل الى الناس والتاريخ .

لقد تم ضم ردفان بالقوة الى إمارة الضالع في الخمسينيات ولذلك فإن التمردات والثورات قامت لهذا السبب أو لاسباب عديدة أخرى أهمها وجود المستعمر الانكليزي ووجود مظالم كثيرة ، لذلك فإن المستعمر بنى معسكرا ومطارا في هذه الارض أي ارض هذا المبنى وما يحيط به ، كي يواجه التمردات .

لقد كان المعسكر يستوعب 13الف من جنود العدو ، أي أنه كان المعسكر الثاني بعد معسكرات عدن من حيث كبر المساحة عدد افراد جنوده .

إن منطقتنا كما ترى جبلية والمساحات السهلية أو القابلة للزراعة فيها قليلة ربما لا تزيد على 15% من مساحة المنطقة التي تصل الى حوالي 2500كيلومتر مربع ، تحتوي على حوالي 135قرية ، ربما لا يصل عدد افراد بعض القرى الى 20 أو 30 فردا .

وبالرغم من أن المساحة القابلة للزراعة قليلة ، إلا أن فلاحينا استطاعوا استثمارها وانبات الحبوب والخضروات فيها واستصلحوا بعض التلال والجبال من خلال المدرجات التي اقاموها عليها ، هكذا فإن حياتنا متقشفة تعتمد على بعض الزراعات التي تقيم اود الناس واود الماشية التي يملكونها .

ولاننا قبائل .. ولان بعض العنعنات والمشاكل كانت تقوم بيننا في بعض الاحيان لذلك فإن السلاح كان دائم الحضور بين ايدي الافراد ، وكانت تتوجه هذه البنادق احيانا الى غير العدو الحقيقي اي المستعمر .

مجلس شعب محلي :

لقد ذكرتم أن السيد / قائد صالح حسين هو رئيس المكتب التنفيذي في مجلس الشعب المحلي .. هل تعطوننا فكرة عن كيفية قيام هذا المجلس ؟
لقد صدر قرار عن مجلس الشعب الاعلى في مارس سنة 1987م بانشاء مجلس محلي في ردفان وسيؤون .
وفعلا فإن ترتيبات اجراء انتخابات في المنطقة قد تم اتخاذها بين (25 و 27 نوفمبر 1987) وتم ترشيح 43مرشحا كان المطلوب انتخاب 30 عضوا من بينهم ، وترك للمرشح حرية الاتصال بالناس والاعلان ، وطبع برنامجه وصوره ، ويمكن ان تشاهد بقايا ذلك على حيطان بعض الدكاكين في السوق ( رأيت ذلك في اليوم التالي )
هل كان المرشحون جميعهم من الحزب (الحزب الاشتراكي اليمني هو الحزب الوحيد في اليمن الديمقراطي بعد أن اندمجت فيه ثلاثة تنظيمات )
سمعت اكثر من صوت ينفي ذلك ثم جاء التوضيح لا .. إن الامر ليس كذلك ، إن القانون (قانون قيام المجلس ) فصل في هذا الامر .. وجاء فيه أن عدد الحزبيين يجب أن يكون 13 نائبا في حين أن عدد غير الحزبيين يجب أن يكون 17 نائبا ، وقد تم انتخاب مكتب تنفيذي من بين الثلاثين نائبا ، ورئيس المكتب يصبح عضوا في مجلس الشعب الاعلى في المحافظة .
سالت : هل تم تعميم هذه التجربة في بقية المحافظات ؟
سمعت جوابا : إن الامر ما زال في طور التجربة ، وربما يلي ذلك خطوات اوسع في بقية المحافظات .

من يحضر السوق تسوق :

توجهنا الى سوق البلدة ، صور بعض المرشحين ما زالت معلقة على بعض الحيطان تحاذيها بعض الشعارات والتعاميم الحزبية ، طريق السوق ممهده لكنها من تراب ، والحوانيت متواضعة البناء ، ومتواضعة في المواد التي تعرضها ، حوانيت الخضروات تحاذي حوانيت اخرى تبيع القهوة والهيل والحبوب ( قمح ، سمسم ، عدس ، برغل ، شعير ، ذر ة، الخ ) ثم تليها حوانيت اخرى تبيع بعض الحلويات وغيرها .

وبعض الحوانيت كان تتكون من جزئين ، جزء تتم الصناعة فيه ، وآخر للعرض والبيع ، منها الحلاوة المطبوخة ، أو حلاوة اللبن او السمسمية والمضروب والكعك وغير ذلك لفت نظرنا مجمعة من الشباب كانوا يتراكضون ويتبعون احد السيارات ( وانيت) وصلت السيارة الى مكان كان قد تجمع حوله مجموعة من الرجال والشباب . بدأت اللفائف والحزم الخضراء تتناقل بين الايدي . لحظات ولم يبقى منها اية حزمة ، لقد تم كل شيء بسرعة غريبة .. أنه القات يقبلون عليه كأنه ترياق الحياة .

تابعنا جولتنا في السوق .. عجوز تشوي اكواز الذرة الشامية على حطب وتبيعها ، مكتبة صغيرة معروضها قليل من كتب وصحف كانت موجودة في قلب السوق .. طالبنا صحابها بزيادة كمية اعداده العربي التي تصله وذكر انها تباع في نفس ساعة وصولها نسمع هديرا فنقترب ، كان صوت آلات مطحنة تطحن القمح والذرة والدخن ثم تحاذيها معصرة خاصة بالسمسم .. السيد ، محسن صالح حسن ذكر لنا أنه اقام المعصرة منذ بداية السبعينات ، وهو يعصر السمسم ويبيعه كطحينه للناس أو يأتي اليه الناس بمحصولهم ويدرسه لهم ( يعتبر السمسم احد محاصيل مزارع البلدة والقرى المحيطة بها ) وطريقة الدرس ما زالت بدائية يقوم بها جمل تربط رقبته بلجام يكون موصولا بثقل خشبي ويوضع السمسم تحت الثقل ويسيل زيته لينتقل الى الوعاء المطلوب .

سالت السيد / احمد جابر صالح صاحب احدى المطاحن القائمة منذ 13سنة
هل تعرف القراءة والكتابة ؟
اجاب : لم يكن في البلاد (يقصد ردفان) أية مدارس زمن الانكليز إلا محاولات بعض الشيوخ (شيوخ الدين) ولذلك فانني لم اتعلم في تلك الايام لكن بعد انتصار الثورة فإنني التحقت بمدارس محو الامية سنة 1975م وحصلت على ما فاتني ، أنني أقرا الصحيفة الآن ، واكتب الرسائل وغير ذلك .
السيد / محمد صلاح صاحب مطحنة قريبة من المطحنة السابقة ذكر لنا أن الحوانيت والمطاحن مملوكة للافراد ، ويدفعون ضرائب للدولة عليها .

لكل بضاعة سوق :

على بعد امتار قليلة من سوق الخضروات والحبوب .. كان سوق آخر يتم فيه البيع والشراء ويغص الناس والحيوانات ، أنه سوق بيع المواشي ( بقر ، غنم ، ماعز ) إنه يقام أيام الاحد والثلاثاء والاربعاء ولا يقتصر على المشاركين من ابناء البلدة أو ابناء المديرية بل يشارك فيه آخرون من مديريات اخرى ، وبعضهم يبيع ماشيته ويشتري بثمنها حبوبا أو غيرها .

ذكر لنا مأمور الضرائب السيد / أحمد هيثم أنهم يتقاضون 3% ضريبة من البائع و 2% من المشتري ، وذكر انهم اربعة موظفين يعملون في السوق ماموري ضرائب كما وذكر أن معدل سعر الخروف يصل الى حوالي 15دينارا فيما يتراوح سعر البقرة بين 200 الى 300دينار وذكر أن البقر الذي له سنام كالجمل هو من الفصائل المالوفة في ردفان ، كما وأكد أنه لم يصادف احدا يتهرب من دفع الضريبة المقررة عليه .

السيد / ناصر احمد ثابت ، كان يترنر بزنار ويعلق جنبيته (خنجر معقوف) فيه قال : أنا اعمال دلالا في السوق ، واعمال بنفس الوقت سكرتيرا لاتحاد الفلاحين في البلدة ، وذكر : نحن همزة وصل بين البائع والمشتري ، ونتقاضى دينارا على كل رأس يباع .
لفت نظره الى بعض العجائز اللواتي يشاركن في البيع والشراء .. فذكر
أن اغلب رعاة الماشية هن من النساء ، في حين أن الزوج يعمل في الارض أو في احد الاعمال الحكومية .

في طريقها للتطور والنمو :


تابعنا جولتنا في البلدة .. صوت ماكينات (بواير) المطاحن وآبار الماء تسمع بوضوح ، بيوت القرية موزعة على مساحات متباعدة متفرقة والتناقل بينها يتم بواسطة الحمير او مشيا على الاقدام أو بالسيارات ، لاحظت بعض البيوت المتشابهة تتألف من دور واحد ، ومدهونة باللون الاسفر تحاذي الطريق العام قال مرافقونا انها بيوت بنتها الحكومة وعددها 24 بيتا يدفع ساكنها مبلغا شهريا كقسط من ثمنها وبعد السداد تصبح ملكية خاصة (ربما بعد 15 أو 20سنة ) وبقية البيوت ؟
انها ملكية خاصة بناها الناس وسكنوها
ارى بيتا واسعا على تلة أنه يشبه (الفيلا) لمن هذا البيت ؟
أنه مقر الحزب ، فيه مكتبة وقاعة محضارات تستعمل أحيانا للعروض المسرحية .
على ذكر العروض المسرحية .. هل هناك مبنى خاص للعروض المسرحية او دار للسينما ؟
لا يوجد دار خاصة بالعروض المسرحية ، إنما يمكن أن يتم ذلك في قاعات المدارس ، ولا يوجد دار خاصة للعروض السينمائية أنما تعرض الوحدات السينمائية المتنقلة بعض الافلاح الوثائقية ، وتزورنا احيانا بعض الفرق المسرحية من الحوطه أو من عدن ، ويوجد في البلدة ناد رياضي واحد وهو في نفس الوقت ناد ثقافي .

أرى مبنى واسعا بالقرب من (الفيلا) وألاحظ تمثالا عليه فماذا يكون ؟
أنه متحف ردفان .. متحف .. متحف الثورة ، وقد تم افتتاحه في 14اكتوبر سنة 1978م انتقلنا إليه المبنى واسع فيه خمسة اجنحة وصالة خارجية تعرض وثائق تتعلق بانطلاق الثورة سنة 1963م وما تلاها من احداث ، في اعلى المكان ينتصب نصب رجل يحمل بيده بندقية ويتمنطق بحزام رصاص ويلبس الملابس اليمنية التقليدية (المئزر أي الفوطة ، ومشدة – ربطة على الرأس تسمى (كشيدة) ايضا) على يسار المكان كانت مروحة طائرة معروضة وموضوعة على الارض علق مرافقنا أنها مروحة طائرة( بير فلى) صغيرة كانت جاثمة مع غيرها في المطار الصغير الذي اقامه الانكليز على ارض البلدة ، وهي طائرة قاذفة إلا أن الثوار تسللوا الى المطار ، ووضعوا لغما تحت الطائرة فتفجر فيها في احد ايام سنة 1965م .

سلسلة من المعارك والشهداء :

على الحوائط الخارجية للمبنى تم تسجيل اسماء الشهداء من ابناء المنطقة الذين شاركوا في الانتفاضات والمعارك ضد الانكليز وضد حكم الامام في الشمال الذي كان يضم بعض المناطق الجنوبية الى سلطانة في بعض الاحيان ، من بينها ردفان والضالع وغيرها ، وضد الاتراك قبل ذلك . يتوالى تنقلنا بين اللوحات التي تحتوي على اسماء الشهداء بينهم (13) شهيدا سقطوا في الدفاع عن ثورة 26سبتمبر 1962م التي قامت في شمال اليمن ، ثم اسماء شهداء معركة الحمراء وشهداء معارك حرب التحرير .

قاعات المتحف كانت تحتوي على وثائق الثورات والاسلحة التي استعملت فيها ، والاسلحة الفردية لبعض القادة ، بينهم راجح بن غالب لبوزة أول شهيد لمعارك التحرير في 14اكتوبر 1963م ، ثم ملابسهم وبعض اللوحات الفنية التي رسمها فنانون تشكيليون واهدوها للمتحف .
سالت: لقد تكرر اسم الحمراء كثيرا فهل تأخذوننا إليها ؟
جاءت الإجابة : إنها ليست بعيدة من هنا : خمس دقائق بالسيارة ونكون فيها .
هل هي قرية ؟
لقد كانت وما زالت ، وفيها أو بالقرب منها قامت معركة الحمراء ، تراب الطريق الممهدة ابيض .

خرجنا من بلدة الحبيلين ودخلنا في واد تحفه الاشجار واعواد القصب .. ثم وصلنا الى بضعة بيوت وبعدها واجتنا عدة شواهد بيضاء قيل لنا : أنها شواهد شهداء معركة الحمراء التي قامت سنة 1940م جاء في كتاب (صفحات مشرقة من تاريخ المقاومة الوطنية في ردفان ) الذي اشرف على كتابته سعيد صالح سالم احد قادة جبهة ردفان ، عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني ما يلي : كان مركزا (الحمراء ) و(سليك ) هما أول مركزين اقامهما الاستعمار في منطقة ردفان وذلك في (اكتوبر) تشرين اول سنة 1940م ، وعندما عرف ابناء ردفان بوجود المركزين ووجود قوة عسكرية فيهما دعوا جميع ابناء ردفان الى عقد لقاء موسع في سوق (الثلوث) في وادي مسك ، وقد حضر هذا الاجتماع الموسع مجاميع كبيرة من ابناء ردفان ممثلين لمختلف القبائل ، واتخاذ قرار في هذا اللقاء الكبير يقضي بالقيام بهجوم على المركز الاستعماري . وفي ليلة 22اكتوبر 1940م قام ابناء ردفان بشن هجوم كبير على الجنود المتركزين في هذين الموقعين ، وكانت معركة حامية استخدمت فيها مختلف الاسلحة ، بما في ذلك السلاح الابيض ، وتم تصفية كافة الجنود المتمركزين حيث قتل وجرح منهم العديد من الجنود وهرب الباقون واستشهد العديد من ابناء ردفان (بلغوا 12شهيدا)

سالت مرافقنا : ما هي حكاية مجمعة الشواهد القائمة على يسار الداخل الى البلدة ؟
انهم شهداء الحركة الاخيرة 1986م (الصراع الداخلي) من ابناء درفان وقد بلغوا حوالي مائة وخمسين شهيدا قرأنا الفاتحة على ارواح الشهداء جميعهم وتوجهنا الى بعض الاراضي المستصلحة التي تقع خلف قرية الحمراء . جاءنا عامل في مشروع استصلاح الاراضي فعرفونا عليه ، غنه احمد مقبل .
شاعر وثائق شارك في الثورة التي انطلقت سنة 1963م قال : عمري 67سنة وشاركت في الثورة وانطلق يقول شعرا من تأليفه :
نعزم ونتوكل بساعة مرضية
ومن عزم فيها نجا من كل شر
الارض هذه كلها جمهورية
ياساري الليلة على ضوء القمر
درفان ملصي (نار) مش نارها طافية
ونحن (نهاجم) عالدولة (الاستعمارية) كما ساد الصقر
تابع احمد مقبل القاء شعره الشعبي وانتقل من الشعر الوطني الى شعر الغزل ومما جاء في احدى غزلياته .
عيونه مثل الصواريخ عابرة القارات
والانف مثل الالف وجنات مثل الجنيهات
الصدر بستان فيه فواكه الجنات
وكعوب مثل الليم ظاهر وايضا بيات

سدود وجسور :

جسور وسدود صغيرة تظهر في الطريق ، وبعض زراعات الذرة ، المياه تتدفق من احد الآبار ، وصبية يغتسلون ويتقاذفون بالماء ، تلة عالية على يمين الطريق تبرز فجأة ، قال مرافقونا أنها جبل جمل .. توجد فيها آثار قديمة وقلعة في اعلى المكان من الجبل .

سالت : فهل له علاقة بالآثار التي وجدت وتعود الى زمن مملكة سبأ ؟
اجابوا : ربما كان ذلك .
سالت : هل جاءت بعثات اثرية للتنقيب عن الآثار في هذا الجبل ؟
نظروا في وجوه بعضهم البعض واجابوا لا ندري .
ومشروع وادي سبأ متى بدأ العمل به.. وماذا تحقق منه ؟
اجابوا : لقد بدأ استصلاح الاراضي في هذه المنطقة اعتبارا من سنة 1973م وهو مشروع سوفيتي يمني مشترك وتم استصلاح 750هكتار وزعت على الفلاحين بواقع 5 الى 8فدادين للاسرة الواحدة ، وبقيت مجموعة من الهكتارات تقوم باستغلالها التعاونية الزراعية وهي تخضع لاشراف الدولة ولخطة وزارة الزراعة من ناحية نوعية ما يزرع فيها .
واشهر المزروعات التي تزرع في المنطقة الذرة الشامية ، الدخن ، الاعلاف ، البرسيم ، والبطاط والبصل والبطيخ والفلفل والبامية والبندورة والقطن وغيرها .
هل يمكن اعتبار مساحة الارض من 5ال8 هكتار هي سقف الملكية الخاصة للارض في هذه المنطقة .
اجابوا : من المعروف ان الاراضي ليست متشابهة من حيث الخصوبة أو وفرة المياه فيها ، أو قربها من المراكز المهمة ، لذلك فإن حيازة الملكيات الخاصة تختلف بين ارض واخرى ، مع ذلك فإن سقف الملكية الخاصة في منطقتنا هو الرقم المذكور .

مسيرة التعليم :

عدنا الى البلدة فالقيت نظرة الى جوار المبنى الذي نقيم فيه ، فوجدت مدرسة كبيرة مدهونة مبانيها باللون الاصفر ، يليها مبان اخرى كبيرة ايضا ، قال لنا السيد سلام احمد علي مدير اتلربية والتعليم في المديرية ان المباني القريبة من مكان اقامتنا ما هي إلا المدرسة الثانوية الوحيدة في المديرية ودار المعلمين فيها . واضاف انها هدية من الشعب الكويتي الى شقيقة الشعب اليمني ، وقد تم تشغيلها اعتبارا من السنة الدراسية 79-80 وهي تستوعب حوالي 750طالبا وطالبة ويدرس فيها الآن 616وبينهم 16طالبة ، في حين ان دار المعلمين الملحقة بها تم تشغيلها اعتبارا من السنة الدراسية 82-83م وتستوعب حوالي 200طالب يدرس فيها الآن 161بينهم 32طالبة الدراسة فيها لاربع سنوات تبدأ بعد الانتهاء من مرحلة التعليم المتوسط .

هل التعليم مجاني كالتطبيب وغيره من خدمات اجتماعية ؟
ان التعليم مجاني كغيره من الخدمات الاجتماعية ، وحتى الكتب والوسائل التعليمية فإنها تقدم بالمجان ، وما على الطالب إلا أن يحضر معه حقيبته والدفاتر والاقلام .

هل يمكن إعطائنا فكرة عن مسيرة التعليم في المديرية ؟
لاشك أنه توجد بعض النواقص الآن ، وهذا ربما يعد الى قلة الامكانات ، لكن وضعنا الآن افضل مئات المرات مما كنا عليه قبل انطلاق الثورة ، لقد كانت أمية المرأة 100% في الماضي ، وحظ الرجل لم يكن افضل كثيرا ، فقد كانت نسبة اميته حوالي 99% أما نسبة الامية فقد انخفضت الى حوالي 30% في هذه المرحلة .
الاحفظ أن سنبة اقبال الفتيات على التعليم قليلة قياسا بالفتيان ؟
إن ذلك يعود لاسباب اجتماعية واقتصادية .. بينها التقاليد ، وبينها اعتماد بعض العائلات على الفتيات في العمل بالحقول أو في البيت ، وبينها بعد بعض القرى عن مراكز التعليم (التعليم الثانوي الزامي للفتاة في المدينة في حين ان الريف له خصوصيته)

في وادي المصراح :

في صباح اليوم التالي كان زملاؤنا في القيادة المحلية قد جهزا (جيبا) خاصا لمهمتنا ، فانطلق بنا .. في قلب وادي المصراح ، اشجار العلب والدوم والزعرور تحيط بالطريق المملوءة حصى ورمالا داخل الوادي ، بعض البيوت تلوح على جانبي الطريق وهوائيات اجهزة التلفاز تظهر فيها على اعلى مكان بعض زراعات الذرة الصفراء تظهر في مكان قريب ، على بعد يظهر راقب لحمار يطلق لصوت غنائه العنان ، فتاة تظهر بين الاشجار غطاء رأسها يغطي نصف شعرها صوت (مواتير) المياه يتردد بين فترة وأخرى ، حقل من شجر (الباباي) يظهر على جانب الطريق .. عاملان يوجهان المياه نحو الحوض المطلوب برز بجانب الطريق عامل يضع (معولة) على كتفه .. سلمنا عليه وقدم لنا بعض حبات الزعرور التي كان يحملها ابنه .. قال أنا مهدي علي مثنى من منطقة بجير بجانب الحبيلين ومن ومواليد سنة 1941م واعمل كأجير في الحقول .


هل شاركت في حمل السلاح ضد المستعمر البريطاني ؟
ستجد في طريقك العشرات من الاشخاص الذي شاركوا في الثورة ، أنكم في البلاد التي انطلقت منها الثورة وانا كفرد شاركت في الثورة طبعا .
نمر على حقل ملئ بنبات القات ، عاملان كانا يغرسان ويسقيان بعض النباتات ، وأمرأة من بعيد تنكش جانباً منه .
قال : أن لهجتنا في هذه المنطقة تحول الغين الى الف .. فهم يغرسون ولكننا في لجهتنا نقولها (يأرسون)
علقت : أنها لهجة من لهجات العرب .

عسل وتجارة :

بدأ الوادي يضيق وتكاثفت الاشجار فظهرت جرة ماء بالقرب من شجرة كثيفة من شجر الدوم ، لقد كانت كسبيل ماء عذب للعابرين ، ذكر مرافقنا أن شجر الدوم هو الانسب لتربية مناحل العسل عليه ، وعسله نقي وطيب ، وطلبنا شراء عدة كيلوات منه ، إلا أن صاحب البيت كان غير موجود فضاعت علينا فرصة رؤية مناحل النحل وتصويرها .


على ذكر العسل والنحل فإننا قبل مغادرتنا لبلدة الحبيلين ذهبنا الى السوق للتزود ببعض الكيلوات من العسل ، فدخلنا في مساومة مع احد البائعين الذي اصر على اخذ مبلغ يزيد دينارين عما اعطانا إياه جاره ، ألا أن نفاذ الكمية من عند جاره الجأنا الى الشراء منه .. ناقشه مرافقنا راشد ولفت نظره لغلاء السعر .. وأن جيرانه قد باعوه لنا باقل مما يطلب ، مع ذلك فإنه اصر على ما يطلب .

علق راشد : لقد عدت لتوك من المسجد يارجل .. ومع ذلك تصر على رفع السعر أكثر مما يفعل جيرانك .
علق الرجل الستيني : أنها التجارة ، أنا حر في تحديد سعر ما املك وانت حر في ان تشتري أو لا تشتري .

صخرية ووعرة ..لكنها بلادنا :

تابعنا سيرنا في الوادي الذي اخذت بعض احاض الماء تظهر فيه .. مما يعني أن علينا النزول من السيارة لنسير على اقدامنا .
سرنا عدة امتار .. لنجد مجموعة من الرجال يبنون بيتا على حافة الوادي استقبلونا بترحاب (هكذا كان دأب من قابلناهم في الطريق ) وبدأ قاسم صالح مالك البيت يحدثنا عن نفسه .. فقال : انا لست من مواليد الحبيلين او المصراح ، بل انا من عقبة إحدى قرى جبال ردفان ، لكنني املك هذه الارض ، وها انا ابني فيها هذا الدار ، ونحن من بلاد واحدة وقبيلة واحدة .
لكن طبيعة الارض صخرية ووعرة .
اجاب : ومتى كانت ارض ردفان غير ذلك .. مع ذلك فهي بلادنا .
ظهرت بعض البيوت على الجانب الآخر من الجبل فسألت مرافقنا عنها .
علق راشد : هل تصدق ان تلك البيوت العشرة هي لقريتين منفصلتين هما الصلب ، والقريع ، هكذا هي قرانا موزعة ومتباعدة وطبيعة الوصول إليها صعبة .

هل وصلتنا خدمات الكهرباء ؟

لم تصلها بعد .. إن الكثير من قرانا تعاني من هذا الامر ، وبعضها يعاني من عدم وصول مياه الشفة إليه ، فيلجأ الى الآبار للتزود بالمياه .
سألت السيد : قاسم صالح : هل شاركت في حمل السلاح ضد الانكليز ؟
اجاب : بل حملته ضد الامراء السابقين .. وضد الانكليز ايضا ، وذهبت مع المجموعات التي انطلقت من هذه البلاد وغيرها للدفاع عن ثورة الشمال ، وهناك تدربنا وخضنا بعض المعارك ، وعندما عدنا طلب شيخ المنطقة محمود حسن تسليم انفسنا واسلحتنا ، ودفع غرامة مالية ، فرفضنا ذلك .
جاء في كتاب ( النجم الاحمر فوق اليمن ) للدكتور احمد عطية المصري ما يلي ( وكانت الاسباب الحقيقية لثورة ابناء ردفان في 14اكتوبر 1963م هي استمرار اوضاع الاستغلال والطغيان الاستعماري السلاطيني ، أما السبب المباشر ، فهو ضغط الانجليز على ابناء المنطقة لتسليم سلاحهم عند عودتهم من الشمال ، وضم ردفان الى سلطة امير الضالع المتعاون مع الاستعمار .
ويضيف السيد قاسم .. لقد كان راجح بن غالب لبوزة مع المجموعات التي ذهبت الى شمال الوطن ، وشهدوا هناك قيام الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمن ( اعلنت في اغسطس سنة 1963م من خلال اندماج سبعة تنظيمات )
وعندما عدنا من الشمال واجهنا الشيخ محمود حسن بمطالبة الجائرة فتجمعنا وحملنا السلاح وانطلقنا الى الجبال .
هل كانت هناك تنظيمات تعمل داخل البلاد قبل وبعد عودتكم الى ردفان ؟
اعتقد ان الامر كان يتم بسرية ، وربما كانت حركة القوميين العرب قد نشطت في ذلك الوقت من خلال انشاء بعض الخلايا السرية .

البدوي والمعركة الاولى :

حضر شاب وبيده ماعون ملئ باللبن ويطفو على وجهه لفلفل الاحمر المطحون ، عرفنا السيد قاسم على الشاب فقال : إنه أبني ثابت

عندما عرف الشاب إننا محرورن من مجلة (العربي ) فإنه زاد من ترحيبه لنا وذكر أنه يتابعها .. بل وعندما دقق في ملامحي فإنه ذكر اسمي .. وعلق : لقد قرأت مواجهتك مع شاعر الجبال العالية في داغستان رسول حمزاتوف إن جباله تشبه جبالنا وعندما يكتب عن جباله فإننا اجد أن اشياء كثيرة مشتركة بيننا .. وأضاف انني جندي في الجيش ، وها انا مازلت في هذا العمل منذ 4سنوات بعد أن تخرجت من الثانوية العامة .

تابع السيد قاسم رواية ذكرياته عن ايام الثورة .
فقال : إن هذا الجبل جبل البدوي ، شهد المعركة الاولى في مسيرة الثورة سنة 1963م ولو ملكتم رؤية حادة فإنكم يمكن ان تروا النصب الذي اقيم للشهيد راجح بن غالب لبوزة اول شهيد للثورة ، ويمكن أن تروا القبة البيضاء ، قبة مزار الشيخ أحمد البدوي . لم تظهر لنا إلا نقاط بيضاء صغيرة على قمة الجبل .. فحاول زميلي توجيه (آلة التصوير ) لالتقاط الصورة .. فلم يظهر أمامه إلا الجبل .
قلت : لقد قررنا الصعود الى حيث نصب الشهيد الاول للثورة .
بأن التعجب على وجوه مرافقينا ومضيفينا وعلقوا : أن الصعود الى هناك والنزول يستغرق منكم حوالي خمس ساعات ، والجبل كما ترون ليس هينا ، فيه الصخور الحادة .. والشعاب الصعبة والاشواك ومفاجآت قد لا تقدرونها .
اجبنا أنا وزميلي المصور : لقد قر قرارنا بالصعود مهما كانت الصعاب .
سمعنا تعليقا : إن الامر اصعب مما تتصورون ، انكم تخوضون مغامرة غير مأمونة العواقب ، ننصحكم بالاكتفاء بتصوير الجبل والوادي .. وهذا يكفي ، ان كثيرا من الصحافيين الذين جاؤوا قبلكم اخذوا المعلومات في الحبيلين وعادوا لم يتجاوزوها .
علقنا : أن عملنا في (العربي ) يقوم على المساواة بين الكلمة والصورة .
تخلى عنا مرافقونا .. وتركونا للشاب ثابت الذي تبرع بمرافقتنا مع مرافقنا العدني سعيد محمد راشد . لم يحمل ثابت معه إلا ابريق ماء ، ثم كان وداع على امل القاء مع مرافقينا الردفانيين في الوادي المقابل للجبل من الناحية الأخرى .. بعد خمس ساعات (كانت الساعة تشير الى الثانية عشر صباحا )

رحلة الصعود :

بدأنا بالسير نشطاء يدفعنا التحدي والتشوق للوصول الى المكان المطلوب . تكررت محاولاتنا للنفاذ من خلال الشعاب والصخور بين هبوط وصعود .. وجدنا آثار اقدام كثيرة تولت تمهيد شبه طريق .
ثغاء الماعز كان يرافقنا وكان يظهر بعضها على الجوانب المائلة من الجبل .. ربما كان ثغاؤها احتجاجا على الغرباء الذين اقتحموا (عرينها ) بعض النباتات كانت تظهر في الشق الطولي الذي كان يمتد من راس الجبل حتى اسفله ، ويبدو أن الماء هو الذي ساهم في شق المنحدر وكون طريقه الخاص .
بدأ العرق ينز من اجسامنا .. وبدأ التعب يظهر علينا خصوصا نحن القادمين من الكويت . البلاد الصحراوية التي قلما يوجد بها جبال .
خفت على دفتر ملاحظاتي من بلل العرق ، فخلعت قميصي ووضعته فيه .. وتابعنا المسير بعد استراحه دقائق معدودة .
تابع نظري شقوق الصخور .. والتواءات الشعاب على أرى ما يزحف او يقفز من حيات او حيوانات غريبة ، فلم ارى إلا الماعز ، ولم اسمع إلا صوت ثغاءها وصدى اصوات بشرية تاتي من بعيد بعيد .. او صدى اصواتنا التي بدأنا نطلقها كنوع من التخفيف على مشاق ما اخذ يصادفنا .
حاصرني مرافقنا العدني سعيد بعد أن تدحرجت عدة مرات ، لكن بدون وقوع ، واصبح يمسك بي ، ثم تبعه ثابت ، استكثرت ذلك ووجهتهم نحو زميلي المصور الذي كان يباريهم قفزا وتخطيا للصخور الحادة .. اصر سعيد على ملازمتي تمام فلعنت سمنتي .. وتابعنا المسير .
غطى الغيم على اشعة الشمس الحارقة ، فاعطانا دفعا لمواصلة رحلتنا باقل ما يمحكن من الجهد والعنت .
شقوق هنا .. سخر حاد هناك ، هذا الصخر ابيض ، ذاك اسود وىخر برتقالي أو بني ، تذكرت المواويل والحداء ، وجبالا واراضي حلمت والحم فيها منذ الصغر .. تذكرت (الاوف) الممدودة بامتداد سنوات القهر الذي يتوزع هنا او هناك في الجسد العربي .. خرجت (الاوف ) كانها ليست مني ، فتوزع صداها بين الشعاب والصخور ، وحسبت انها كانت في ابهى صورها اللحنية .
سمعت اطراء ومطالبة بالمزيد فانتبهت لما انا فيه فطلبت الماء الذي اصبح اكثر من ضروري للحال الذي نحن فيه .
ارتقينا صخرة عالية .. فإن الجبل المقابل فعلق مرافقنا : من راس ذل كالجبل اطلقت دانات المدافع الانكليزية على الثوار .
تابعنا المسير بعد ان اخذ الجهد منا ما أخذ ( اتكلم عن نفسي) تمعنت بثابت كان عرقه قليل ولم يظهر التعب عليه بشكل واضح .. التفت الي وعلق : اعرف ما تفكر به .. نحن ابناء جبال وقد سرت في هذا الطريق آلاف المرات نهارا فلا تستغرب حالتي
سألت : وانت ياسعيد ؟ علق : وأنا أيضا أنا ابن الجبال بانت حجارة مصفوفة فوق بعضها البعض على ارس منحدر من الصخور .. سمعت تعليقا ذلك هو المكان .
ضاعفنا جهدنا بالرغم من بوابات مسام العرق التي انفتحت وبللت ملابسنا نظرنا في ساعاتنا لقد وصلنا المكان خلال ساعتين وربع وليس نصف فرحنا لهذه النتجية .

طوال النصب المكون من حجارة الجبل المصفوفة فوق بعضها البعض حوالي متر ونصف دهنت بلون ابيض وكتب عليها بدهان احمر نصب الشهيد راجح ابن غالب لبوزة . استشهد في 14/10/1963م ، يلي النصب شق في الجبل يكون نصف مغارة ، لقد كان محميا حماية طبيعية واضحة ، وقد اختاره الثوار ليكمنا فيه ، ويبدو أن الثائر راجح خرج للاستكشاف او لاي غرض آخر فرصدته المراصد الانكليزية على الجبل المقابل فتم قصفه .. واصيب فعلا واستشهد ، فاعتبر يوم استشهاده هو اليوم الاول لانطلاق الثورة الحديثة في اليمن الديمقراطية ، قرأنا الفاتحة على روح اول شهيد للثورة ، وتجولت انظارنا ترصد تفاصيل محتويات المكان ثم تابعنا المسير الى مزار البدوي .

البدوي .. من يكون ؟

وصلنا الى راس الجبل ، لم نعد ندخل في تعاريج والتواءات الشعاب ، بل اصبحنا نسير في طريق مستوية الى حد ما .. بانت القبة واضحة بيضاء تلمع تحت خيوط الشمس .. حثثنا المسير اليها ، حقل خال من الزراعة ، محاط بعدة اشجار من الزعرور ، بعض الحبات كانت قد تساقطت بعد ان نضجت ، اسكتنا جانبا من جوعنا من بعض حبيبياتها ، لاح بيت بجانب مقام البدوي .. دخلنا المقام فوجدنا جدثا كتب عليه الشيخ احمد بدوي .. وبقايا شمع ، ولا شي غير ذلك ، كان يوجد في الخارج بقايا عظام وجلود وبركة ماء صغيرة ، سألت ثابت : ما هي حكاية الشيخ البدوي ؟
علق : أن المقام كما قرأت هو للشيخ احمد البدوي ، وما اعرفه أن بعض الناس يأتون هنا للتبرك وقراءة القرآن ، ويجتمع بعضهم في ايام محدودة فينحرون الذبائح ويقدمونها نذورا ثم اضاف ربما كان شيخا صوفيا .. وله اتباعه وانصاره .
علقت : ما اعرفه أن هناك شيخا آخر للصوفية اسمه البدوي ايضا في مصر
قال ربما كان لكل بلد شيخه ، او ربما كان هو نفسه وعاش هنا وهناك .

مررنا من جانب البيت ، خرجت إمرأة منه وتمعنتنا ، كدليل على أن مرتادي المكان قلائل .. مررنا بالقرب من بيت مهدم ولاح على بعد عدة امتار منه بيت آخر خرج منه رجل مسن عندما رآنا رحب بنا واصر على استقبالنا في بيته فاعتذرنا إلا أنه كرر اطلب عدة مرات سألناه عن اسمه وعمله .وكيف يعيش في هذا الجبل الوعر ؟
قال : أنا طالب محمد الهدوي وعمري حوالي 65 سنة ، نعم لقد ساهمت بقسطي في الثورة ولذلك فإن الطيران البريطاني قصف بيتي الذي مررتم به قبل لحظات ، فابتنيت هذا البيت ، اننا نعيش على بعض الزراعات في الحقول محدودة المساحة كما ترون ونزرعها حبوبا ولنا ماشية نرعاها ونعيش على بعض خيراتها .
سالت الشيخ : ما هي حكاية الشيخ البدوي ومقامه ؟
لقد سمي كل هذا الجبل باسم الشيخ .. وهو رجل دين له مريدوه الذين ياتون في اوقات معينة لقراءة القرآن والدعاء ، وإقامة طقوس معينة لا اعرفها على بعد عدة امتار من بيت السيد طالب برزت صخرة كبيرة فيها شق مستطيل الشكل
سالت : وما هي حكاية تلك السخرة .. والشق الذي فيها ؟
علق السيد طالب : يقال أن محدث هذا الشق في هذا الشق في هذه الصخرة هو سيف الامام على بن ابي طالب رضي الله عنه ، إذ أنه عندما جاء الى هنا واعترضته هذه الصخرة فإنه شقها بسيفه .
علقت : لكن ياشيخنا أن المصادر التاريخية لا تذكر بأن الامام قد جاء الى اليمن والى ردفان بالذات ؟
علق هكذا يقولون .. وهكذا سمعت جاء ابن ابنه باللبن الممزوج بالفلفل الاحمر المطحون ، فشربنا وشكرناه وحاول الرجل استضافتنا في بيته فاعتذرنا وبدأنا بالنزول .

النزول الاصعب :

اعتقدنا ان الصعد هو الاصعب في الرحلة ، لكننا اكتشفنا أن النزول ليس سهلا ايضا ، ان الصخور في هذا الجانب من الجبل كانت اكثر حدة وتعرجات ، ولا يوجد ممر إلا أن يتدلى الانسان ويستعمل يديه ورجليه حتى يمر والاهم هو استعمال عقله ، لان اي خطا غير محسوب أو سرعة او قفزة غير محسوبة فإنها تؤدي بالانسان الى التحطم بين الصخور .
وصلنا بعد ساعتين ونصف من مسيرنا من راس الجبل .. كان الانهاك قد اصابنا لكننا مع ذلك حققنا ما كنا نصبوا إليه ، تعانقنا مع زملائنا الذين كانوا بانتظارنا ، لقد احضروا لنا غداء جاء في ساعات المساء من بعض البيوت القريبة من المكان .. وكان اشهى طعام لأنه جاء بعد جوع وتعب حقيقيين .

عرس في حبيل جبر :

كان موعدنا في اليوم التالي هو زيارة قرية حبيل جبر وحضور عرس احد شبابها والوقوف على مظاهر العادات والتقاليد في هذا المجال للوصول الى حبيل جبر مضينا في الطريق المؤدي الى منطقة يافع ثم صادفتنا قرية الربوة على بعد حوالي ثلاثة كيلو مترات من بلدة الحبيلين ، بعض المزارعين يعملون في حقولهم وبعض الصبية يتشاقون في احدى الساحات ، ثم مررنا بالقرب من قرى النقيفة وخيران ثم قرية حبيل جبر على مبعدة حوالي 15كيلو متر من الحبيلين ، الطريق بينهما ممهدة ومسفلتة بشكل جيد ، والتلال والجبال تحف بالطريق من جانبيه .

نشاهد وحدة لتوفير الطاقة الكهربائية بواسطة اشعة الشمس ، ثم ندخل الى يمين الطريق الرئيسي في طريق ترابية كثيرة المطبات ، نسير حوالي ربع ساعة بالسيارة ثم نصل قرب خيمة كبيرة مليئة بالرجال والشباب ومضاءة بالكهرباء عن طريق مولد .

يستقبلنا افراد من اهل العريس ، ثم ندخل الخيمة ، ونسلم على الجميع ، فرشت الخيمة بالبسط والحصر والفرشات ، نجلس بين الرجال فنلاحظ أن اغلبية الرجال والشباب يخزنون القات ، ويضعون حزمة الخضراء التي تشبه اوراقها اوراق نبتة الملوخية امامهم أو بجانبهم مرفوقة بزجاجات المشروبات الغازية أو (ترامس) الشاي . زيارتنا كانت مساء يوم الخميس . القات كما افهمنا بعض الاخوان (والسكاير) ياتي بها كل فرد يحضر للمشاركة ، في حين أن اهل العريس يوفرون الشاي والمشروبات الغازية والاكل .

الخيمة كبيرة ومليئة بما يزيد على مائة رجل وشاب .. اصوات اغاني النساء وزغاريدهن تسمع من مكان قريب ، مفصول عن الرجال استجابة لطلبنا فإن بعض الرجال بدأوا بممارسة الرقص الشعبي على صوت المزمار والطبل وغنوا اغنية :
مرحبا بك ياعريس مرحبا بضيوف اجونا (جاؤونا)

بعضهم كان يحمل (جنبيات) وبعضهم بدونها ، عندما تحدثنا وجلسنا بين الرجال فإن بعض الشباب افهمونا باهم غير راضين بان يقتصر نصب حبيل جبر من استطلاع ردفان في مجلة العربي على تسجيل وقائع العرس فقط ، إذا ان حبيل جبر كما افادوا شاركت مشاركة اساسية في الثورة ، علقت اننا بحاجة الى من يعطينا فكرة عن العادات السائدة بالنسبة للزواج في المنطقة ، وتفسير بعض العادات والتقاليد .. فتبرع مجموعة منهم وجلسوا بجانبنا واخذوا بالرد على استفساراتنا وقد جاء فيما ذكروه : يتم وضع الحناء على كفى ورجلي وشعر العروس يوم الاربعاء من قبل صديقاتها وقريباتها وهي في بيتها في حين ان قريبات العريس يتولين وضع الحناء على يدي ورجلي العريس يوم الخميس أي الليلة التي كنا فيها في البلدة )
سألت : وهل العريس (يتحنى ) ايضا
اجابوا : نعم غن ذلك يحصل وستشهده بنفسك الليلة .
وبعد ذلك ؟ يذهب العريص مع اهله واصحابه فيحضرون العروس مساء يوم الجمعة وتأتي معها بعض قريباتها ويتم هذا الامر بالسيارة في هذه الايام ، في حين أنه كان يتم من قبل بواسطة الجمال أو الخيول ، يرافق ذلك الاغاني والرقص والاهازيج ويبقى العريس مع عروسته وسط اهله وخلانه لمدة زمنية وسط مظاهر الفرحة والغناء ثم ينفض سامر العرس ويدخل العريس والعروس الى غرفتهما الخاصة أخيرا ويأتي أهل العروس في صباح اليوم التالي الى بيت اهل العريس ومعهم الهدايا ورقصاتهم المشتركة مع اهل العريس ، ويبقون حتى المساء ثم يعودون الى بيوتهم بعد ذلك .

هل من فكرة عن اجراءات الخطبة والايام التي تسبق الزواج ؟

كأي بلد اسلامي فإن كتب الكتاب اي العقد يتم عند القاضي ، ويشترط موافقة الفتاة على الزواج ، ويمكن أن يأخذ والد العروس مبلغ من مهر العوس (يصل المهر احيانا الى مائة دينار) والبعض يصرفونه على تجهيز العروس ويقدم العريس ايضا (شبكة) مكونه من ساعة وخاتم ، وكان المهر يدفع من قبل بصورة عينية ، كان يتم الاتفاق على تقاضي مجموعة من البقر أو الخراف او الماعز ، أما الآن فإن قانون الاسرة حدد 2000درهم كحد اقصى للمهر ، ويقوم العريس بكسوة عروسه ويمكن للمقتدر أن يزودها ببعض قطع الذهب ، وأحيانا يتولى ذلك والد العروس ان كان مقتدراً .

ما هو حال الزواج بامرأة ثانية حسب قانون الاسرة الآن ؟
كان الامر متروكا حسب رغبة الزوج من قبل أما الآن فإن الامر يجب أن يتم بعد موافقة الزوجة الاولى ، ونعتقد أن كل أب أو أخ لا يحب لابنته أو اخته بأن تعيش مع (ضرة)
هل يتلقى العريس او العروس بعض المساعدات المالية من اصدقائهما ؟
أن هذه العادة يقال لها (الرفد) في بلادنا ، وهي ما زالت قائمة حتى الآن .
هل عادة (الخطف ) ما زالت قائمة في بلادكم ؟
بعد انتصار الثورة وسن قانون السارة فإن المنطقة لم تشهد أية حالة خطف ابدا
لقد رأيت ان بعض الرجال يقبلون ايدي بعضهم البعض .. فماذا يعني ذلك ؟
أن ذلك يتم في الاعياد والاعراس والمناسبات السعيدة او حتى في الايام العادية ولا يوجد أي دلالة إلا دلالة الاحترام والشوق ويمكن ان يتم ذل كبين رجل وأمراة ايضا.
ارى بعض الاشخاص إذا ما قرفصوا للحديث مع اشخاص آخرين فإنهم يربطون ظهورهم الى ارجلهم برباط خاص فماذا يعني ذلك ؟
أن هذه العادة تسمى عندنا (بالحبية) والقصد منها حماية الظهر وتوفير الحال المناسب والوضع المناسب لحديث ربما يطول .
والقات كيف تنظرون إليه ودوره ؟
ان تعاطي القات هو احد العادات الاجتماعية المنتشرة في البلاد ، صحيح أنه يمثل عبا ماديا ، واحيانا صحيا ، ومع ذلك فإن القوانين حدت من تعاطيه .

فداء للعريس :

دعانا بعض الرجال الى حيث كان العريس بين شقيقاته وقريباته استعدادا لمراسم الحناء ويتم ذلك بعد منتصف الليل يترافق ذلك مع الاغاني والرقص والموسيقا
اسم العريس عادل ، وهو طالب في كلية الطيران ، كان يجلس بين قريباته ومظاهر الخجل بادية عليه .. اصوات الزغاريد والموسيقا تطغى على الاصوات البشرية جاء شقيق العريس بتيس ماعز واداره عدة مرات فوق راس العريس ثم تم ذبحه مباشرة ، وعندما سألنا عن معنى ذلك ؟
اجاب أن ذلك هو من صلب العادات ، والقصد هو أن يكون التيس او الكبش فداء للعريس ، بعد ذلك تأخذ شقيقة او قريبة للعريس بتحنية يديه ورجيليه ويبقى العريس بين قريباته فيما الرجال يبقون في الخيمة ويخزنون – القات – ويسمعون الموسيقا والغناء وبعضهم يرقص الرقص الشعبي المميز .
نبارك للعريس واهله بعرسهم ، ونودع الرجال .. كان الليل يوشك ان ينتصف فتوجهنا الى الحبيلين لنغادرها في الصباح .
افقنا على اصوات الديوك وهي تبشر بصباح وليد اختلطت فيه اصوات الحيوانات بالديوك باصوات ماكينات الطحن والماء ، بدأنا نعد انفسنا لمغادرة المكان بعد ان ودعنا وشكرنا جميع الذين وفروا لنا زيارة موفقة .

عندما نادى المنادي :

عندما اقتربنا من مشارف البلدة تمعنت في المكان فوجدت يافطة كتب عليها هذين البيتين :
ردفان نادي أن اذوا
وأن احيل الصعب سهلا
فحملت رأسي في يدي
كي لا تصير الكف رجلا
كان الشعر هو من ابداع الشاعر اليمني عبدالله البردوني ، اعدت قراءة البيتين عدة مرات ، ومسحت نظرات عيناي المكان والبيوت والجبال والسهول والبشر ، وكل ما استطاعت الوصول إليه ثم تنهدت .. وقلت : وداعا ردفان .. وداعا ايتها البلاد التي اشتعلت فتيل ثورة الاستقلال ، وها انت في حمأة (الجهاد) الاكبر ، لصنع الحياة الافضل والتغلب على صعوباتها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.