يبدو أن المغامرة الطائفية التي قام بها عبدالملك الحوثي وعلي عبدالله صالح قد أقتربت من نهايتها, قد تنتهي هذه المغامرة خلال أسابيع أو أشهر. خسر الحوثيين كل الأراضي التي سيطروا عليها بمساعدة معسكرات علي عبدالله صالح خارج حاضنتهم المذهبية, وبدأوا يخسرون أراضيهم داخل حاضنتهم أيضاً. خسر علي عبدالله صالح إمكانيات عسكرية أخذ يكدسها لعقود. أنتهت قواته الجوية خلال أيام, فقد معظم قدراته البحرية وآلياته البرية, بقى يقاتل بكتل بشرية تتحرك بالفقر أو بالإنتماء المذهبي وبقدرة صاروخية غير دقيقة, كل صاروخ أشتراه صالح جاء على حساب مدرسة وعيادة ومشروع إيصال مياه شرب إلى إحدى القرى قرر ألا ينفذه وأن يشتري صاروخ بدلاً عنه. قرار نقل البنك المركزي من صنعاء وعلى الرغم من تعثر تنفيذه بسبب عدم تجهيز طاقم فرع عدن لمهمة بهذا الحجم أفقد الحوثيين وعلي عبدالله صالح جزء كبير من قدرتهم على التحكم بإقتصاد البلد وسحب منهم أفضلية مخاطبة المؤسسات المالية والإقتصادية العالمية بإسم الجمهوية اليمنية, وجاء سكوت المؤسسات الدولية بالمقابل كسحب للإعتراف الإقتصادي الدولي بالحوثيين وعلي عبدالله صالح. أغلق مطار صنعاء وتوقف صالح والحوثيين عن إستقبال الوفود وإرسالهم. في هذه اللحظة لم يعد صالح والحوثيين إلا مجرد مليشيات عسكرية تستطيع إحداث قلق وتوتر للجيران ولطريق التجارة الهام في البحر الأحمر, لا أقل ولا أكثر. شارفت المغامرة الدموية على نهايتها. اليوم,هناك حكومة مركزية تعمل من الرياضوعدن, لا يؤمن معظم اليمنيين وكل الجنوبيين بأنها من يسير الأمور, ولا يبدو أن وزراؤها أنفسهم مؤمنين بذلك. هناك شبه دولة في صنعاء كالأخطبوط, مريضة ومنهكة تجلس على موروث من المركزية الإدارية والإقتصادية عمره قرون. دولة عميقة وفاسدة تركز على الجباية والإيرادات فقط, ما زال فيها عرق ينبض. وفي الجنوب هناك وكلاء للمحافظين لا يعرف لهم وصف وظيفي ولا مهام ولا عدد وهناك غياب لدور وكلاء الوزارات. هناك مسؤولين أمنيين لا يعرف لهم رتب ولا مهام ولا مناطق إختصاص ولا تسلسل قيادي, راجع الإرتباك الأخير الذي حصل في قضية تبادل الأسرى وراجع غموض تعيين وإعفاء أبو علي الحضرمي. جنوباً أيضاً, شعور الهوية الجنوبية في أقوى حالاته,أختفى الصوت الخافت أصلاً لدولة عدن وتراجع خطاب دولة حضرموت, بدأ الجنوبي يستشعر قيمة الحاضن الجنوبي الأكبر. هناك تحسن ملحوظ على مستوى الأمن فيم يتعلق بالعمليات الإنتحارية وإغتيال الضباط والمسؤولين العسكريين والمدنيين. بدأت معظم المرافق التعليمية والخدمية عملها. لكن, الفوضى وعدم الوضوح هي الحاضر الأكبر. تبدو الفوضى في عدن مثلاً أكثر وضوحاً في ملفات المقاومة على الحدود الجنوبية في الصبيحة وأبين وشبوة, المطار, خدمة الكهرباء, الأمن وتعيينات المسؤولين المدنيين والأمنيين. وتظهر كذلك في ملف النفط والغاز وتسييرالمنافذ الحدودية في حضرموت وشبوة. عندما تستقر الدولة, أي دولة, وتكتمل عملية بناء مؤسساتها, فأنه من الطبيعي أن يتم العمل في مرافقها ومؤسساتها بقدر من التداخل والتكامل, من الطبيعي أن يسير عمل المطار مثلاً جهات عدة, منها من هو مسؤول عن الأمن ومنها من هو مسؤول عن الضرائب,والموارد البشرية. يعمل الجميع بشكل متداخل لإستكمال أهداف العمل ولتسيير المهام اليومية. لكن بعد وراثة فوضى وفساد نظام صالح وتدمير وعبث الحرب الحوثية فأن هذه التداخل يؤسس للفوضى وعدم المحاسبة. بديل ممكن هو الإدارة بنظام تسليم المشاريع, كأن يصبح خبير ما أو جهة ما مسؤولة عن ملف أو مشروع محدد, يقوم هذا الشخص/المكتب/ الجهة/الفريق بتولي كل جوانب إكمال المشروع وتسليمه. مطار عدن الدولي وشركة الطيران كمثال, لا تتوفر للمواطن الجنوبي أي معلومات عن جاهزية المطار من عدمها, معلومات متضاربة وتصريحات مستعجلة لمسؤول هنا وهناك ووزير هنا وهناك, تراوحت بين أن المطار غير جاهز وتوقفت عملية ترميمه بسبب صراعات بين فصائل المقاومة التي تولت تحريره وحراسته إلى معلومات عن تبني شركة إماراتية عملاقة لترميمه, لا يرى المسافر عبر مطار عدن اليوم سوى فوضى وعمل إرتجالي ومراوح هواء. المطار هو واجهة الدولة أو الكيان السياسي / الوطني. المشكلة الأكبر في مطار عدن أنه لا يوجد شخص محدد / جهة واحدة مشرفة عن هذا الملف الهام والحساس. الفوضى وتداخل المهام هي الحاضر الأكبر. لماذا لا يتولى مسؤول واحد أو خبير محدد ملف مطار عدن الدولي لفترة محددة يتم تقييمه وتقييم ما أنجزه بعدها, وإستبداله كذلك. من الممكن إختيار هذا الشخص من وكلاء المحافظ مثلاً, يتم تكليفه من قبل محافظ عدن أو رئيس الجمهورية بمهمة تشغيل مطار عدن الدولي بشكل طبيعي خلال فترة محددة. يتولى هذا الشخص وفريقه مهام الإتصال بالجانب الإماراتي, بشركات الطيران, بالحكومة المركزية, بالرئاسة وبالمحافظ. يرفع هذه الشخص وفريقه تقرير دوري للمحافظ ولوزير النقل ولرئيس الجمهورية لما أنجز وللصعوبات وللحلول المقترحة, ويعلن في بيان صحفي دوري للجمهور كل ما أنجز وما سيتم إنجازه بكل وضوح وبالأرقام وبعيداً عن العبارات الإنشائية. مثال آخر أكثر أهمية, من المسؤول والمسائل عن المقاومة الجنوبية في حدود 1994, هناك مناطق جنوبية ما زالت تحت سيطرة قوات صالح ومليشيات الحوثي, ومناطق تتعرض لمحاولات إختراق مستمرة ومناطق تحت طائلة القذائف والصواريخ. ما هو المتوفر للمرابطين هناك من تسليح ودعم وإمكانيات وماذا ينقصهم, من يتولى علاج جرحاهم ورعاية أسر شهداؤهم؟. لا نستطيع في وضع الحرب هذا أن نتوقع أن تقوم وزارة الدفاع بدعمهم ووزراة الصحة بعلاجهم ووزارة شؤون الشهداء برعاية أبناؤهم بشكل طبيعي وفعال. يستطيع المحافظ أو الرئيس إختيار شخصية عسكرية خبيرة ونزيهة لتكليفها بملف المقاومة في مناطق محددة ولفترة زمنية محددة أيضاً. ملف الكهرباء, هل المسؤول عنه وزير الكهرباء, وكلاء وزارة الكهرباء في المحافظات, رئيس الوزراء, رئيس الجمهورية, المحافظ, أم الهلال الأحمر الإماراتي, أم جميعهم؟ غياب الشخص أو الجهة المسائلة والمسؤولة عن الكهرباء حولت ملف الكهرباء إلى ثقب أسود للفساد والنهب وإلى ملف لتعذيب الناس, لا نستطيع الحديث عن أمن في شوارع مظلمة ولا عن دراسة في مدارس ومعاهد وكليات حارة, ولا عن علاج وصحة في مستشفيات لا تعمل معداتها بسبب غياب الطاقة. ضخت الملايين وأستوردت المولدات وما زال الأمر يتدهور, والأكثر سوءاً هو غياب شخص ما يُسائل عن هذا التدهور أو يُكرّم لما أنجزه. أنتهى الصيف تقريباً, ويمكن إنجاز الكثير في الأشهر القادمة. لا نفتقر في الجنوب للدعم المالي, ضخت الإمارات العربية المتحدة وما زالت تضخ المليارات, ولا نفتقر للكفاءات البشرية ولا نفتقر لتراكم الخبرات العملية ولا نفتقر حتى للعزيمة والنوايا الطيبة, رأينا ونرى أبناء الجنوب يستشهدون حفاة في الجبهات حتى هذه اللحظة, نراهم يموتون وهم يصلحون أعطاب كهرباء متهالكة. نفتقر بكل تأكيد لمفهوم المسؤولية والمسائلة. نفتقر لأن نخبر شخص ما أنه قد تم تكليفك بهذه المهمة المحددة الأهداف والنتائج وتم منحك الإمكانيات اللازمة وتم تحديد فترة زمنية صارمة لك, لم تنجز مهمتك ويجب أن تُحاسب أو أنك قد أنجزتها وسيتم تكريمك. ما يتوفر اليوم للجنوب والجنوبيين من دعم ورعاية وإهتمام قد لا يتوفر غداً وسنخسر لحظة تاريخية أخرى.