من يتمعن في ما وصل إليه وضعنا ، ويرسل الفكر ملياً ، ويقترب من حال فئات معينة من المجتمع كالأطفال والنساء ، لاسيما عندما يرى الأرقام الخاصة بالوفيات ومن يعانون سؤ التغذية أو غير ذلك ، لاشك سيصاب بالذهول. على هامش الورشة التوعوية التي نفذتها المؤسسة الطبية الميدانية بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي ( wfp) انتابتني مشاعر مؤلمة ولم أتمالك نفسي فبكى قلبي قبل أن تترقرق العبرات في عيناي وما أشد بكاء القلوب !. أجل شعرت بالأسى والألم وأنا أشاهد على جهاز العرض هياكل عظمية لأطفال أصبحوا موتى فوق ظهر هذه الأرض التي تتبخر وتئن من باطنها الثروات والمعادن برا وبحرا ولا يستخرج منها إلا القليل وليس له إلا مسلكا واحدا هو بطون اللصوص والمارقين وأشباه الرجال ... بكى قلبي وبكت عيناي ؛ لأن أطفال الحديدة وتهامة يتضورون جوعا وبها مساحات زراعية تكفي لتموين كل فقراء الوطن العربي المثخن بالجراح والآلام. كنت أشاهد مثل هذه الهياكل العظمية على شاشات التلفزة في بلدان أفريقية، ولم يدر بخلدي أن هذا سيصبح واقعا ملموسا في بلد اليُمن والإيمان. رن هاتفي وأنا أهم بالخروج من منزلي وإذا بالمتصل د. نجيب جعدان، وهو أحد النجباء الذين لهم صلة بالعمل الصحي والإنساني وواحد ممن باعوا جُل أيامهم أعمارهم لخدمة الناس ،وقد طلب مني حضور الورشة المذكورة آنفا، وفعلا وقفنا ومن معنا على حقائق صادمة في وفيات الأطفال والأمهات، ومن يعانون سؤ التغذية وغيرها من الأمراض والأوبئة، هذا في الظروف التي لا يكون فيها انتشار للأوبئة ، فما بالنا وقد أصبح وطننا بحارا من المجاري تترندع فيها كل أنواع البكتيريا والقمل والبعوض والجراثيم ، ومن سلم من حمى الضنك والملاريا فالكليرا ستجهز عليه بكل أريحية.... ومسكين هذا المواطن يعيش في حالة استنفار وطوارئ ليس لها نهاية ، حروب ،وأوبئة، وتجويع ،ومفردات لا حصر لها من قاموس الغبن والعذاب. أي عقوق إنساني هذا الذي يحدث يا شرفاء هذا العالم الضال ،وعلى أي فلسفة وشريعة تتندر الدنيا بعذابات ملايين الأطفال ، وفي الجانب الآخر يفجر المخلوع وصبي صعدة الشقي حربا لانهاية لها أتت على الأخضر واليابس ، وعطلت كل مصالح الحياة؟! أي عقوق هذا يا وزراء حكومة الضياع، ومرتادي الحانات ،ودعاة الرذيلة، وبأي نفوس تبتلعون وجباتكم ، والفاقة تتخطف عشرات الأرواح من الأمهات والأطفال ، ويموتون ونفوسهم تتوق لشيء يسير من قمح أو أرز تالف تعافه حتى الحيوانات؟! أي عقوق هذا يا قرود صعدة وعمران وصنعاء؟ ، ولماذا تأمرون بوقف رواتب أولياء أمور هؤلاء الأطفال الميتين على ظهر هذه الأرض التي سستتفجر نيران تحت أقدامكم؛ لأنكم عاقين وعصاة أهلكتم الحرث والنسل؟! على هذه العتمة، وعلى ضبابية الرؤية يبقى الأمل بالله هو سبيل النجاة ، ثم بجهود المختصين في هذه المؤسسة ، وبرنامج الغذاء العالمي ، وبالجنود المجهولين الذين يصلون الليل بالنهار بلا كلل ولا ملل وأخص د. انسجام محمد زين ، ود. فهد وهما منسقا محافظة لحج اللذين رأينا عملهما خلال العامين الماضيين ملموسا في مديريات بعيدة ، والذي أتى ثماره بعد تدريب بنات الريف للعناية بالأمهات والأطفال ، آملين من قيادة محافظة لحج وقيادة مكتب الصحة تكريم أمثال هؤلاء وتذليل الصعاب أمامهم لنرى أمومة وطفولة آمنة ، مع التحية لكل الشرفاء ،ووسمة عار على جبين كل عاق لوطنه وإنسانيته.