يحلو للمتربصين لوضع الجنوب العربي الذين لا يسرهم استقراره ان ينعتون دولة الإمارات العربية المتحدة التي تتخذ من مدينة عدن والمكلا مقرا لقواتها بالدولة المستعمرة، ويصنفون المحافظات المحررة من قبضة الانقلابيين اليمنيين بأراضي يمنية مستعمرة، وهو إتهام على ما يبدو مغاير للحقيقة على الأقل من حيث النجاح والفشل ومن خلال المنظور الإيجابي للاستعمار. فقد عرف الاستعمار بمفهومه القديم أنه إعمار للأرض واحيائها وتأهيل اهلها وتحسين وضعهم بغية الاستفادة من خيراتها، وهو مالم نشهده من الاستعمار العربي الحديث ولن نشهده أبدا طالما هدفه مغاير ونيته غامضة وشركائه الذين اجبرتهم الظروف لجلبه متنافرين فيما بينهم ومع أهلهم وذويهم. فربما يظل حال عدن متذبذبا بين السيئ والأسواء حتى يعدل المندوب السامي الاماراتي أفكاره وسياسته تجاهها، ومن المستحيل ان يتغير وضعها طالما هناك مقاومة في عدن ترفض التخلي عن عدتها وعتادها حتى تقبض أجرة نضالها من دم عدن ولحمه. انه من الظلم بمكان ان نصف إشقائنا الاماراتيين بصفة هم ليسوا أهلا لها، فالاستعمار ليس مجرد ان يتخلى المستعمر عن من شاركوه القتال بعد إنهاء المهمة وزجهم في السجون بدون محاكمة كما فعل مستعمر اليوم، ولا هو استئجار ضعاف النفوس وتجنيدهم لاقتحام منازل المواطنين ومداهمة البري والمذنب وتغييبهم في سجون التحالف بدون توجيه لهم تهمة واضحة ولا تقديمهم للمحاكمة، ولا هو ان ينشئ المستعمر قوات أمنية ويعززها بالمال والسلاح ثم يترك لقادتها الحبل على الغارب بعيدا عن سلطة الدولة. ما هكذا يكون الاستعمار الناجح أيها الأشقاء العرب!!! ألا تعلمون ان أهالي بيحان قد نعموا بالكهرباء قبل تعرفها مدينة الرياض؟!! وعالجوا مرضاهم في أرقى المشافي في الوقت الذي لم يكن لمن يمرض من أهل الخليج من دواء الا الكي وما تيسر من بول الأبل؟!! هذا ما حصل بفضل الاستعمار النصراني في مدينة بيحان المطلة على صحرى الربع الخالي، فما بالكم بمدينة عدن وما حولها؟!!
يجب على المندوب السامي ان أراد معرفة ما يعنيه الاستعمار الحقيقي ان ينظر الى آثار المستعمر البريطاني التي لا تزال تشهد له وعليه الى اليوم. فقد حولت بريطانيا سواحل عدن من قرى اصطياد متناثرة وبسيطة الى مدن صناعية متطورة تنعم بكل الخدمات التي لم تعرفها بقية العواصم العربية، وأصبحت عدن مركز جذب تشد لها الرحال من كل مكان؛ ففيها لمن يمتلك المال مكانا مناسبا لتنمية تجارته ولمن يبحث عن العمل شركات توفر له فرص العمل لتأمين معيشته ولمن يبحث عن التعليم مدارس متطورة. ولذلك لابد لدولة الامارات العربية المتحدة ان تكون جديرة بتحمل المسؤولية فأنا لا نراها الا دولة مستعمرة فاشلة ان لم تعيد النظر في سياستها تجاه مستعمراتها وتعمل جاهدة لإعادة اعمارها وتحسين وضع اهلها الأمني والمعيشي، وان لا تخش من الاستقرار فإنه ليس من دوافع الانفصال الذي تعهدت للملكة السعودية بعدم حدوثه فانه لن يحدث دون إيعازا منها.