ورد إلي سؤال من أحدهم، ماحكم أكل تيس رضع من كلبة؟ فأجبته على سؤاله، مبينا أقوال أهل العلم في المسألة، ومرجحا قول من قال: العبرة بتغير اللحم، فإن تغير فالمنع من أكله حتى يحبس، ويطعم طاهرا، ويغلب على الظن أنه قد طاب لحمه. ولست هنا مبينا حكما شرعيا، وإنما أريد أبين خطر رضاعة التيس من الكلبة على وطني. فرح شعب الجنوب بتحرير مناطقهم من جنود عفاش -التي لم يكن وجدوها مقتصرا على الفساد بل على الإفساد- فعلت البسمة على أم الشهيد، وأم الجريح وهن يرن جنود عفاش مهزومة، مدحورة، ومنكسة أعلامها، فسلَّى كل مكلوم، ومجروح نفسه بولادة حياة جديدة ضحى لها أبناؤهم، وطالع الناس أخبار الجرائد؛ ليفرحوا بالتعيينات الجديدة من أهل الجنوب، وصارت الأسماء الجنوبية على كل كراسي الإدارة؛ فظن الشعب المسكين أنهم سيودعون الشمعة بكهرباء لا تنقطع، ويجدون في مشافيهم كل تطلبه النفس وتطمع، وإدارات تعمل وتبدع، ويسافرون من مطارهم بكل حرية إلى كل العالم أجمع. ولم يخطر ببالهم أن الرضاعة النجسة مؤثرة في لحم الرضيع، وكل إناء بما فيه ينضح، فكانت المفاجأة أن ممن ارتقى على كراسي الإدارة، قد نمى لحمه، ونشز عظمه من ثدي عفاش، فرضعوا منه الرضعات المشبعات- سواء كانوا ممن تربوا مباشرة في أحضانه أو وصلهم الحليب بالمجاورة- فألفوا على فساده، وإفساده، فنتن لحمهم حتى صار الصلاح عندهم فسادا، والفساد صلاحا، فلم يرحموا طفلا، ولا شيخا، ولم يراعوا دموع جريح، ولا أم شهيد. سرى الفساد في دماهم، كما سرى لبن الكلبة في التيس، فلا يفكرون إلا مثل تفكير عفاش. أيها السادة: لا تغرنكم خطاباتهم المعسولة، وعداوتهم لعفاش؛ فمن شب على شيء شاب عليه. فالأعمال هي التي تصدق أو تكذب الأقوال. فابن سلول يقول في صلاته بعد قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين): آمييين ويمد بها صوته، وهو أكفر من اليهود والنصارى. لست ممن يمنع باب التوبة، فبابها مفتوح إلى قيام الساعة، ولكن توبة الفاسدين مقرونة ب ( إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا) فقال (وأصلحوا) ولم يقل أفسدوا. فليست التوبة تغيير حالة واتس آب، يغيرها صاحبها كل حين على حسب مزاجه. أسالكم بالله، كم لعدن وهي محررة من جنود عفاش الظاهرين؟ وهي لازالت تعاني وستعاني، وستعاني. وستدمر أكثر وأكثر من رضّع عفاش! طهرت عدن ممن حمل السلاح من عبيده، وبقيت التيوس التي رضعت منه، فالمشوار معهم طويل. ياقائد الوطن، ياصناع القرار: هل من حل لهذا الشعب المسكين؟ هل ستبقى التيوس المرتضعة من النجاسة تفسد وتعيث ؟! فأني أحذركم من سكوت الأسد، وتحمله السهام، والرماح المسمومة، فإن له وثبة يخشاها الأعداء فضلا عن الأٌقرباء. وأني آمل -وكلي أمل- أن أرى الطلائع الجنوبية تتربع على كراسي الإدارة؛ لتكون شمعة تفنى قطرة قطرة؛ مضيئا الطريق لمجتمعها. وأنبه في نهاية مقالي، بأني استخدمت أسلوبا عربيا يعلمه أصحاب الدرس البلاغي، فلا يفهم أني أسمي عفاشا بالكلبة فإني أرى ذلك ممنوع علي من جهيتن: الأولى: لا أريد أن أكون فاحشا، ولا بذيئا، فشرعي ينهاني عن ذلك. والثانية: أخاف أن أظلم حيوانا وهو لايقارن به في الفساد والإفساد، وقد الف المحولي (ت:309ه) كتابا أسماه (فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب). عشت أيها الشعب المجيد، فمع الصبر النصر، فدتك روحي.