عملة واحدة لحكومتين وبنكين مركزيين مصدّرين لها ومسؤلين عن استقرارها،لكنهما يعجزان عن فعل شيء حيال التدهور الذي يطال أسعار صرفها،بل كانا لهما الدور الأكبر في تدهور عملتهما المحلية بفعل ممارسات اقتصادية ونقدية سلكها المركزيان في صنعاءوعدن تسببا في زيادة حدة التدهور الذي يطال العملة المحلية،لذلك فمن الطبيعي أن يكون مستوى التدهور الذي يطال أسعار هذه العملة متدهور بشكل مضاعف. بنك في صنعاء بدد كل احتياطياته النقدية وأصبح عاجزا عن دفع النفقات العامة،حتى تلك المتعلقة بالأجور والمرتبات،وبنك في عدن أفرغ هو الآخر خزينة احتياطياته -الضئيلة جدا- من العملات الأجنبية من خلال قيامه ببيعها عن طريق المزاد العلني وبسعر صرف كان يفوق كثيرا السعر الرسمي آنذاك،حيث باع الدولار بسعر 301 ريال/ دولار في حين كان السعر الرسمي الذي حدده البنك المركزي آنذاك 250 ريال/ دولار،ثم لجأ بعد ذلك إلى إصدار كميات جديدة من العملة المحلية ومن دون أي غطاء نقدي لها. جميع هذه الممارسات التي سلكها المركزيان في عدنوصنعاء ولدت انطباعات نفسية لدى المتعاملين بتلك العملة - أفراد ومؤسسات - دفعت بالكثير منهم إلى التخلص من العملة المحلية وتخزين بدلا عنها عملات أجنبية نتيجة لتوقعاتهم بارتفاع أسعار صرفها مقابل العملة المحلية، وهذا أدى بدوره إلى بروز أزمة من النقد الأجنبي في السوق المحلية. وقبل أزمة النقد الأجنبي كانت هناك أزمة من النقد المحلي (الريال اليمني)، دفعت حينها بالكثير من المتعاملين بها - أفراد ومؤسسات- إلى تخزينها (أي العملة المحلية) خوفا من عدم قدرتهم في الحصول على الكميات التي سيحتاجونها من المؤسسات المصرفية (البنوك) التي غدا معظمها شبه خالية من العملة المحلية حينها. وبعد قيام حكومة الشرعية مؤخرا بطباعة كميات جديدة من العملة المحلية تغيرت توقعات المتعاملين تجاه العملة المحلية،إذ توقع الجميع بأن إصدار هذه الكميات من دون غطاء نقدي لها سوف يؤدي إلى تدهور أسعار صرفها،وارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية،وهذا هو ما دفع بالكثير إلى التخلص من العملة المحلية المخزنة لديهم - التي تبلغ أضعاف مضاعفة للكميات التي قام بإصدارها البنك المركزي بعدن - واستبدالها بعملات أجنبية، فازداد على إثرها الطلب على النقد الأجنبي بشكل كبير، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار صرف تلك العملات بشكل كبير أمام العملة المحلية وتسبب ذلك الطلب الكبير على تلك العملات بأزمة سيولة من النقد الأجنب، وتحولت على إثر ذلك أزمة السيولة في السوق المحلية من أزمة سيولة من العملة المحلية إلى أزمة سيولة من العملات الأجنبية. هكذا تدهورت أسعار صرف العملة المحلية وبشكل سريع،وستواصل تدهورها طالما والبنك المركزي ليس بمقدوره أن يتدخل عن طريق تفعيل سياساته النقدية،فالسياسات النقدية تتطلب أن تكون لدى البنك المركزي الأدوات اللازمة لتنفيذها وهي ما يفتقرها البنك المركزي. مع ذلك يقف الجميع متسائلين عن الحلول الممكنة إزاء هذا التدهور المخيف في أسعار الصرف. طبعا هنا ستختلف وجهات نظر المحللين والاقتصاديين بأنجع الحلول الممكنة للحد من هذا التدهور. شخصيا أرى أنه من الضرورة بمكان أن نبحث عن أكثر الحلول (قدرة وسرعة) في تدارك ذلك التدهور في أسعار صرف العملة والذي يسير بشكل مخيف. وهنا أرى أنه ليس هناك من حلٍ أسرع من أن تطرق حكومة الشرعية أبواب دول التحالف وبقوة للحصول على (منحة،قرض،وديعة) أياً كانت،المهم أن تحصل عليها بصورة عاجلة لتوقف بها نزيف التدهور الذي يطال العملة المحلية. طبعا هذا ليس إلا حلاً مؤقتا لكنه غير كافي ما لم تتبعه إجراءات حقيقية نحو تفعيل الإيرادات الحكومية وأهمها تلك الإيرادات المتأتية من صادرات النفط والغاز وغيرها من السلع التصديرية. هكذا يمكن أن تخف حدة هذه الأزمة وتستقر ما لم فإن نزيف التدهور سيستمر وسينعكس ذلك بشكل سلبي على أسعار السلع الاستهلاكية والخدمات وهذه بدورها ستؤدي إلى توسيع حجم المعاناة لدى الناس، والدخول في مجاعة قد لا تقل عن مستوى المجاعة التي شهدتها الصومال في تسعينيات القرن الماضي. نتمنى ألا نصل إلى ذلك وأن يستشعر الأشقاء في دول الخليج حجم الكارثة المقبلة وقبلهم الحكومة وأن يعملوا نحو الحد منها وإنهائها.