المتابع للأحداث السياسية في البلاد وخصوصا ما بعد تحرير جزء كبير من محافظات البلاد من سيطرة مليشيا الانقلاب الحوثي والعفاشي في ديسمبر من العام 2015 ومنها المحافظات الجنوبية ، فبلاشك فانه سينظر الى محافظة حضرموت كأنموذج في التحرير ، ولعل هذا ما كان ليكن لحضرموت الا بعدة عوامل مختلفة تماما عن العوامل الاخرى في المحافظات المحررة جعلت منها تعاني تباعات التحرير من المليشيات الاخرى . وقد لا يختلف اثنان في ان تحرير حضرموت من عناصر تنظيم القاعدة لا يختلف عن تحرير بقية المحافظات من مليشيا الانقلاب لكونهما وجهان لعملة واحدة وخطرهم على العباد والبلاد لا يقل خطرا عن تلك المليشيات الفوضوية ، وعانت حضرموت من اثر سيطرة التنظيم على معظم مناطق ومدن سواحلها كثيرا من جراء الممارسات التعسفية والتضييقية التي كانت تمارسها تلك الجماعة لا تبعد شبها عن تلك التي كانت تذيقها مليشيا الحوثي والمخلوع صالح اثناء ما كانت محتلة للمحافظات الاخرى من الجنوب ، بل ان في احيان كنا نسمع ان التنظيم يساعد في عمليات التموين للمحافظات القابعة تحت سيطرة تلك المليشيا مستغلا بذلك احتلاله لميناء المكلا الحيوي وميناء ضبة ، وهو ما يؤكد قطعا علاقتهم ببعض . وعلى الرغم من ان تحرير حضرموت من تنظيم القاعدة جاء متأخرا كثيرا بعد تحرير كل المحافظات الجنوبية الاخرى ، الا انها استطاعت في وقت قياسي ترتيب اوضاعها وتصحيح امورها ، تمكنت من خلاله من تطبيع حياة الناس العامة من جديد ، وبدت تتعافى شيئا فشيئا حتى صارت نموذجا يشار اليها بالبنان في عملية التنظيم المحلي والاداري والمؤسسي لشئون المحافظة بعد مضي قرابة سنيتن وبضعة اشهر من احتلال تنظيم القاعدة لها ، وهو بالمناسبة اخطر تنظيم في شبة الجزيرة العربية . حاليا تشهد حضرموت استقرار ملحوظا في كثير من الجوانب على المستوى السياسي والامني والاقتصادي ، وكذلك في جانب التعليم والصحة ، علاوة على ذلك وضع حجر العديد من المشاريع الاستثمارية ، فقبل بضعة اشهر اعلنت وزارة التربية والتعليم ان مكتب تربية حضرموت هو المكتب النموذجي من بين مكاتب الوزارة في المحافظات المحررة وعليه اقر ان يكون مكتب حضرموت هو المركز الرئيسي لوضع اختبار شهادتي التعليم الاساسي والثانوي وكنترول التصحيح واعلان النتائج ، ومؤخرا استقبل ميناء المكلا الخط الملاحي الجديد "كوسكو" ، وهو خط ملاحي عالمي يربط ميناء المكلا بأهم الموانئ الدولية ، كل هذه الامور ساهم فيها ايضا الجانب الامني المستتب كأفضل من غيره من المحافظات المحررة الاخرى على اقل تقدير حيث تخضع كافة القطاعات العسكرية هناك تحت قيادتين لا ثالث لهم المنطقة العسكرية الثانية وقيادة شرطة امن حضرموت . لكن ووفق كل هذه العوامل والمعطيات التي جعلت من حضرموت بحالة استقرار أفضل بين المحافظات الاخرى ، فأن هذا لا يعني ان الغير عاجزا ان يصل الى هذه المرحلة ذات الافضلية ان جاز التعبير لحضرموت رغم وجود ايضا بعض السلبيات ، فبطبيعة الحال ان اختلاف البيئة والطباع والتعامل بين حضرموتوالمحافظات الاخرى ، كان جزء مساعدا لحضرموت في حين كان هذا الاختلاف جزء يصعب التعامل معه في باقي المحافظات ومنها العاصمة عدن على سبيل المقارنة ، فحضرموت و العاصمة عدن رغم جنوبيتهم الا ان الظروف لا تتشابه بعضها ، والنسيج الاجتماعي بين هاتين مختلف تماما وكذلك الحال مع باقي المحافظات الاخرى . ففي عدن ليس كما في حضرموت فليس من المنصف ان نقول لماذا لم تكن عدن كمثل حضرموت رغم التمني ان يكون الامر كذلك ، لكن ثمة عوامل واسباب يجب ان تأخذ بعين الاعتبار لمن يحاول ان يقارن بينهم بدون تنمق او تلميع ، او حتى محاولة لتميز انتصارها على بقية انتصارات الاخرين ، لان هذا يدخل فيه نوع من انواع الجحود وحب الذات . محافظ عدن اللواء عيدروس الزبيدي اكد في وقت سابق واعتقد ان ذلك كان اثناء لقاءه ببعض من الشباب الحضارم كانوا يمثلون منتخب حضرموت في بطولة معينة شاركوا فيها ضمن منتخبات محافظات الجنوب الاخرى ان حضرموت تشهد استقرار وتطور افضل من غيرها ، ونامل ان نكون في عدن كذلك ، لكنه شدد على أن ثمة امور معقدة كثيرة تجعل من الاوضاع في عدن مختلفة تماما عنها في حضرموت ، ولعل الرجل صادقا فيما يقول ، بدليل عوامل كثيرة لا يمكن ان نقارن بها بينهم في هذا الحيز لكن اذا تعرجنا على جزء بسيط من هذه العوامل فأننا نستطيع القول ان من مستحيلات المقارنة . اولا ان عدن الان باتت عاصمة مؤقتة للبلاد ، وخليطها الاجتماعي متجانس ومتعدد ، اضافة الى ذلك ان موقع العاصمة المؤقتة من حيث استراتيجيته ، وكذلك انظار المجتمع الدولي اليها كعاصمة مؤقتة ، وصاحبة القرار السياسي لتواجد القيادة السياسية للبلاد وتواجد الحكومة الشرعية بها ، في ظل وجود متربصين بأمنها واستقرارها يسعون جاهدين للحيلولة دون استقرار الوضع الامني فيها ، كل هذه عوامل يجب ان تراعى ، فحجم المسئولية التي تقع على عاتق قيادة العاصمة من محافظها الى مدير امنها ليست بالهينة ، وحجم الضغوطات التي يعانوها لا تجعل مدرك لما حوله يلقي بلائمة عليهم . ولهذا ان كنا نرى ان حضرموت نموذجا للمحافظات المحررة ، فيجب ان تحافظ على تلك المكاسب والمنجزات التي حققتها بعد مرحلة التحرير ، وان لا تسمح لأي كائن من كان ان يمس بهذا الانجاز المثالي الذي تحقق تحت ادارة قيادة المحافظة ممثلة باللواء احمد سعيد بن بريك محافظ المحافظة ، واللواء فرج سالمين البحسني قائد المنطقة العسكرية الثانية وكافة وكلاءها ومدراء امنها ، في الوقت الذي نرجو ان تصحح اوضاع المحافظات الاخرى المحررة وخصوصا الجنوبية منها ، حتى نستطيع فيما بعد نخطي الخطوات القادمة سويا ، لان المساءلة ليست مسالة تفاخر وان كان حسن والمهم اننا ندرك اننا نعيش ظرف استثنائي صعب يجب ان يتعاضد فيه كافة ابناء محافظات الجنوب بدون استثناء .