أجزم أن كل جنوبي تلقى خبر تخصيص حلقة " الإتجاه المعاكس " للضيفين ( الجنوبيين ) فتحي بن لزرق وأنيس منصور قد عمد إلى ظبط منبه جواله حتى لا تفوته فرصة المشاهدة - وهكذا فعلت أنا بالطبع - مرت لحظات ثقيلة كأنها أعوام قبل أن يباشر فيصل الجاسم بصوته المستفز معلناً بدء جولات المناكفة الحرة بين خصمين عنيدين : الأول يدافع عن قضية عادلة ومشروعة وذلك حقٌ من حقوقه ، والثاني يتقمص دور العدو الذي يدعي ملكية ما لا يملكه . ويقيني أن ملايين " الدحابشة " يتابعون الحدث ثانيةً بثانية ، أما الجنوبيون فمحرومون نتيجة انقطاع التيار الكهربائي ( لا بارك الله في بن غدر ولؤمه ) . كان واضحاً أن الجاسم متحسزاً للجانب الوحدوي ، وتبين هذا من مقدمته ونكهتها التي أغدق عليها كمية من البهارات لتزكم أنوف من يصفونهم بالإنفصاليين وأنا واحدٌ منهم ، وطبيعي أن يتخذ الجاسم موقفه ذاك على هذا النحو فهو يعمل ضمن مؤسسة لا تعترف للجنوبيين بحقهم في الإستقلال ، بل أنها تذهب إلى دعم الطرف الغازي المتمثل في حزب الإصلاح علناً ودون تحفظ . انطلق أنيس منصور بإشارة من فيصل الجاسم مدشناً وقائع هذا اللقاء بسيلٍ من العبارات هي أقرب إلى الشعارات منها إلى الحقائق ! ويبدو أن الجاسم استماله هذا الهاجس فترك ابن منصور يسترسل دون مقاطعة ، وهي حركة أراد من خلالها التأثير على فتحي في مستهل البرنامج لتكون هي السبب في دربكة تعمدها الجاسم بتعقيبه على أنيس مدبجاً جملة من الأسئلة التي جعلتني أضع يدي على قلبي خوفاً من أن يرتبك فتحي ، وتفلت من يده أطراف الخيوط ! لكن الرجل فاجأ الجميع برصانةٍ ورباطة جأش ، وراح يفند أطروحات خصمه بطريقة احترافية ، ويفسد كل الفقاعات التي أطلقها منصور في الهواء وباركها الجاسم بصلف .
بدا واضحاً أن أنيس شعر بقوة الإعصار الذي يلفه فلجأ إلى أسلوب التشنج والإنفعال والصراخ والعويل على طريقة ( خذوهم بالصوت ) فكان كالمومس التي أضاعت عقدها الثمين فهي لذلك مضطربة ! وساعد هذا على استيعاب الشاب فتحي لدوره فذهب يستعرض صوراً لجماهير المسيرة المليونية ، ويقارنها بنظيرها من المسيرات التي لم تتجاوز بضعة أشخاص داعمةً للشرعية .
وفي مقابل مشادات المنصة التي اتخذ منها أنيس متكأ في الحوار استعرض فتحي محطات وقوف في مأرب والجوف وتعز وكيف أن هذه المناطق تشهد توتراً بين أبنائها ولا أحد يذكر شيئاً عنها كما يحلو لأنيس أن يخلق شيئاً من لا شيء وأن يعمل من الحبة قبّة .
كان الأستاذ فتحي بن لزرق مثالاً للمثقف الجنوبي الواعي الذي يحمل همّ قضيةٍ عادلة ومشروعة ، ويدافع عنها باقتدار فيما بدا أنيس منصور كمن يبيع كلاماً استهلاكياً لصالح مشروع خاسر لا يمت إليه بصلة .. مٓن ذا الذي يضع الخوذة فوق رأسه ، ويتقلد سيفاً بيمينه وترساً بيساره ليقاتل في صف العدو الذي جاءه يريد استباحة أرضه وعرضه ؟! " ذلك هو الخسران المبين " وكم يؤلمني أن أسمع بعض الأفواه وهي تتقول ببلادة حس حينما تذكر فتحي بن لزرق مسبوقة بحقد دقين يشتعل في داخلها لا مياة النيل تطفيهِ ولا أمواه دجلة !
تحية من القلب لحبيب الشعب فتحي بن لزرق ، وكم أتمنى أن أرى جميع شباب الجنوب العربي أزرق في أزرق .