أعتقد أن الساعة تجاوزت الثانية فجراً عندما خيل إلي و أنا بين اليقظة و المنام أن أغنية أيسكريم نانا البائسة تتناهى إلى سمعي! صحوت متثاقلا و أصخت السمع جيدا إلى مصدر الصوت شاكا أنني مازلت نائماً وسط حلم ما، لكني تأكدت أن الصوت حقيقياً و أنه يصدر من تحت العمارة التي نسكن فيها! أصابتني دهشة بالغة و دفعني الفضول لتقصي وضع هذا البائع المجنون الذي يجول بعربته الشوارع في وقت يغط فيه الناس في عميق نومهم، لا سيما و أن صوت الأغنية التعيسة كان مرتفعا كأنه يريد إيقاظ الجيران الذين فعلا بدأوا يطلون برؤوسهم من نوافذ بيوتهم لمعرفة ما يحدث في هذه الساعة المتأخرة من بعد منتصف الليل، و يا لهول ما رأته أعيننا! كانت عربة الأيسكريم تسير ببطء شديد لوحدها بدون راكب و صوت الأغنية يعلو بشكل مزعج للغاية! ! لم يجرؤ أحد منا على النزول للتحقق من أمر تلك العربة المرعبة و اعترانا خوف شديد، أكتفينا فقط بالحملقة بين العربة و بين وجوه بعضنا الذي سادها البله و الدهشة الممتزجة برعب شديد! أزعم أنني أمتلكت قليلا من الشجاعة للنزول من البيت مهرولا باتجاه العربة الغامضة، فتحت باب العمارة بيد مرتعشة و أخرجت نصف وجهي مبحلقا بالعربة! لكن فجأة صمتت أغنية نانا و سكنت حركة العربة و كأنها تفاجأت بوجودي! تسمرت لحظات فيما رحت أستجمع شجاعتي للاقتراب من العربة ، كنت أتقدم نحوها ببطء و خوف شديدين و خيل إلي أنها تنظر إلي بالمقابل و كأنها تضمر لي شيئا ما! كان الموقف غريباً بكل معنى الكلمة، أنا أقف متخشبا أمام عربة أيسكريم تقود نفسها بدون سائق و عيون الجيران تكاد تسقط من محاجرها من فرط الرعب و الترقب! فجأة .. علا صوت مايكرفون العربة بأغنية نانا بشكل هستيري و اندفعت بدالات العربة بقوة باتجاهي في الوقت الذي تسمرت فيه قدمي في الأرض! لحسن الحظ لم تدهسني، لكنها تجاوزتني بسرعة خيالية ثم مالبثت أن توارت في الظلام الدامس! في اليوم التالي أنتشرت قصة عربة نانا كالنار في الهشيم، فقد شوهدت نفس العربة في عدة مناطق من صنعاء و لم يجد الناس أي تفسير منطقي يجلي أمرها، لكن فيما بعد أتضح أن أحد سائقي أيسكريم نانا قتل غدرا بعد أن نهبت حصيلة يومه، و بعضهم يقول أن أغنية نانا هي السبب، و يقال أن عربته هي التي كانت تجول شوارع صنعاء بحثاً عن القاتل!