"يدفع اليمنيون العاديون ثمنا لذنب لم يرتكبوه". هذه هي خلاصة الحرب في تلك البلاد الغارقة بتعاستها والتي يُقال إنها كانت يوما ما سعيدة. حين قام الحراك الشعبي المناوئ لنظام علي عبدالله صالح لم يكن أحد من اليمنيين يتوقع أن الرئيس المخلوع سيستعيد شعبية لا يستحقها من خلال تحالفه غير الوطني مع الحوثيين الذين قاتلهم جيشه ست مرات. فالرجل الذي كان قد تلقى عبر سنوات حكمه دعما غير محدود من جارته الكبرى السعودية كان يفكر بطريقة تبعده عن الحكم المباشر لكن ليس على أساس كونه رئيسا مخلوعا. اليمن لا يشبه أي بلد آخر. هناك توازنات قبلية وجهوية لا يمكن تخطيها في ذلك البلد العتيق الذي عجز أبناؤه عن إقامة دولة حديثة فيه، بالرغم من كل المحاولات الصادقة التي بذلها الجنوبيون الذين بدأوا شيوعيين وانتهوا قبليين. وهناك مسافة بين الخيارين لم يشعر اليمنيون بها. لقد رتبت الثورة السلمية أحوالها على عجل. أو أن هناك مَن لفق حلا لاحتواء ذلك الحراك الشعبي من غير أن يكون ذلك الحل بمستوى ذلك الحراك. وهو ما استفاد منه صالح في ثورته المضادة. كان خطأً قاتلا أن يتم اختيار عبد ربه منصور هادي وهو نائب الرئيس صالح، رئيسا ليقال إن التغيير قد أنجز وما على المتظاهرين إلا العودة إلى بيوتهم. بالنسبة لصالح لم يكن ذلك الاجراء مقنعا. ولكن هل علينا أن نصدق أن اختفاء علي عبدالله صالح من المشهد اليمني سيكون كفيلا بعقد مصالحة وطنية والبدء في التفكير في يمن جديد؟ كان الامر أشبه بتبديل الأقنعة. نزع اليمنيون قناع علي عبدالله صالح ليرتدوا قناع عبد ربه منصور هادي. غير أن نقل مركز السلطة لم يكن بذلك اليسر المتخيل. وهو ما أدى إلى فشل عملية الانتقال السياسي برمته. لو أن النظام البديل قام على أسس سياسية جديدة لتمكن اليمنيون من القفز على ماضيهم المحكوم بشروط لا تسمح بقيام دولة. ما فشل فيه علي عبدالله صالح حاكما كان واحدا من أهم أسباب نجاحه في معارضته للتحول السياسي الذي بدا كما لو أنه مجرد نسخة من نظامه. لجأ صالح إلى اللادولة المتحققة على الأرض مقابل مساعي خصومه في تلفيق دولة لا تملك مقومات الاقناع الشعبي. لذلك كان من اليسير عليه أن يتحالف مع أعدائه السابقين. من اليسير التكهن بأن الرجل كان يفكر في الانقلاب على حلفائه الجدد لو أن الحظ حالفه في استعادة السلطة بطريقة غير مباشرة، أي من خلال تكريس عملية التوريث التي أغاضت اليمنيين. حدث يمكن توقعه بالعودة إلى المعادلات التي تحكم حياة اليمنيين. لا شيء من السياسة وكل شيء في ما يتعلق بتصريف اليمنيين لشؤونهم بطريقة خاصة. اليمن لا يشبه في ذلك أي بلد آخر. إنه صنيعة نفسه. ولكن هل كان ينفع أن تُترك اليمن لحال سبيلها وسط الفوضى الذي تسبب بها الحراك الشعبي بين لحظتي سطوعه وافوله؟ أعتقد أن الدفاع عن الشرعية عن طريق الحرب كان قرارا مفاجئا لليمنيين الذين اكتشفوا أن الشرعية لم تكن قادرة على الإمساك بالبلد، ناهيك عن حجم قوتها التمثيلية المشكوك فيها. الحرب التي أضرت باليمنيين كانت ضرورية من أجل الإعلان عن مكانة اليمن في محيطها العربي. وهو ما كان علي عبدالله صالح يدركه أكثر من سواه. وقد يكون الرجل قد لجأ إلى إهانة خصومه من اليمنيين من خلال الارتباط بعجلة الحوثيين في محاولة منه للتذكير بتلك المكانة. اليوم تنفصل عُرى الاتفاق الآثم بين صالح والحوثيين، أليس من الصواب احتواء الرئيس السابق بكل عيوبه؟ لن يتم ذلك الاحتواء إلا عن طريق خريطة طريق لا تمر بالقصر الرئاسي. * نقلاً عن " ميدل إيست أونلاين"