منذ عام 1979 لم تعد إيران تتصرف في علاقتها مع العالم العربي في سياق القانون الدولي الذي ينظم العلاقة بين الدول. لم تعد إيران دولةً تعترف بوجود الدول التي تجاورها. كانت فكرة ولاية الفقيه التي طرحها الخميني قد مسخت كل شيء لصالح أن تكون إيران وصية على العالم العربي. وهي الفكرة التي نتجت عنها حرب الثمان سنوات المريرة مع العراق. وكما يبدو فإن العالم العربي كان يأمل أن تتعلم إيران من ذلك الدرس القاسي والمؤلم شيئا ينفعها. غير أن شيئا من ذلك لم يقع. في كل الأحوال كان العراق محقا يومها. هذا ما أكدته السياسات العدوانية التي انتهجها النظام الإيراني مع العالم العربي. فإيران دولة توسعية تضع خرائطها الوهمية على الطاولة في كل مناسبة تشعر فيها بالقوة. لا شيء من السلوك الإيراني يشي بالاعتراف بحق الدول العربية بالتمتع بسيادتها على أراضيها. ذلك السلوك العدواني تخص به إيران الدول العربية من دون جاراتها الأخريات. وهو انعكاس مرآتي لعقدة تاريخية لم يتخلص منها الإيرانيون في مواجهة العرب الذين يعتبرونهم مسؤولين عن انهيار الإمبراطورية الفارسية قبل أكثر من 1400 سنة وهي كذبة تاريخية جرى تسويقها من أجل القفز على الأسباب الداخلية لذلك الانهيار. لقد جرب العرب أن ينسوا الأوهام التوسعية الإيرانية في محاولة منهم لمد يد العون لجارتهم المنبوذة عالميا غير أن إيران بتدخلاتها الصبيانية كانت تحرجهم حين تذكرهم بفشل محاولاتهم. ما وقعت إيران ومنذ استلام الخميني السلطة فيه من سوء فهم في علاقتها بمحيطها الإسلامي ظل يتحكم بعلاقتها بذلك المحيط وبالأخص بالجزء العربي منه. وهو الجزء الذي تتبع أقلية من سكانه المذهب الشيعي الذي صارت إيران تعتبر نفسها وصية عليه ومسؤولة عن إدارة شؤون أتباعه من غير أن تملك الحق في ذلك. أولا لأن أولئك الاتباع عرب وهم مواطنون في دول مستقلة ذات سيادة. وثانيا لأن المتدينين من أولئك الاتباع يتجهون في تصريف شؤونهم الدينية إلى مرجعيتهم الدينية التي تقيم تاريخيا في النجف وهي مدينة عراقية. فما الذي تملكه إيران من أسباب مقنعة للوصاية؟ المشروع الإيراني في حقيقته ليس دينيا وإن ظهر بلباس طائفي. الإيرانيون يمثلون دورا بات مفضوحا ولم تعد لعبة القفز من الديني إلى السياسي وبالعكس تنطلي على أحد. مشروعهم سياسي بامتياز، أما الخطاب الطائفي فهو موجه إلى البسطاء ممَن يمكن السيطرة على عقولهم من خلال رفع شعار مظلومية آل البيت. وهو شعار مضلل لأنه لا ينفع واقعيا في شيء ولا ينتج عنه سوى شقاق عبثي. غير أن ما فعله العرب بأنفسهم في حفلة الخراب التي أطلق عليها سخرية كما يبدو اسم "الربيع العربي" قد سمح لإيران أن تتمدد بيسر إلى أجزاء عزيزة من العالم العربي وكان الغزو الأميركي للعراق عام 2003 قد وهب إيران فرصة لم تكن متاحة لها لو أنها سعت إليها بنفسها. لقد فتحت الولاياتالمتحدة أبواب العراق أمام إيران. تلك حقيقة يجب عدم اغفالها حين يتعلق الأمر بقراءة خلفيات الحاضر العربي الذي صارت الميليشيات التابعة لإيران جزءا منه. لو لم يسمح الأميركان لإيران بالتمدد في العراق لما تغول حزب الله في لبنانوسوريا ولما صارت سوريا ملعبا للحرس الثوري الإيراني ولما محيت المدن العراقية ذات الأغلبية السكانية السنية بحجة "داعش"، التنظيم الإرهابي الذي يمكن أن تكون ضالعة في تدبير شؤونه بعدما افتضح من أمر علاقتها الخفية بقطر ولما قويت شوكة الفاسدين في العراق برعاية حزب الدعوة. بعد كل ما فعلته إيران في العالم العربي فإن الحديث عن علاقة ممكنة بين العرب والإيرانيين يبدو كما لو أنه نكتة سوداء. لقد تعود الإيرانيون أن يضحكوا على الآخرين مستندين على فكرة ساذجة تنطوي على ثقتهم بذكائهم وهي كذبة جرى تسويقها من غير أن تمتلك سندا واقعيا. لم يكن الإيرانيون على درجة من الذكاء في كل ما فعلوه مع الدول العربية. لقد خسروا جيرانا يمكن أن يطمئن المرء لهم ولنواياهم وألحقوا الأذى بمَن يمكن أن يسدي لهم النصح في مواجهة أوقاتهم العصيبة.