أخيرا كشف محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الايراني عن أن بلاده في تدخلها في شؤون جيرانها العرب انما تتبع مبدأ "الجار قبل الدار". وهو مبدأ لا يسمح لإيران بالانصات إلى مشكلات جيرانها من أجل المساهمة في حلها فقط بل يتجاوز ذلك إلى محاولة صنع تلك المشكلات إن لم تكن موجودة. لقد فرضت ايران وجودها في أجزاء من العالم العربي بقوة المشكلات التي هي في جزء كبير منها من اختراعها، من خلال تعاون مواليها من العرب معها. وكما يبدو فإن ايران تمد عينها الجشعة إلى سابع جار. فلو شاءت الجزائر أن تكشف الحقيقة كاملة لوضعتنا في مواجهة الدور الخبيث الذي تلعبه ايران في الفتنة الداخلية التي تتفجر بين حين وآخر في ذلك البلد البعيد جغرافيا عن ايران ولا تربط شعبه بشعبها أية هموم عقائدية. كان العراق دائما عبر التاريخ هو المبتلى الأكبر بالمفهوم الايراني للجيرة، وهو مفهوم يقوم على نسج المؤامرات والدسائس وبث الفتن ورعايتها من خلال عملاء، بعضهم يجد في خدمة ايران واجبا شرعيا أما البعض الآخر فقد ربط نفسه وظيفيا بما يؤديه من خدمات قذرة ضد بلاده. ربما كانت السنوات القليلة التي أعقبت اتفاق الجزائر عام 1975 هي الوقت المستقطع الوحيد الذي شعر فيه العراق بالراحة، حين كفت ايران عن دعمها للأكراد في حربهم ضد الحكومة المركزية. غير أن وصول الخميني إلى السلطة في ايران عام 1979 أعاد جار السوء إلى سيرته الأولى، حين رفع الرجل شعار تصدير الثورة. يومها أعلن أنه لن يستطيع ايقاف جيش الجمهورية الاسلامية من المسير إن أراد الوصول إلى كربلاء. وإذا ما كانت ايران الشاهنشاهية تراعي في سلوكها القانون الدولي والاعراف الدبلوماسية بإعتبارها دولة محترمة من قبل المجتمع الدولي فإن ايران الخمينية لم تكن حريصة على الالتزام بالقانون الدولي وهي لا تعترف أصلا بالأعراف الدبلوماسية، لذلك فقد اتخذ اهتمامها الزائد بجيرانها منحى التآمر الواضح من خلال انفاق أموال طائلة من أجل انشاء شبكات كبيرة لعملائها، البعض منها اتخذ هيأة أحزاب مسلحة كما هو حال حزب الله اللبناني، اما البعض الآخر فقد حالت قوة الدولة وسيطرتها على الأوضاع بينه وبين التسلح كما هو حال جمعية الوفاق في البحرين. لقد كان أهم مظهر من مظاهر اهتمام ايران بجيرانها العرب أن بصمات أصابعها كانت ظاهرة وبشكل سافر في كل فتنة طائفية يشهدها العالم العربي. ولإنها لم تكلف نفسها دفع تلك التهمة عن نفسها بل أكدتها في الكثير من المناسبات فقد صار دفاع المغرمين بها يتخذ موقف الاثبات من خلال الدفاع عن حقها في التدخل في شؤون جيرانها. ومع ذلك يمكنني القول إن ايران التي لم تغير من منهجها العدواني إزاء جيرانها قد وجدت في صمت أولئك الجيران سببا مضافا للانغماس أكثر في عدوانيتها. هناك أراض عربية محتلة من قبل ايران وهناك شعب عربي هو عرضة للإضطهاد وانتهاك حقوقه من قبل النظام الايراني. فما الذي فعله العرب من أجلهما؟ أكان خيار سوريا، ايام حكم الرئيس حافظ الأسد ايرانيا لو لم يتخلَ العرب لخلافات سياسية عن سوريا؟ اليوم تعتقد ايران أن العالم سيستمع إلى مشورتها في كل ما يتعلق بالعراقوسورياولبنانواليمن. فالعراق بات محتلا من قبلها اما النظام السوري فإنه يستظل بحمايتها وفي لبنان صار حزب الله وهو قبضة الولي الفقيه الضاربة التي تعيق أي حل للأزمات السياسية اللبنانية إن لم تباركه طهران وفي اليمن لا يزال هناك أمل لدى الحوثيين في أن تأتي النجدة الايرانية في اللحظات الأخيرة. يحدث كل هذا لأن ايران اختارت الجار قبل الدار. الايرانيون يكرهون الخليفة عمر بن الخطاب لأنه قال "ليت بيننا وبين فارس جبلا من نار. لا ينفذون إلينا ولا ننفذ إليهم." كم كان الرجل محقا.