هي فكره معوقة ومضللة، دولة وهم، وبعيدة كل البعد عن المنطق السليم، مُعتمة ليست لها هوية حقيقية، أو سند تاريخي. فاقدة أسس التوافق، تقوم تحت رهن وهيمنة ثلاثة قبائل او مناطق مشيخات متنافرة، خاضت من قبل فيما بينها، بعد الإستقلال الزائف، ولم تزل، صراعات دموية عديدة وتوقف بسببها الإزدهار والنمو، وغابت حقوق الإنسان والحريات العامة، وتحولت عدن، عبر وجودهم فيها، إلى مدينة خَرِبة ومُدَمَّرة وحالة إنسانية يرثى لها. والدولة البديلة المقترحة هي موضوع جدل عموما. وعمل ينطوي على مجازفة، والأكثر ريبة بشأن أغراضها، والأصعب على التنفيذ، ولم يعد ممكنا تطبيقها. ولامُتَسَاوِقه مع مدينة مثل عدن. ومن غير ريب، ليس عدلا أن نعيد في الجنوب إنتاج دولة الحزب الإشتراكي البوليسية والمتسولة مرة أخرى. وليس سببا للإحتفاء بها باي حال. دولة لم يعيش الناس فيها لحظة طيبة طوال حياتهم. هي دولة قامت من الأساس، من خلال التدليس الإنجليزي، ومن خلال جريمة كاملة هي جريمة قتل أبناء عدن في جبهة التحرير والتنظيم الشعبي، في حملة نفذها جيش الليوي، بتحريض من الإنجليز، يوم 25 سبتمبر 1967م، في الشيخ عثمان والمنصورة. وطرد كل كوادرهم من الوظيفة العامة بقرارات وزارية منذ الشهور الأولى من عام 1968. ولا يمكن بناء عاصمة في مدينة وفي وسط مُثَبَّت أنه معادي لفكرة جنوب تحكمه تقاليد وثقافة قبلية غير مدنية، ولها قادة لهم سلوك على نحو غير سويّ، دماء القتل تجري في عروقهم، أدت الأدوار الأكثر سوءا في تاريخ المدينة. ويعرف أنه في عدن تأسست أحزاب ونقابات عمالية، وكانت من أنشط الأحزاب والحركات العمالية ثوريا وقوميا، ورفضت الأشكال السياسية على أساس شطري، وكانت قاعدة الإنتماء إليها على أساس الهوية الوطنية اليمنية. ومن المحتوم عندما يتم رسميا الإعلان عن هذه الدولة المزعومة أن يكون له عواقب كارثية سياسية وإقتصادية وإجتماعية على كل العباد. لآنه مشروع له كل علامات الدولة الفاشلة الضعيفة، غير المستقرة التي تحمل في داخلها مخاطر الدكتاتورية والإنهيار. ولن تملك الا قليل من السيطرة على جزء كبير من الأرض. وأن تفسد كالعادة عبادة السلطة عند تلك القبائل أحكام العقل كما في 13 يناير 1986م. وفي بيئة العمل السياسي الراهنة المختلة ستحول البلاد كلها والمنطقة، وليس عدن وحدها هذه المرة، إلى منجم حروب أهلية. ومن المؤكد ألا توافق عدن وحضرموت على مقترح كهذا، لأن ثقافتهم الشعبية المدنية المتميزة، والوعي الجمعي عندهم يختلف عن الوعي الجمعي عند تلك القبائل صاحبة المشروع الذي يسوده الثأر والعنف، ولا يعرفون كيف يديرون شئونهم، ولا يجيدون الحكم ولا يحترمون التنوع، والأشد خطورة على الحريات العامة. وتعطي الدول الإنفصالية التي مرت بتجربة التقسيم مثل أرض الصومال وإرتيريا وروديسيا وجنوب السودان وشمال قبرص التركية وأبخازيا وقره باخ وكوريا الشمالية وبنجلادش وتايوان صورة أكثر وضوحا وعمقا لأبعاد هذه المشكلة. وهي كيانات مثل مشروع الجنوب العربي، غير حائزة على مؤهلات الدولة، وأُهملت منذ البداية من قبل المجتمع الدولي. وستعامل بالمثل دولة الجنوب العربي المقترحة. وظهورها سيكون عن إغتصاب الحكم ومخالفا للدستور اليمني، ولن تجد طوال عمرها من يعترف بها كدولة ذات سيادة. خاصة في ظل هذا النظام الفوضوي الذي نواجهه، الذي يسعى إلى تقسيم بلدان المنطقة وترفضه كل الشعوب العربية. الكراهية بين الناس في وطن واحد لم تكن حلا لأية مشاكل، وتجلب الكوارث، وترسيخ العداوة التي أوقعت اليمن كله في هذه الفوضى العارمة. والتكدس في عدن وبناء العشوائيات والهرولة في شوارعها عبث، ويلحق أذى نفسي ومعنوي بأبناء عدن ويضر بمصالحهم، ولا يقبل له أية تبريرات. وقد أرتبط الإدعاء بأن عدن عاصمة للجنوب، وهو نبأ كاذب، بسياق مقترن بإستيطان المدينة، وبظاهرة سلب أراضيها وممتلكاتها، وحرمان أبناء عدن من هذه الممتلكات. ولأن الحق غالب، ستظل محل تنازع وتخاصم وإختلاف وسترد إلى أصحابها أبناء عدن الأصليين. وستزال كل التعديات على مدينتهم. وستعاد هيبة سلطتهم على إدارة المدينة ومؤسساتها بكاملها. والطاقة السياسية في اليمن صارت تستخدمها الآن مجموعة أكبر وأكثر شبابا وتنوعا مما عرفته البلاد من سابق، يتمتعون بالإخلاص وبروح وطنية وإنسانية ووعي جمعي مدني متقدم، وفكر مستنير. وهم قادرون أن يزيلوا إحتكار الحقيقة وإحتكار المشروعية وإحتكار الوطنية من الأحزاب والقوى السياسية القائمة التقليدية الدموية الفاسدة ومن قادتها الحمقى، الذين بسبب فشلهم الذريع في تجربة الحكم في الشمال والجنوب، قبل الوحدة وبعد الوحدة، نشهد هذه الصراعات والحروب الأهلية الدموية المتوالية. إن الأمل الحقيقي للبلاد للخروج من نكبتها الحالية هو السعي لصعود تلك النخبة الوطنية الشابة المثقفة والمتعلمة والمتمدنة والمتحضرة للمشاركة في التغيير، وبناء يمن ديمقراطي موحد، وتصحيح إرث المبادرة الخليجية، وتجاوز مخرجات مؤتمر الحوار فيما يخص تقسيم اليمن إلى أقاليم زائفة. وإلغاء المحاصصة السياسية. وإزالة إحتكار الحقيقة وإحتكار المشروعية وإحتكار الوطنية من الأحزاب والقوى السياسية اليمنية القائمة بعد أن افسدت السلطة أحكام ضمائرهم وأحكام العقل عند قادتها، وحولتهم إلى مجرمي حرب ومرتكبي جرائم ضد الإنسانية. وإقامة حكومات كفاءات حقيقية مستقرة، لكي تنشأ وتدوم الحياة الديمقراطية، وتحقيق العدالة الإجتماعية، وتعود التنمية وكماليات الحياة، وتأخذ مصالح الناس فوق كل إعتبار. وأن تعود عدن، كما كانت عبر تاريخها المديد، إلى مدينة ميناء ذو إدارة خاصة يتولى أبناؤها الأصليين وحدهم شئونها.