ابنة السيد -كتب / شيماء صالح باسيد أي جرأة ستأتيني!!وأي جريمة أنا الآن على وشك أن أرتكبها بمحادثته في أمر كهذا!!وبأي عيون سأنظر له إن بقيت عيناي سليمتان بعد حديثي معه,كيف سأصرخ في وجهه قائلة:( أنا أريد أن أتزوج من أحب) ولا يهمني تلك العبارات التي يناقشوها صباحاً ومساء أن(ابنة الأصول لا تتزوج إلا ابن الأصل)و(السادة لا يتزوجوا إلا سادة أمثالهم)و(الأفضل أن تجلس البنت في بيت أبيها حتى تموت ولا أن تجلب له العار).
أه أي أصول جئنا منها وأي فروع خلقت لتكون وصمة العار وتفرق هكذا بين بني البشر) أنا في العشرين وهو في أواخرها لكنه لم يكن عابثاً ولم أكن مراهقة..أحببته وأحبني لدرجة أننا أصبحنا روحين في روح واحدة تحلق كل لحظة في فضاء الفكر والأدب والسياسة وترقص على أنغام الكلمات. لم نخضع لشيء ولم يخضع لنا شيء لكن بقدر ما كان البعد يصرخ فينا وبقدر ما أحببنا بقدر ما انغرست في قلوبنا كراهيتهم وكراهية كل من ينادي بشرف السادة وحقارة العبيد. ماذا سيحدث لو اجتمعنا في بيت واحد؟؟ ماذا يهمهم إن فعلنا وما هو ذنبنا لنعيش الألم والمعاناة وقسوة الفراق..فهاهو أبي الصارم(شيخ القرية)السيد ابن السيد الذي لا تهزم له كلمة ولا يستطيع أحد مجادلته ولا يعارض رأيه أي مخلوق كان فهو العادل في حكمه,الحكيم المشهور بحكمته,الرجل الوحيد الذي حين يتنحنح تخشاه النملة التي تدب في الأرض وهو(السيد)الذي تقبل يده كل الشخصيات التي تلج منزلنا لتطلب رضاه,فكيف سأطالبه بما يسمى(حقي) كمخلوق على أرض الله.
ماهذا الإثم الذي يلحق بي والذنب الذي ارتكبه أجدادي والجرم الذي لم أقترفه في حياتي وهل سيرضى إن ركعت أمامه قائلة: "اسمح لي بالعيش في عيني من أحب"بالتأكيد سيقتلني حينها.
وهذه هي أمي(الشريفة) المعروفة بطيبتها وحنانها وحبها للفقراء وجزيل عطائها لهم لكنها تبقى في الأخير امرأة مهزومة وضعيفة أمام سلطة(السي سيد) وهي حائرة لا تدري ما العمل فأحياناً تقف في صفي وأمامهم تلومني وتهددني:"مصيرك الموت إن كسرتي شرف أبوكي" هل تريدوني أن أفسر أكثر مما قالته لي؟؟ ما هو الشرف الذي يخاف الجميع أن أتهور وأكسره؟
هل هو ذلك الوزر الثقيل الذي تحمله كل أنثى في جسدها أم أن شرفي قد ذهب أدراج الريح..لأن حقي في العيش بحرية قد ضاع, ولكن إلى متى سيلتصق شرف العائلة برقبتي؟؟والى متى سأحمل هذا العار؟؟ربما ستمر الأعوام سريعاً وسأذبل أنا كوردة حان أوان قطافها أو التخلص منها ولن يجدي وضع السكر في مائي لأني حينها لن أنمو مرة أخرى!!
هكذا تدور رحى الهزيمة جيل بعد جيل وعصر تلو الأخر فالتاريخ ملوث بآثامهم بكبريائهم وحقدهم الطبقي وبذلنا وانكسارنا نحن النسوة..فلم يبقى لي شيء لأن"ابنة الأصول لاتتزوج إلا ابن الأصل" هكذا علموني وهكذا ربوني لكن سؤال وحيد يغرس نفسه بقوة الخنجر في صدري: ما الفرق بيننا نحن"السادة" وبين أي مخلوق بشري آخر؟؟
ما الفرق بين ابن التسعة أشهر وابن الثمانية أشهر والثلاثين يوماً؟؟ أعرف أنه في قانونهم الفرق شاسع جداً لكن المنطق لا يعترف بذلك وأنا لشدة غبائي أحببته بعنف لأني أؤمن بذلك المنطق الذي يكفر به أهلي.
هكذا دققت النظر في المرأة لأرى وجهي الطفولي عابساً مهزوماً..حاملاً ملامح امرأة في الأربعين, تحسست تحت جفني المتعبين بعض الدموع..لامست بأناملي الضعيفة(تجاعيد القبيلة على وجهي) أسدلت طرحتي السوداء هربت من البيت كأني أشيع جنازتي الأخيرة لكني لم أهرب إليه,. كان همي الوحيد أني قد هربت من قسوة أبي وتبجح إخوتي وأبناء عمومتي..كان همي حينها أني قد هربت من نسوة القرية اللواتي يتهامسن ويقذفني بالخطيئة كل يوم : فهاهي هي ابنة السيد يقال أنها قد كسرت شرفه..وهكذا سأحمل أنا لقب ابنة السيد حتى الأبد..(فابنة الأصول لا تتزوج إلا ابن الأصل) هربت نحو المجهول ولو أنهم أنصتوا ما كان عاراً..