طيلة العقود الثلاثة الماضية إلى يومنا هذا تعاقب على حكمنا زعماء وهميون برزوا فجأة على كاهل الزعماء الحقيقيين الذين تم التآمر عليهم وقتلهم ونفيهم بطرق مختلفة, ليتحول العملاء إلى زعما والزعماء إلى عملاء, والاستعمار من استعمار ظاهر إلى استعمار خفي بأدوات عربية مدعمة بأفكار غربية. لقد حولوا أوطاننا العربية من إمارات ومملكات وسلطنات عربية إسلامية, إلى فروع لولايات غربية أمريكية وصهيونية تحت مسميات مختلفة, لتسقينا من عبق وهم الديمقراطية كل يوم وساعة, والتعددية الحزبية والتداول السلمية في الحكم والسلطة. يا ترى ماذا حقق العرب بعد ثلاثة عقود من الزمن وهم مازالوا يستقون من كأس الوهم الديمقراطي؟ لقد ظلت ولاية النظام الأمريكي في المنطقة هي الولاية الدائمة في الحكم, والمعارضة هي المعارضة الدائمة, وتحولت المقاومة في نظر هولا وأولئك إلى جماعات إرهابية منبوذة بين المجتمعات والشعوب المتخلفة والمستعمرة فكريا وثقافيا وسياسيا, وهي تردد مصطلحات مستهلكة (لا ناقة لها فيها ولا جمل), كمثل(الإرهاب)و(التطرف) التي تطلق على كل من لا يرغب بالمعتقدات الغربية والصهيونية. أتدرون لماذا يستهدف المقاومون من العرب والمسلمين في زمننا هذا ؟ لأنهم لا يؤمنون بخرافة أمريكا وعهرها السياسي كبقية الأحزاب العربية معارضة وحاكمة,- باستثناء تنظيمات الجهاد وحماس وطالبان وحزب الله وإيران العظمى. صحونا بعد غفوة كشباب أعراب في بلدان عربية وإسلامية أن حكامنا قد استبدلوا دينهم بدنياهم وصاروا خدما للنصارى واليهود, وسخروا كل إمكانياتنا وثرواتنا ومقدراتنا لأسيادهم من الغرب واليهود كي يقتلونا بها جوا وبرا وبحرا. لقد وافقوا أمريكا بأننا إرهابيون وتعاملوا معنا كأعداء للحياة والسلام, وبأن أمريكا حاملة راية السلام والحرية, فصدق من صدق زيفهم من ضعفاء النفوس, بمن فيهم بعض ما سمي أحزاب المعارضة في بلداننا العربية, كما وجدناهم في نفس الاعتقاد الخاطئ يصلون ويسبحون كل يوم بحمد أمريكا (الديمخراطية) يتسابقون للعمالة كي ترضى عنهم لتوصلهم إلى سدة حكم ولاياتها في هذه المنطقة أو تلك, كأسلافهم ليكونوا قد فازوا فوزا مؤهلا بطاعتهم العمياء لأمريكا ومن والاها. إلا أن المرحلة القادمة صعبة للغاية تضع أمريكا وحلفاءها, والمصدقين لنظرية الدعاية الأمريكية في موقف صعب وفي مخاض عسير لمواجهة إرادة الجيل الصاعد من الشباب العربي والإسلامي, وهي تحاول كبح إرادة الشباب لإعادة ترتيب أوراقها الممزقة والترويج لأفكارها القديمة الجديدة والمشتتة بأسلوب (سلس) لتعيد إنتاج بضائعها منتهية الصلاحية إلى السطح من جديد وبشكل آخر, بعد أن فات الأوان (وسبق السيف العذل). لم يعد اليوم كالأمس لينطلي على الشاب العربي الثائر المراوغة والخداع لاستغلال الزمن في مضيعة الدعوة للحوار العقيم والتسوية في مشاركة الحكم, مع من لا شرعية لهم في حكم شعوبهم أكثر مما هم مجرد عبيد وخدم لمطبخ العهر السياسي في البيت الأبيض. تفاجأت أمريكا والغرب معها, بصحوة لم تكن على الحسبان لجيوش عربية شابة تنادي بقطع رؤوس الطغاة وإسقاط عروشهم المشبوهة والمتعاقبة على حكمهم منذ عقود من الزمن, إذ بدأت تتحرك المياه الراكدة بعزيمة جيل جديد في حراك سياسي ثوري تحرري جديد لصياغة تاريخ عربي جديد, وإجهاض مولود غير شرعي دخيل على ثقافتهم وعروبتهم وعقائدهم الدينية وتقاليدهم العربية الأصيلة. استطاعت أمريكا وحلفاؤها من اليهود والنصارى أن تمنح من لا دين لهم ولا ملة ولا عقل ولا حكمة, لفرضهم على أمر الواقع لاستعباد شعوبهم من جانب, والهيمنة على سيادة شعوب غير شعوبهم من جانب آخر, إضافة إلى طمس هويات عرقية ودينية وثقافية بعينها, وتغيير خرائط الجغرافيا وتزييف التاريخ وخلط الأوراق, لدعم الهيمنة بمساندة جهة كي تطغى على الأخرى وفرض السيطرة على مقدراتها وانتهاك حقوقها وممارسة أبشع الجرائم ضدها لتثبيت (ديمغرافيا) جديدة تتناقض مع سياق التاريخ الثقافي والاجتماعي المتعدد, ليس إلا لخلق صراعات وتناقضات بين الشعوب, ليتسنى لها استغلال الصراعات المذهبية والاجتماعية لاستمرارها في تنفيذ أجندتها الإرهابية للقضاء على الحرث والنسل والدين الإسلامي كي تكرس ثقافة الانحطاط الأخلاقي الذي يتنافى مع الثقافة العربية والإسلامية. لكن هيهات .. هيهات ستأتي الرياح بما لا تشتهي أمريكا وعملاؤها, ستتوازى القوى في الأيام القادمة, بين إرادة جيل صاعد متعطش للتضحية لصناعة فجر جديد .. لا يؤمن بثقافة الاستسلام، يرفض الشرب من كأس الوهم الأمريكي, ويستعد لمواجهة الإرهاب الدولي , سينازل أعتى امبراطوريات العالم ببأسه الشديد, وهو ما يجعلنا ننسى الماضي ونتحدى الحاضر، ونطمح في المستقبل هو كبرياء وشموخ الشباب, الذين نراهم اليوم قد داسوا على هذا، وتجاوزوا ذاك، فطوبى لكم يا شباب الإسلام في عدن , وتونس, ومصر والجزائر, وفلسطين الصامدة ولبنان الأبية, وإيران المواجهة وكل قوى الممانعة العربية والاسلامية, إنما تقومون به اليوم، قد مثل صحوةً بعد غفوة، بل قفزة أعقبت كبوة، وهذا ليس بغريب في تاريخكم إنما هو جديد من تليد، وحاضر من ماض.