p style="text-align: justify;"span style="font-size: medium;"صلاح الدكاك span style="font-size: medium;" p style="text-align: justify;" مرة أخرى تثبت القوى التقليدية أهليتها التاريخية لإزاحة كل المثخنين بأحلام الحداثة جانباً ، وتشميع كل ثقب يمكن أن تتسرب منه رياح التغيير ، والمضي في إحتكار الحكم لزمن غير معلوم . بإستبعاد أخر موجة شبابية مقاومة وواعية ومتواضعة القدرات ، لايبدو أن جديداً طرأ على مشهد الصراع السياسي في اليمن .. فمكونات (( ترويكا الحكم العتيقة )) لا تزال تتقاسم الأدوار الرئيسية فيه، وتتموضع تحت أكثر من لافتة وتنتشر على نحو يجعل كل القوى الأخرى تابعة لها أو ((لاعبة بالمعيَّة)) لديها ومعبرة عن صراعها الغير تناحري والمحدود الذي يقضي على الأمل الواهي في الحسم لصالح غالبية بشر الخارطة المطحونة. p style="text-align: justify;" ليست القوى التقليدية مؤهلة في ذاتها لإحتكار المشهد ومجابهة إستحقاقات حركة التاريخ .. إن أهليتها - على العكس - تتمحور في كون حركة التاريخ نفسها بطيئة بالقدر الذي لا يطرح أي استحقاقات نوعية أمام قوى الحداثة المسلحة بتطلعات ذاتية يخذلها واقع المنطقة الساكن. لاجديد على أي مستوى. كل هذا الخراب كان متوقعاً وحادثاً قبل أن يحدث على هذا النحو السافر. أثمن ما يمكن أن نظفر به في هذا المنعطف الملتبس هو الوعي بماهية المستقبل الذي نريده ويليق بنا كمدنيين، وسط زوابع وسجالات (قوى الفيد التاريخي) التي نجحت إلى حد بعيد في تجيير حركة الشارع لصالحها، وتطمع في تجيير وعيه بنفسه وإستفراغه داخل قمقم القنانة وتوابيت العفن السلفي.. علينا أن نمتلك الجرأة الكافية للإعتراف بأن الثورة استشهدت بعد بضعة أسابيع من ولادتها ككل الذين أستشهدوا في سبيلها.. وأنها براء من كل المزادات السياسية الي تعقد اليوم باسمها ، وكل الفظاعات التي يرتكبها اللصوص والمرابون تحت رفرفة قميصها الأحمر المنسوج من أشرف الأشلاء. p style="text-align: justify;" أغتيلت ثورة الشباب كما اغتيلت كل الثورات اليمنية واختزلت في قطعة قماش بثلاثة ألوان يفصلها المسوخ والإنتهازيون محارم للبصاق وملابس داخلية تواري سوآتهم ويرفعون لها التحية في أعياد النصر والجلاء. نصف قرن ونحن ننشد لخرافة لا وجود لها، اسمها الثورة والجمهورية والوحدة ؛ ونهز بجذع نخلة خاوية تتطرح ثمارها في خزائن القارونات ولا نصيب لنا منها سوى أغاني أيوب ؛ تخثرت في حناجر العطاشى والحالمين. p style="text-align: justify;" إن الإقرار الجريء بوفاة الثورة هو ثورة ضد كل الطفيليات وديدان الوحول التي تلتهم وتعتاش وتتكسب وتقتل وتسطو باسم الثورة ، في غياب كامل لإطار شبابي ثوري نقي ومتماسك يمتلك الرؤية والقدرة على الحسم ولا يؤجر ملامحه لتجار الدم والحروب والخردة.. إن المرتزقة بإسم الدفاع عن الشرعية الثورية هم الوجه الآخر للمرتزقة بإسم الدفاع عن الشرعية الدستورية ، كلاهما يخوض معاركه الخاصة بالتمترس خلف لافتات عامة ، وكلاهما يلغي الشعب ويتربع على أنقاضه ويدهس أحلامه في الإنعتاق ، وكلاهما يتضافر - مهما تنافرا - ليمنح السلطة ((باصرة الكَسْب في كوتشينة العمل السياسي)) المعادي للثورة التي كادت تنسف كل قواعد اللعب التوافقي وتطيح بجميع اللاعبين في سلطة إقطاعيات متعددة الرؤوس. p style="text-align: justify;" إن تعز المتمدنة التي أنجبت الثورة في 11 فبراير تخضع اليوم لعملية إستئصال رحم ساخرة حتى لا تكون قادرة على إنجاب ثورة لاحقة ، وحتى يسهل على سرطان العصبيات الجهوية إفتراسها ، وحتى تتجانس مع سلطة العقم القبلي. حركت هذه المدينة على مدى عقود ، أشواق الميالين إلى الحداثة والتمدن في محافظات الشمال وكانت حاضنة حميمة للفارين من وحل العصبيات وأطواق القنانة وحظائر القطيع القبلي اللاغية لآدميتهم ، فجابهتها سلطة القبيلة الحاكمة باستدعاء مساحة اليباس الضئيلة في تعز ، وتضخيم المجهريات الجهوية البائدة عبر تسليحها وضخ المزايا لها ، لتتغول على حساب مساحات الإخضرار في المدينة. p style="text-align: justify;" كان التحدي الجوهري أمام تعز أن تنجح في تمدين سلطة الحكم وكان التحدي أمام السلطة أن تعمل على جعل تعز(( تتقبيل )) ،لأن هذا فقط هو ما يمنحها شرعية القرفصة التاريخية على سدة الحكم. كانت تعز تشد البلد نحو القرن الحادي والعشرين وكانت سلطة التوابيت تشد تعز نحو ((داحس والغبراء)) ؛ وتقطع بشفرات الجنابي ضفائر أحلام المدينة كلما تمادت في الطول. p style="text-align: justify;" لا تستطيع تعز أن تعيش وتتألق وتبدع وتكون قوية إلا في كنف دولة مدنية تحتكر العنف وتنظمه بموجب عقد اجتماعي تصوغه البنى المتمدنة بقواها العاملة .. في المقابل فإن السلطة التقليدية المؤلفة من تحالف القبائل المسلحة ورجال الدين ، لا تستطيع أن تعيش و أن تحكم إلا بتغييب الدولة المدنية وسحق القوى المناضلة في سبيل بنائها .. ذلك هو البرزخ الوجودي الفيصل في علاقة السلطة بالمدينة . البرزخ الذي أبقى على الحدود بينهما ملتهبة دائماً ؛ لا تخمد إلا لتشتعل منذ سبتمبر 62م – وحتى اللحظة .. كما جعل من إحتمال التعايش بين النموذجين ((نموذج قبلي حاكم ونموذج مدني محكوم )) مستحيلاً إستحالة تعايش الولادة والموت. p style="text-align: justify;" إن هذا لا يعني أبداً أن تعز حالة فرادة مغلقة على ذاتها ؛ في قطيعة مع سياقها التاريخي والمادي ؛ بل العكس تماماً .. إنها متميزة لأنها حظيت بحزمة ظروف جغرافية اقتصادية واجتماعية ، طوعت بنيتها وجعلتها متسامحة مع الوافد مفتوحة على الآخر الراغب في أن يصبح جزءاً من نسيجها العام. على النقيض من معظم محافظات الشمال التي – علاوة على عزلتها الجغرافية – جهدت سلطات الحكم في الحفاظ على ظروف تخلفها وسيَّجتها أمام التحولات وأعاقت - دائماً - كل الفرص المواتية لدمجها. p style="text-align: justify;" لقد مثلت الأسابيع الأولى من عمر ثورة الشباب اللحظة الأنقى والأكثر عفوية لعناق الطلائع الهاربة من معتقلات الإستلاب والوصاية ومصادرة الأحلام تحت كل ذريعة .. هربت الطلائع الشبابية من ذل وهوان الحياة في إقطاعية سليمان القبيلة والدين والحزب ، وقررت أن الحياة اللائقة هي في مكان آخر..في علاقات من نوع مختلف لا تتوكأ على نفوذ الشيخ وكهنوت المفتي وعدمية الأمين العام .. بل يتوكأ فيها الفرد على ذاته الآخذة بشروط العصر .. لهذا كانت كل طرق الهرب تؤدي إلى الدولة المدنية .. ولهذا كانت تعز المتمدنة بوصلة الإبحار بالنسبة لشباب شمال الشمال ، وقطار البند في الزحف (( والمايسترو )) الأقدر على ضبط إيقاع حركة التواقين للخلاص. p style="text-align: justify;" إن سد منافذ الإتصال مع هذا المستوى المتمدن والمشرق في تعز ، أمام إنسان البنى القبلية المغلقة والمعزولة في محافظات الشمال ، كما وأمام البنى المدنية المفتوحة والباحثة عن حليف عصري يدعم نضالها في سبيل فتح أفق تعايش يقوم على مشترك إنساني ويؤمن بالتنوع في محافظات الجنوب .. أقول إن سد منافذ الإتصال على هذا المستوى المشرق ، كان ولا يزال الهدف الرئيس للتحالف العسكرقبلي الحاكم المفتقر لشرعية الإستمرار التاريخي في الحكم كبنية ماضوية متخلفة ، مالم تخرس (( الكمنجات )) العازفة للحداثة ، ويتشظى العازفون إلى مجاميع من المرتزقة تقاتل بالوكالة عن أجنحة مركز الحكم ؛ بحيث تؤدي كل الطرق التي يسلكها الحالمون بالتغيير ، إلى خناق السلطة ذاتها. p style="text-align: justify;" لقد تمزقت القفازات الناعمة التي واربت قبضات الحكم البشعة طويلاً ؛ لنكتشف أن المؤتمر لم يكن يحكم ، تماماً كما أن أحزاب المشترك لم تكن تعارض بل كانا مجرد واجهتين براقتين لسلطة قوى الظل المتمثلة بجلاء اليوم – في عائلتين تقتسمان البلد جيشاً وسوقاً وحكومة وأحزاباً ، وتؤلفان شريحة من الوكلاء (( الكمبرادور )) المسنودين بقوة حاجة النظام العالمي الوحيد القطب ، إلى مستعمرات استهلاكية آمنة تحكمها القطط السمان ولاتعكر رغبات النهوض صفو استرخائها تحت خط العالة والعوز المستدام! p style="text-align: justify;"