كتب / شيماء صالح باسيد دون أدنى شك يعد(القمندان)-أحمد فضل بن علي العبدلي- المطور الأول للفن والأغنية اللحجية لابل وخالق إيقاعاتها وكرمة ألحانها فهو لم يكن شاعراً فحسب وإنما ملحناً وعازفاً ومغنياً وفي الأخيرة قد شكك الكثيرون لاعتقادهم بأن الغناء منافياً لمكانته كأمير ويعد اهانة للسلطنة بينما يؤكد البعض غناء القمندان ودندنته للكثير من الأغاني أمام فرقته وفي خلوته أيضاً. القمندان أو(القمندار) وما يقابلها بالانجليزية كلمة(commander)والتي تعني القائد أو الضابط فقد التصق هذا اللقب بهذا الرجل ولم يعد يعرف إلا به رغم أنه قد أمضى حياته دون أن يلتفت إلى قوة السلطة وجبروتها لابل قد أفنى حياته ساعياً لتطوير الفن والطرب والرقص و(البستنة) أيضاً فبفضله أصبح بستان الحسيني ملجأ للجمال والطرب والخضرة.
وشخصية القمندان-المتسمة بالنشاط الإنساني الدائم- تشبه إلى حد ما شخصية الوريث الشرعي للإمبراطورية البريطانية شقيق(جورج السادس) الذي طلب منه أن يختار بين أن يكون ملكاً لبريطانيا وفي هذه الحالة عليه ألا يتزوج من حبيبته التي لم تكن من فصيلة الأمراء.لكنه كان كفناننا(قمنداري) المزاج ففضل الزواج من حبيبته وترك العرش للملكة (اليزبيث).
والقمندان فعلياً لم يطلب منه أن يكن ملكاً لكنه كان أميراً لايمارس(الأميرة) من الناحية السياسية والاجتماعية لابل فضل إمارة من نوع آخر وهي إمارة الطرب والفن وهي التي ظلت باقية بعد وفاته وسيخلدها له التاريخ الفني على مر السنين. ولو أردت أن أتكلم عن فن القمندان فلن تسعني الأوراق ولن أجد الكلمات الوافية لهذا المبدع لكني أهدف هنا أن يعرف الجميع أن لحج بقمندانها وبشعرائها وملحنيها قد أعطت الكثير وساهمت في تطوير الحركة الفنية والأدبية في اليمن ولكن اليوم تظل الصورة الإعلامية لتلك الرموز معدومة ولا أدري ماذا يصنع المسؤلون في القطاع الثقافي في المحافظة؟؟فيكبر الشباب وهم مفتقدين روح الانتماء والفخر لأنهم لايعرفوا عظماء الفن والأدب في لحج ويبقى التساؤل..إن كان (القمندان)معايشاً اليوم لأوضاع الفن والفنانين في لحج فكيف ستبدو لنا الصورة؟؟
والمعروف عن هذا الرجل أنه لم يظلم معاصريه من الشعراء والفنانين ولم يغار أبداً من نجاحهم لابل قد كانت له اليد الطولى في ذلك النجاح ومثال على ذلك الفنان(فضل محمد اللحجي) الذي كان تلميذ القمندان الذي تمرد فيما بعد على مدرسته وشق له طريقه الخاص في عالم الموسيقى.القمندان لم يستغل مركزه الاجتماعي في هضم حقوق الفنانين الذين عاصروه لابل دعمهم ومن المعروف عنه أنه عالج الفنان(فضل اللحجي) من مرض(التراخوما) الذي هدد بصره.
أما اليوم وللأسف الشديد يموت فنانو لحج بعد معاناة طويلة مع المرض دون أن يسأل بهم أحد كأمثال:(حسن عطا)و(حمود نعمان) و(مسرور مبروك) وآخرهم القدير(فيصل علوي).لو كان القمندان حياً لكان الشباب المبدع في لحج قد وجد الفرصة لصقل موهبته و وجد من يدعمه مادياً ومعنوياً للظهور والتألق لا ما يكابده اليوم الشباب المبدع من التحبيط والتهكم والسخرية من الفنانين المعروفين الذين تناسوا أنهم كانوا بالأمس القريب مغمورين.
لحج زاخرة بالإبداع فهي منذ القدم تعد الأرض الخصبة للفن والفنانين لكنها بحاجة اليوم إلى (قمندان جديد) يعيد البهجة للحركة الأدبية والفنية. نحن في حاجة ملحة لأن يتخلى المسؤلين في المحافظةعن سياسة التهميش المتعمد لإبداع الشباب فمتى سينظر المسؤلين في الإعلام والثقافة واتحاد الأدباء والكتاب إلى هؤلاء الشباب ليحتضنوهم بكل عطف وحنان مثلما فعل القمندان في ذلك الزمن الجميل.