مساء يوم الاحد الموافق 18 من مارس الساعة الحادية عشر لقد مر ذلك المساء مٌرّ في فمي ،وتدحرجت الذكرى بين زوايا العتمة وخواطر البوح وتباريح السفر....فلا الدمع والنوح يكفكف الآم الرحيل ،ولا الوجع الضارب في اعماق النفس يخفف لوعة الفقد والرحيل ولا التوقف عند محطات الحياه يجلب شيئا من البلوى. ما اقسى الكلمات حين تخرج من الروح....وما أقسى المعاني التي تعذب الروح وتترك لها أثرآ ورسماً في وجه التاريخ....لاتغفل عنها الايام والسنين ولا تمحيها الذكريات. تمر وتقف امامي لحظات اللقاء...واماني الفرخ والحلم ...ثم تمر وتقف امامي الفراق واللوعة والوداع والرحيل...آه آه ما أقسى الرحيل وما اصعب ثوانيه ولحظاته المريرة. لاحول ولاقوة الا بالله وانا لله وانا اليه راجعون....لقد رحل ذلك الرجل المحبوب ..لقد غادرنا بعد ان تعودنا عليه وبعد أن كان يعتبر نكهة المنطقة وحلاوتها.....رحل بعد ان ازهقته السنون وحملته الايام بالغناء والتعب...لقد رحل الشخصية الاجتماعية احمد وعرو بعد ان غزته الامراض وقهرته الظروف والمعاناة ،لكنه ظل شامخآ كالجبل الاشم شامخآ في وجه الرياح كالبطل الشجاع حينما يكون يأبى أن يموت الا واقفآ وسيفه في يمينه. هكذا رحل الوالد احمد وعرو عن الدنيا وبعينيه الف ابتسامه وبصوته الف لحن السعادة والفرح......لقد كان متسامحآ متصالحآ مع نفسه واهلها ومع الجميع .....لقد رحل بصمت مثلما عاش بصمت. حقا أن للموت جلال ايها الراحلون، ولنا من بعدكم انتظار في محطات قد تطول وقد تقصر ،وقد ترهق وقد تصفو،وقد تضحك وقد تبكي....حتى يقدم بلا هيبه او تردد، يختار واحد اثر آخر..."لا يستأخرون ساعة ولايستقدمون". لقد مر ذلك المساء في فمي ،وكل ماحولي يوحي بالذبول ،حتى الكلمات تتحشرج فاستعيدها من قاع التردد لتبقى على خيط الحياه المدود. للموت جلال ايها الراحلون، كما له مراره وألم وشعور بالغ بالفقد، نحن وحدنا من تمتد به الحياه نبكيك ونذرف الدموع في وداعم ونشيعك لمثواك الاخير ،ونحن لانكاد نصدق بأننا لن نراك بعد اليوم. أبا ناظم فبرحيلك لقد تكسرت ظهور ابنا منطقتك وخيم الحزن والالم في جبالها ووديانها وسهولها. لاشك اننا في الحقيقة لانبكيك لانك رحلت ،بل نبكي أنفسنا لانك تركتها لوحدنا....وان كل الآمنا ودموعنا وفرقنا وقلقنا لاننا لن نراك بعد اليوم في دنيانا. أبا علي ما اصعب فراقك حقآ لقد بكتك القلوب قبل العيون....ما اقسى لحظات فراقك عنا وما اصعبها ...فبفراقك تركت لنا فراغآ لايقدر احد أن يمليه . أبا ناظم لقد بكاك الصغير قبل الكبير ....تبكيك النساء والرجال ...يبكيك الارامل والأيتام بعد ان عودتهم باستلام معاشاتهم وتوصيلها بكل امانه واخلاص...سيبكيك مشروع مياه الرويس يامن أعدت له رونقه وتحمل مسئوليته بكل ثقه واخلاص ونزاهة. بما ارثيك يا رجل الخير والعطاء....بماذا ارثيك يا بشوش الصورة ووجه الرضاء. الله كم هو موجع ومؤلم ومحزن رحيلك ..لكن لانقول الا مايرضي الله...نسال الله جل في علاه أن يتجاوز عنه ويغفر له وان يجعل قبره روضه من رياض الجنة.