تحقيق : رشيدي محمود أسماك الساردين او كما يطلق عليه الصيادون المحليون والعديد من عامة الناس في عدن اسم (العيد او العيدة)، وهي من الأسماك التي لها عمر افتراضي، أي أنها تعيش فترة زمنية محددة ثمَ تموت وتنفق عند وصولها لتلك المرحلة او الفترة العمرية، ويكون وقت موتها ونفوقها خلال دخول فصل الصيف والذي تشهد فيه مياه خليج عدن ارتفاع في درجات الحرارة...
لكن ما الذي يحدث لأسماك الساردين قبل فترة موتها ونفوقها بشهر؟
وهل ارتفاع درجات حرارة مياه بحر خليج عدن هي السبب في نفوقها فقط أم أن هناك أسباب أخرى؟..
لكن قبل أن نُجيب على كل هذه الأسئلة دعونا اولاً نتعرف على سمك الساردين، ثمَ بعد ذلك نغوص في الأعماق أكثر وأكثر لنتعرف على دورة حياتها وموتها ونفوقها الطبيعي بالإضافة إلى أمور أخرى، فإلى تفاصيل هذا التقرير الخاص لصحيفة عدن الغد والذي يتحدث عن أسماك الساردين. *من أين جاءت التسمية?
- أطلق اسم سردين على هذا النوع من الأسماك لأن اصطياده تم لأول مرة بالقرب من جزيرة سردينيا غربي البحر الأبيض المتوسط، ومن هنا جاءت التسمية لهذه النوع من الأسماك، و يطلق عليها محلين باسم العيد او العيدة، ولم نجد معنى او تفسير لأسمها المحلي هذا.
*في اي محيطات وبحار دول العالم يتواجد سمك الساردين؟
- ينتشر السردين على سواحل المحيطات والبحار كافة بين خط العرض 70شمالاً وخط العرض 60جنوباً، ففي المحيط الهادئ بين جنوب غربي ألاسكا مروراً بخليج كاليفورنيا وإلى سواحل بيرو وتشيلي، وفي المحيط الهندي بين خليج عدن وسواحل إفريقيا الشرقية إلى إندونيسيا و خليج تايلند والفيليبين شرقاً، وتايوان شمالاً، وغينيا الجديدة وشمالي أستراليا وغربيها جنوباً، وكما تنتشر في المحيط الأطلسي و بحر الشمال والبلطيق والمتوسط والأسود والأحمر.
وكذلك تعيش أسماك السردين الكبيرة بالقرب من سطح الماء، وعادةً ما تسبح في مجموعات كبيرة، وتظهر على السطح في اللّيل لتتغذى بالأحياء المائية الطافية المسماة العوالق. *وصف سمك الساردين
- أسماك السردين صغيرة الحجم، مغزلية الشكل، تتراوح أطوالها بين 7و55سنتيمتراً، لونها فضي تشوبه زرقة مخضرة في منطقة الظهر وبقع سوداء على منشأ الزعانف وأطرافها، اما زعانفها فهي ناعمة غير شوكية، وزعنفتها الذيلية مشقوقة بعمق، ولا وجود للخط الجانبي. حراشفها دائرية متوسطة الحجم، وبعضها كبير مُتقرن منطقة الحوض أو على طول البطن، وعيناها كبيرتان نسبياً وفمها أمامي وأسنانها الحنكية غير متمايزة أو غائبة.
والسردين هو سمك زيتي، سهل الهضم مرتفع القيمة الغذائية وغني بالأحماض الدهنية غير المشبعة إلى حد كبير من زمرة (Omega)، والتي تُعد أحماضاً دهنية أساسية تُسهم في تشكيل أغشية الخلايا العصبية وتحافظ على مرونتها وثباتها، وتدخل في بناء الوسائط الناقلة للمعلومات بين الدماغ والخلايا العصبية، ولعل تناول السردين مع هيكله العظمي يُعزز قيمته الغذائية برفع محتواه من عنصري الكالسيوم والفوسفور مقارنة بلحم الأسماك الأخرى. *متى يكون الوقت المناسب الذي تفضل فيه أسماك الساردين وضع بيضها؟
- تضع أسماك السردين البيض في فصل الربيع بكميات كبيرة وتكون طافية على سطح الماء، وتأتي حيوانات المحيط المفترسة على معظم البيض ويبقى القليل منه نسبيًا، وفي الغالب تنساق صغار السردين مع التيار إلى داخل مرابي الأسماك القريبة من الساحل، وتتم معظم رحلات صيد سمك السردين في اليالي المظلمة، إذ يصل عدد سمك السردين في أسرابه إلى عدة ملايين أحياناً.
وتُفرخ أسماك السردين عموماً في الليل في درجة حرارة لمياه البحر 1619 م، وقد يستمر التفريخ في بعض الأحوال طوال العام تقريبا.، وتُطلق الأنثى الكبيرة نحو مئتي ألف بيضة في الموسم، ويفقص البيض العائم بعد ثلاثة أيام عن يرقات تهيم على سطح الماء، ثم تحتشد في أفواج قرب الشاطئ، وتبلغ أسماك السردين جنسياً وهي بطول 1624سم، ويكون بعضها في عامه الأول، وغالبيتها في عامه الثاني، وهي تُبدي تبايناً واسعاً في معدل النمو الذي يتزايد بالاتجاه شمالاً، وتبلغ عادة 21.5سم في أربع سنوات، و23.5 سم في خمس سنوات، ويمكن لأسماك السردين أن تعيش 1325سنة، غير أن غالبيتها لا يكاد تكمل السنوات الثمان. *ماهي النسبة المأوية لاصطياد وإنتاج سمك الساردين في الدول العربية، ومن هي أكثر الدول اصطياداً وإنتاجاً لأسماك الساردين؟ بلغت صيديات السردين في الدول العربية /968/ألف طن، ما يعادل نحو 48% من حصيلة الصيد السمكي في المنطقة العربية، ونحو 4.7% من إجمالي الصيد العالمي للسردين والرنكة والأنشوجة. ويعد المغرب المنتج الرئيس للسردين في الوطن العربي، ويقدر إنتاجه بنحو 79.2%، تليه الجزائر 6.8%، فتونس 2.8%، ومصر 2.5%، واليمن 1.2%.
*لكن ماذا عن أسماك الساردين في مياه خليج عدن؟... وماهي الأسباب التي تؤدي إلى موتها ونوفقها طبيعياً بجانب أرتفاع درجات حرارة مياه خليج عدن؟...
- على الرغم من تأثر أسماك الساردين بدرجات حرارة البحر في مياه خليج عدن، حيث يحصل لها الموت والنفوق الطبيعي، إلا أن هناك عوامل مؤثرة أخرى كان لها الأثر السلبي على عدم تحمل أسماك الساردين لتغيير المفاجئ في حرارة مياه البحر، الأمر الذي أدى إلى موتها ونفوقها، وفي ختام هذه التقرير نستعرض جملة من النقاط التي نوضح من خلالها أسباب الموت والنفوق لأسماك الساردين بجانب ارتفاع درجات حرارة المياه في خليج عدن:
أولا :تقطع أسماك الساردين مئات الآلاف من الأميال البحرية، وتبدأ تلك الرحلة من الشرق وتحديداً من مياه بحر المحيط الهندي وصولاً إلى مياه بحر خليج عدن.
ثانياً :خلال تلك الرحلة تفقد أسماك الساردين الكثير من وزنها لدرجة أنك تلاحظ وقد صار رأسها أكبر من جسدها عندما تموت، ففي حال لأحظ أحدكم سمكة الساردين ميتة على الساحل ووجد بأن لم يمر على موتها سوى بضع دقائق وحين نظرت إلى جسدها تبين لك بأن رأسها أكبر من جسدها، أي أن الجسد صار نحيل فأعلم بأنها قد ماتت طبيعياً بحسب المدة الزمنية المحددة لحياتها. ثالثاً :يحدث فقدان الوزن عند أسماك الساردين بسبب فرزها لكميات كبيرة من الزيوت التي تتواجد في جسمها خلال تلك الرحلة.
رابعاً :تُعتبر إناث الساردين الأكثر عرضة لنفوق والموت ويعود السبب في ذلك إلى حملها للبيض فهي تقوم بتلك الرحلة الطويلة قاصدةً خلالها وضع البيض في مياه خليج عدن وتحديداً في المواقع التي لا تشهد تيارات بحرية قوية، وتلك المواقع غالباً ما تكون في مثل هذه الشهر من السنة في القرب من السواحل...فشدت التيارات في المحيط الهندي والأعماق الكبيرة التي فيه بالإضافة إلى الاضطرابات المناخية التي يشهدها المحيط الهندي على مدار السنةجلها عوامل لا تساعد أسماك الساردين على وضع بيضها لذلك فهيا تقوم بتلك الرحلة الطويلة قاصدة بها مياه خليج عدن، ففي مياه خليج عدن تكون البيئة البحرية ملائمة لحفظ وبقاء بيض أسماك الساردين حتى تفقص. خامساً :ما إن تصل أسماك الساردين إلى وجهتها المحددة التي تضع فيها بيضها حتى تبدأ مرحلتها ما قبل الأخيرة، حيث تقوم أسماك الساردين، والتي تكون في حالة الوضع للبيض بتخفيف من سرعتها الواحدة تلو الأخرى بينما يستمر السرب من الذكور والإناث الأقل عمراً بسير بشكل أسرع ويقدر عدد الإناث التي تقوم بوضع بيضها بمئات الآلاف.
سادساً :ما إن تنتهي أسماك الساردين من وضعها للبيض، حتى تبدأ بحركتها الأخيرة وهي الصعود إلى سطح البحر ثمَ النزول إلى القاع تصعد لسطح وتنزل للقاع في شكل حلزوني، وتستمر بحركتها هذه حتى تموت، وبإمكان أي شخص رويتها وهي في تلك الحالة، وهذا في حال كانت المياه صافية والرؤية واضحة من سطح البحر إلى القاع، فعندما تموت فأنك تشاهد قاع البحر وقد أمتلئ بها، وكان القاع قد صار مقبرة جماعية لها ، حيث يكون عمق البحر حينها إما متر ونصف المتر او المترين، ولهذا يمكن أن تشاهدها بكل وضوح، ثمَ بعد ذلك تتقاذفها التيارات إلى الشاطئ وهنا تكون طيور النورس في انتظارها.
الجدير ذكره هو أن أسماك الساردين او العيد كما يطلق عليها محلين، يتم اصطيادها إما عبر طريقة الحوي والتي يستخدم فيها شبكة صيد خاصة والتي تحتوي على فتحات عيون صغيرة جداً جداً يطلق عليها الصيادين أسم (الجاروفة)، وهناك طريقة أخرى لاصطيادها وهي عبر شخص واحد، وتكون من خلال عملية (القذف) إذ يقوم الصياد بحمل الشبكة على كتفة وهو ممسك بها بيديه ثمَ يلقيها بشكل دائري وتهبط على سرب الساردين وكأنها مظلة، وكلما كانت أسماك الساردين متواجدة بالقرب من الساحل، كلما كانت طريقة (القذف) هذه مضمونة في اصطيادها، ليتم بعد ذلك استخدام أسماك الساردين من قبل الصيادين المحليين في خليج عدن كطعم فيصطاد به الصيادين العديد من الأسماك السطحية والمهاجرة مثل أسماك( الثمد والزينوب) وهي من فصيلة أسماك التونة، وكذلك أسماك اخرى مختلفة من أهمها سمكة( الفرس) وهي السمكة المعروفة بسمكة الشراع، حيث يفضل الصيادين أن تكون أسماك الساردين على قيد الحياة عندما يتم استخدامها لاصطياد تلك الأنواع من الأسماك والتي تكون عبر طريقة الصيد ( بالسنارة والجلب).
