عبدالقوي الشامي بعد هذا السقوط المدوي والدموي لمشروع الوفاق في عاصمة الجنوب عدن وفي حاضرته الثانية المكلا, يتأكد بأن كل ما سمعناه مؤخرً من احاديث ايجابية عن القضية الجنوبية لم تكن سوى مقدمة لسفاهة دموية لا تختلف اطلاقاً عن تلك المتواصلة منذ العام 1994م, كما وتعكس نوايا الرفض الأعمى لمبدأ الإنصاف للجنوبيين, فالحكم ضالة هؤلاء القوم السابقون واللاحقون, هؤلاء المتخندقون وراء مشروعاتهم الأسرية القبلية الضيقة, والحزبية الجهوية التي لا تستطيع التوحد إلا مع ذاتها, ولا تسلّم بالشراكة الا مكوناتها, فقد كنا وما زلنا ازاء عقليات لا تستطيع سوى انتاج الدم وغير مؤهلة سوى لأفعال القتل والدمار.
وعلى العكس من هذه السفاهة الدموية والأخلاقية ما زال الجنوبيون يتحركون بسلميتهم المعهودة, وان تم افتعال انفجار هنا او قتل هناك, لتبرير جرائمهم في الجنوب, فأن كل اناء بما فيه ينضح .. فاذا تجاوز المرء موضوع الجهوية في الحراك الجنوبي السلمي الذي سبق ثورة ساحات التغيير بأربعة أعوام فسيجد ان هذا الحراك الشعبي الثوري, سلمي الطابع لا يحمل ضغينة ضد أحد ولا دوافع دموية انتقامية بإتجاه الشمال ولا اي رغبة في الانتقاص من حقوق الشمالي السياسية والاجتماعية أو المذهبية.
فالجنوبي ومنذ العام 1994م يتحرك بطريقه سلمية وقانوية ضد الشمالي الذي اراد دهسه تحت جنازير دبابته, يتحرك بطريقة شرعية ضد العسكري الشمالي الذي دخل الجنوب على ظهر دبابة وهو معدماً وخرج منه متخماً, يتحرك في ضوء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ضد الشمالي الذي بصق في وجه كل جنوبي وطعن بهويته, مدعياً بأنه مجرد هندي, صومالي أو حبشي يتحرك وفق القانون والشرع ضد الشمالي الذي لا يتردد عن قتل الجنوبي في بيته, في مقر عمله, في الزنزانة, في المعسكر وفي الشارع في ساحة العروض, يتحرك ضد الشمالي الذي سلبه وظيفته وسكنه واجبره على هجرة وطنه ووطن اجداد اجداده, والقائمة تطول فالقلوب قد بلغت الحناجر ايها القتلة.
وحتى لا نقع فيما ما وقع به أعداء الجنوب, فان صفة الشمالي هنا تخص ولا تعم, فما يعانيه الجنوب منذ احتلاله بقوة السلاح, يكفي مبرراً لدق طبول الحرب, وليس لممارسة حراك شعبي سلمي, ولكن وبالرغم من دموية المحتل الغاصب, فالجنوبيون محافظين على سلمية تحركهم, ولا تسيرهم دوافع الثأر, ولا شهوة الإنتقام, فقد تساموا على كل جراحاتهم النازفة وجنحو للسلم, جنحوا لرفض كل ما يرتكب بحقهم من ظلم وعدوان بالكلمة, بالشعار والمهرجان !!
ليس لي كجنوبي خلاف مع عبده سلام ولا مع عبده ناجي ولا حتى مع عبده الجندي, فاختلافي مع كل من يقف وراء هذا التجريف المادي والمعنوي للجنوب, اختلافي سيضل مع كل من يواجه سلمية مطالبي بالعنف, مع كل من يحاورني بالمدفع والرشاش, اختلافي مع من يريد ان يغتال ارادة التسامح والتصالح في نفسي مع نفسي ومع الآخر, تلك الأرادة التي ما انفككت انشدها منذ أعوام ستة, خلافي سيضل مع من استقدم ادوات القتل التي تسير على رجلين بدلاً من أربع, في ساحات خورمكسر والمنصورة في زنجبار والحصن وباتيس وفي شبوة, في المكلا وسيئون والحوطة في الضالع ومكيراس وفي سقطرى الجزيرة, في كل قرى ومدن الجنوب التي لم تألف الغدر المبيّت أو المعتق من حقب الطغاة, ولم تألف القنص على مواطن اعزل, سيتواصل خلافي مع من يقف وراء ثقافة الدم التي فشلت بالتخفي بالوحدة وتتخفى اليوم بالوفاق, سيضل خلافي معلنآً إلى ان استعيد حقي من بين انياب هؤلاء القتلة .. فالرحمة لشهداء التصالح والتسامح ولكل شهداء الجنوب.