تبقى القوة هي الحقيقة الوحيدة المعترف بها في كل الأزمان, حتى الحرية ذاتها ماذا ستعني لو لم يمتلك الإنسان القوة الكافية ليقول"لا" عندما يستلزمه الأمر. ليس ليقول"لا" وحسب بل ليستميت من أجل الحفاظ على وقع هذه الكلمة وصداها. ما أعنيه هنا قوة الروح والثبات على المبدأ ولا أعني قوة الجسد وإلا لكان العبيد في الحقول والمزارع الأمريكية ولكان "عبيد الحضارة الفرعونية" - بانوا الأهرامات – في قمة الهرم الاجتماعي. قوة الروح كفيلة بصنع أوطان لا تذوب رغم أشعة الشمس الحارقة ولا تنطفىء رغم اشتداد هبوب الرياح.
لم تفلح الثورات في القرن الماضي في إيقاظ الشعوب العربية من سباتها بل تركتها تغط في نومها العميق لا بل قفزت فوق سباتها فأصبحت تلك الأنظمة أشد ضراوة من الاستعمار نفسه,رغم أن الشعوب إن حاولت من حين لأخر الاستيقاظ من نومها سرعان ما باشرتها أنظمة القمع بهراوات العسكر. أشرقت شعوبنا العربية نحو ربيع زاهر وهاهي مصر"أم الدنيا" وبعد عام من ثورتها تقارع النوم نحو صحو مستمر.
ربيع عربي يراوده عن نفسه الخريف ما لم تأبى أزهاره إلا أن تتفتح للأبد دون ذبول.على الشعوب أن تتحلى بتلك القوة الكافية لتفرض على الواقع مفاهيم الحرية المطلوبة وإذا اتفقنا جميعا أن قوة الروح هي أجمل وأنبل وأقدس ما يحمله الإنسان في عقيدته سيبقى أيضاً"الذل" هو أبشع الوجوه لا بل أشدها قبحاً ,الذل أثقل وطأة وأقسى ناباً من الفقر والمرض والموت. قد ثارت الشعوب ولا تكفى ثوراتها وحسب بل الأهم أن تستمر جذوة الثورات متقدة حتى لا تغط في سبات جديد وحتى لا تقفز الأنظمة الجديدة فوق سبات شعوبها.
بصراحة في خضم كل هذا أشعر بأني أشتي حصانة ضد الألم والصدمة من كل هذا السخف السياسي المحيط. أشتي حصانة تمنحني أعواماً كافية من قوة الروح والثبات على طريق الحياة حين أرى أناس حولي يتهاون تباعاً بتجردهم من إنسانيتهم ويهوون نحو قاع الموت. يقف المواطن اليوم"بدون حصانة" مترنحاً بين إرادة الحياة عنده وبين شهوة السلطة عند ساسته في حين يهرب علي"متحصناً" مخلفاً تركة سيقتسموها وسيبقى ذات المواطن الغير متحصن مترنحا مذهولا. أشتي حصانة فرأسي الصغير يغرق بتساؤلات تحيرني لتقودني نحو قناعة تامة أؤمن بها إيمان عميق لا يخالطه شك ولا ريب بأن حريات الشعوب لا تعطى على جرعات وبأن النصر المتخاذل الذي يركب نحو السلطة سلماً مغموساً بدماء الشهداء يبذر في رحم الوطن أبشع صور الهزيمة.
لا أنكر أن يموت الإنسان في سبيل حريته وكرامته ومبادئه بل هذا هو ما أؤمن به وبشده بل أنكر وجود أؤلئك الأشخاص الذين يقتلون الإنسان ويسقطون قيمته أن أمتلك"قوة الروح" الكافية للدفاع عن حريته وإرادته للحياة فقوة الروح تلك تخيفهم كثيرا. حين ألهمتني ثورات الشعوب وحين أدهشتني ثورة الشباب اليمني قسمت ظهري السياسة وحين طار(علي صالح) مرتحلا هاهو المشهد من بعده يحمل التحدي الأكبر لقوة الشعب في فرض أجندة الحرية التي أختارها منذ البداية حين قرر بأن "الشعب يريد إسقاط النظام".
ولا زلت حالمة بأن يسقط في يوم ما هذا النظام. على الشعب أن يطالب"بحصانة" تكفل له أن يقول"لا" أمام هراوات النظام الممتدة ,حصانة تقيه من ضربات الساسة ورياح المكر والخديعة . حصانة ضدهم ..ضد أنفسنا أيضا إن سولت لنا الرضوخ أو أن نغط في سبات جديد أو أن نرتضي لأنفسنا حياة الذل والاستعباد بعد أن خلقنا الله وولدتنا أمهاتنا أحرارا. طيف أخير: على نافذة المبادئ تهب رياح السياسة فيسقط الوطن. *عدن الغد