أتساءل بإلحاح عن كلمات يمكن أن يعزي بها المرء نفسه حين يصبح من الصعب أن تجد من يواسيك أمام عظمة الخطب وقوة المصاب الجلل وليس هناك أسوأ من أن يُصاب الإنسان في موطن القلب ومسقط الرأس ومرتع الروح وهوى الأفئدة. الأوطان أثمن ما يملك الإنسان وحين تهتز بقعتها الجغرافيا يهتز كيان الإنسان ويخرج عن مساره الطبيعي ويفقد توازنه الحقيقي إذ أصبح بعيداً تماماً عن مركز الدائرة الذي يمنحه الجاذبية الكافية والثبات المطلوب،وكما تهتز جيولوجية الأرض فتتغير سماكة القشرة الأرضية وتتشوه معالم بقاعها المختلفة تهتز أيضاً قناعة الإنسان وتتغير أفكاره وتتبدل مداركه وآراؤه ولاشك أن الثورات هي زلازل الشعوب التي تعيد تشكيل مفردات النص السياسي وتعطيه معناه الكامل أو على الأقل القريب من الكمال،وحتى الرمق الأخير تبقى سلطة الرأي للشعب الذي من حقه الحصول على مقعده الشاغر في ظل تحولات سياسية واقتصادية عالمية وإقليمية قوية أدت إلى ظهور الفئات والجماعات والتنظيمات ذات الأهداف الوضيعة والرامية إلى تمزيق الصف العربي وتوحيد حزمة الأطماع الأجنبية والتي تحتاج في البداية لإضعاف بنية المجتمعات وتمزيق شملها وهذا هو مايحدث اليوم إذ أصبح الأمر جلياً واضحاً وليس بحاجة إلى وجود تحليلات سياسية عقيمة لن تفلح تفاصيلها في إخماد هذه النيران المشتعلة في قلب الأمة العربية وحول جسدها المتهالك أسفاً. مايثير القلق وقوف أصحاب الرأي السياسي خارج دائرة النيران ومحاولة إخمادها بالزيت عوضاً عن الماء جهلاً وتجاهلاً بحق تلك الشعوب في بقائها على قيد الحرية إذا كانت تؤمن بالفعل أن الإنسان يتنفس الحرية بل ويحتسيها في كأس الأنظمة العادلة والمتمسكة بمبدأ المساواة بين طبقات المجتمع المختلفة، إتساع بقعة الشتات السياسي وتفاقم أزمة الأنظمة التي ظهرت فجأة كربيع عاصف حمل صفات الفصول الأربعة لكن بألوان وأطياف ومظاهر دامية قد لايصدقها البعض ولكنها أضحت حقيقة غير قابلة للجدل،إذ تعيش دول المنطقة حالة غليان سياسي متبوع بأزمات اقتصادية واجتماعية وقبلية وانقسامات فكرية متعددة تصب جميعها في بئر الاحتكار السياسي الذي همش،وجود الإنسان والغى حريته ..الإنسان الذي لايحمل حصانة أو حماية كافية ليجد نفسه ضحية لموروث اجتماعي يتجاهل قيمة الفرد ويمجد الجماعة ككيان سلطوي داخل الدولة وأيضاً ضحية لسياسة رأسمالية عابثة منحت للطبقية والتمييز حق الاستشراء والانتشار وصناعة الثكنات المادية داخل المجتمع،وتبقى العقلنة وتغليب المصلحة الوطنية هي الأمل الوحيد بعد إرادة السماء للخروج من هذه الزوبعة القاتلة التي اجتثت قناعات وغرست أخرى في غير تربتها وحطمت أخرى كانت قد أوشكت أن تثمر وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها!. التحليل السياسي بوجود أجندة يهودية ليس بالتحليل الخاطئ لكن إرادة الإلهية عظيمة شاءت أن تقلب موازين الحياة فكان ما كان وماسيكون،القائلون أيضاً بقيام حرب عالمية ثالثة ربما أصابوا جزءاً من الحقيقة لكنها ليست حرب عدة وعتاد فقط بل هي حرب ديموجرافية وإيديولوجية ودراماتيكية مخططة وفق أطروحات وسيناريوهات سابقة ذات تصنيف دولي ومناطقي محدد بدقة ،إنها نهاية العالم الحتمية التي تحدث عنها القرآن في كثير من المواضع وحذّر من تجاهل وقوعها:{إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً} صدق الله العظيم.“سورة المعارج”. مهما ابتعدت الأمم عن سبيل ربها تبقى حقيقة الفناء أمراً واقعاً يجمع كل الأمم إلى مصير أخير لا مجال بعده للظلم والقهر والاستبداد. لكن لنكون منصفين أكثر ليست الأنظمة وحدها من يتحمل مسؤولية انفراط عقد الأمان الشعبي والأمن الوطني إذ تبقى الشعوب مسؤولة أيضاً عن هذا الخراب الذي لم تصنعه إلاَّ أيدي الناس.