إن الانتخابات التي تأسست على المبادرة الخليجية لا تعنينا في ثورة الجنوب فلم يكن الجنوب وعدالة قضيته موجود فيها، ولا في حواراتها وغير ملزم بمخرجاتها والطبيعي ان الثورات حين تنطلق لا تلتحق بالأحزاب ومشاريعها بل العكس - ناهيك لو بلدا يدار بالاستعمار- وقد رأينا ذلك في الثورات العربية ولما انطلقت ثورة الجنوب عام 2007 منعت الانتخابات النيابية وانتخابات المبادرة أكثر ضررا منها ومن حرب 94م التي لها ملفها وقراراتها الدولية اما المبادرة وتدويلها والانتخابات المتفرعة عنها فأنها تؤسس لعقد سياسي يجعل إدارة الشمال للجنوب بالاستعمار وحدة حتى ان المرشح الحالي نبه الجنوبيين بان المبادرة تلغي القرارات الدولية الخاصة بالجنوب وطالما وثورة الجنوب لم تنتصر فان تبادل مصطلحات بين الجنوبيين من قبيل الإلغاء والتهميش وعدم استيعاب الآخر مصطلحات تضليلية ليست من المفردات التي تحاكم بها الثورات فالثورة لا تدير انتخابات وليست ساحة للمفاضلة بين المشاريع الحزبية حتى تحاكم بتلك الألفاظ أو انها ضد حريات من قبيل حريات التظاهر وحريات الرأي وحريات المشروع الحزبي وغيرها ومقارنتها برفض الثورة للانتخابات وهي لم تكمل هدفها ليست إلا أقوال كيدية فالتظاهر لا يترتب عليه شيئا بينما الانتخابات عملية سياسية وقيامها والثورة الجنوبية لم تحقق هدفها يترتب عليها بنيانا سياسيا لن يكون إلا عدوا لثورة الجنوب التي لا ثأر لها مع شخص الرئيس فقط بل مع منظومة حكم تشاركت في ما حاق بالجنوب. لقد أعطت المشاركات الجنوبية الصبغة الوطنية للوضع في مراحل ما قبل اندلاع الحراك وسوقت إدارة الجنوب بالاستعمار بأنه مشروع وطني ولم يكن بريئا الآن اختيار المرشح الجنوبي لتطبيق المبادرة وانتخاباتها إذ يريدون الإستقواء به وبجنوبيته وما تحدثه عاطفيا في الشارع الجنوبي لكي يؤسسوا به عقدا سياسيا (المبادرة) بعد ان تأكل العقد السياسي والدستوري بفعل ثورة الجنوب وثورة التغيير في الشمال وأرادت الأحزاب الشمالية إعادة أنتاج شرعيتها عبر تسويق شرعية المبادرة ليلتف الشارع الجنوبي حولها والإيحاء بأنها المنقذ لحل قضية الجنوب والحقيقة إن عدم رفضها والتعاطي معها يعني إن ثورة الجنوب أعطت صكا بوفاتها وان لا ثورة في الجنوب وان الأحزاب قادرة بمشاريعها إن تدير الانتخابات في الجنوب وان هذه الثورة إن وجدت فان ممثليها الناخبي ومن على شاكلته وان الجنوبيين يثقون بالأحزاب ومشاريعها رغم إن وجود الجنوبيين في مشروعي السلطة والمعارضة طيلة عقدين لم يتأسس عنه مشاركة للجنوب ولم يتجاوز وجودهم الطرفية ودور "شاهد ما شافش حاجة" ولن يتجاوزه وقد تكشف للجنوبيين ذلك الدور وكيف اتحدت السلطة والمعارضة في الشمال ودمائها تنزف وقصورها تحترق فتحاوروا واختلفوا واشترطوا وتشددوا في كل شيء إلا في مسألة الجنوب فالجميع حافظ على الغنيمة في المبادرة وكان الجنوبيون في الجانبين موجودين من اجل كل شيء إلا من اجل الجنوب فلم تتجاوز مشاركتهم إلا ان يكونوا شهودا لإدخالها "مسلخ الخوار الوطني" بمعنى إن تقبل ثورة الجنوب إن يكون من أدار الجنوب بالاستعمار وطنيا وتحاوره وتعطيه حقا يحدد مسار حلها !!!
إن التوهم بان الأحزاب الشمالية تحمل مشاريعا وطنيه أو إسلامية تدحضه عدم قدرتها إن تبلور تلك المشاريع في مسائل الاندماج وفهم واستيعاب المتغيرات فمركزية الشطرية والقبلية وأثرتها بارزة فيها وتسوقها بخطاب وطني ومنافق تتنمر فيه الشطرية عندما تصل المسائل فيه إلى مسألة ندية الجنوب وهويته فالهوية لديها لا تتجاوز خرافة النسب التي بالكاد تدير عائلة أما المشروع الإسلامي فاشد غموضا ومقولة الإسلام هو الحل ليست أس الخلاف فالمسلمون لم يتقاتلوا من اجل الإسلام بل من اجل إدارة دار الإسلام وما يجلب عدم المصداقية في مشروعه في الجنوب الدور ألشطري القبلي الذي يتحكم في مفاصله إزاء المتغير الجنوبي بالمقارنة مع المشروع الاخواني في تركيا وتونس ومصر التي استوعبت وشاركت حتى العلمانية لأنها تملك حداثة آليات حزبية جعلتها تفهم المتغيرات في بلدانها إما مشروع الإسلام السياسي في الشمال فلم يفهم المتغير الجنوبي كما هو بل كما تريد له مصالح الشمال والخطاب الاخواني فيه كدور واعظ استقطابي لمصالح الشيخ الشطري وأسلمتها لذا فقد بُهت بثورة الجنوب فتارة يصفها كفرا وأخرى تشيعا وغيرها من المفردات التي لا تؤسس لاندماج وطني وتخلق هوية وطنية بل جلب رعايا للشيخ وتوسيع مساحات نفوذه ومصالحه .
لقد عرفنا الاشتراكي لا يقبل المعارضة والرئيس ومؤتمره سمح بهامش محدود لها لكنا لم نجد حزبا كالإصلاح قبيليا وحاكما ومعارضا ومفتيا وثائرا ويخذل الثورة ويدعي دعمها يوقع المبادرة وفي الساحات يرفضها و يفتي للشباب بان خروجهم جهادا اكبر ويجعل دمائهم مفسدة صغرى ....الخ . إن مشاريع تلك الأحزاب لو إنها فهمت المتغير الجنوبي لجعلت ساحات أنصارها في الجنوب ترفع شعار الفدرالية بين الشمال والجنوب وموقف كهذا سيجعل المنتسبين لها وإتباعها شركاء في مشروعها لا أطرافا لها لكنها أثرة الشطرية والإدارة بالاستعمار أبت إلا ان يخرجوا يرددون شعارات من قبيل " ثورتنا ثورة تغيير لا فيدرالية ولا تحرير " ما يعني ان الجنوب وثورته في تصور تلك الأحزاب لن يتجاوز تقطع محافظاته في مسلخ الخوار الوطني وتوزيعها مغانم لمحافظات الشمال باسم فدرالية الأقاليم ولقد ابرأ المرشح ذمته تجاه الجنوب وثورته وكان ذكيا حين صرح بان المبادرة الخليجية قد ألغت القرارات الدولية حول الجنوب لأنه يعرف المآلات التي ستلحقها المبادرة وآليتها وانتخاباتها بثورة الجنوب يتأكد ذلك بان كل وسائل الإعلام المملوكة أو المؤيدة للقوى الموقعة على المبادرة قد حذفوا ذلك وتواطئوا على إهمالها فهل هي صدفه . إن على جميع الجنوبيين إن يسلموا بان الجنوب لكل وبكل أبنائه وهذا منطق لا يختلف فيه اثنان وعلى ثورة الجنوب إن تسع ذلك لكن بالمقابل يجب إن يقرا الجنوبيون ثورتهم بمفردات الثورات ولا مكان للمفردات الرمادية فيها فمفردات الثورات لا تتجاوز الأبيض أو الأسود وبعد انجازها تأتي مصطلحات الديمقراطية والانتخابات وحرية الرأي وقبول الآخر ورفض التهميش والإلغاء لأنها مفردات عمل سياسي بعد الثورة وليس إثنائها فالترويج للانتخابات والثورة لم تحقق هدفها لا يقل خطرا عن العمليات العسكرية ، فالشماليون توافقوا على الانتخابات حقنا لدماء أبنائهم وصدروا توافقهم وهو اختلاف بيننا ليسفكوا به دماء أبنائنا .