لا يمكننا الجزم بأن الاستعمار البريطاني رتب أوضاعه للانسحاب بعد الهزيمة القومية عام 1967م، كما لا يستطيع مثلي الجزم بما طرح سياسياً بكون الاستعمار البريطاني اختار تسليم النظام إلى الطرف الأسوأ وهو الجبهة القومية. إذاً ماذا كان سيتغير في الواقع وصراعاته والمواقف ومؤثرات الصراع خارجياً لو أن الاستعمار البريطاني رحل من عدن في ظل المد القومي وقبل هزيمة 1967م؟. هل كان النظام القادم في عدن سيختار الانفصال أم الوحدة؟.. وهل كان سيختار الشيوعية للنظام والحكم ولحياة الشعب؟. إذا كان ما عرف ب"الصراع القومي – الرجعي" سيستمر فماذا سيكون موقف دول الجوار من هذا المتغير وخياراته ومواقفه؟. ماذا عن موقف النظام في صنعاء الذي كان قد انتقل إلى علاقة ارتباط أقوى إلى مستوى من التابعية مع السعودية؟. ربما مجمل هذه الظروف والتشابكات والتعقيدات هي التي دفعت الجبهة القومية للانتقال إلى الحزب الاشتراكي والى الخيار الشيوعي. وهكذا فثورة سبتمبر اختار مسمى الجمهورية العربية اليمنية تركيزاً على القومية "العروبة" وثورة أكتوبر اختارت مسمى "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" تركيزاً على الديمقراطية الشعبية بمفهوم الاشتراكية الشيوعية. النظامان رفضا التسميات الشطرية أو التشطيرية كشمال وجنوب فيما الإذاعة المعارضة لثورة سبتمبر "المملكة اليمنية الهاشمية" تحاشت الشطرية أو لم يكن لها حاجية سياسية بينما الإذاعة المعارضة لثورة أكتوبر "الجنوب اليمني الحر" استخدمت عبارة "الجنوب اليمني" ووراء هذا الاستخدام أكثر من احتمال يمكن لكل منا ترجيح أي منها. حيث ثورة أكتوبر تسلمت الحكم أو حكمت بعد رحيل الاستعمار الذي في ظله كانت توجد أنظمة ومحميات تسمى سلطنات، وبالتالي لم يورث مسمى يعطي الدلالة السياسية المطلوبة كما "المملكة اليمنية" والتنصيص للدلالة "الجنوب اليمني". كان هناك مسمى استعمل سابقاً "الجنوب العربي" ولكن فترة استعماله القصيرة لم يؤهله لفهم أو فهم المتلقي وبالتالي يعطي تنصيصاً أدق ولا يخرج عن النص الأصلي "سياسياً" إذا دعت الحاجة واقعياً من خلال مفردة المشترك الأساسي بين النص السياسي والتنصيص سياسياً وهي "الجنوب". الاستعمار البريطاني عرض على الإمام تسلم شبوة والضالع وحتى جزيرة كمران، ولكن الإمام هو الذي رفض لأسبابه أو فلسفته، وبالتالي فالحدود الشطرية أو حتى بين الدول والأنظمة ظلت متموجة أو غير ثابتة. وبالتالي- وحتى بافتراض مسار آخر غير الذي حدث لحرب 1994م -هل كانت تستهدف التشطير والحدود الشطرية كما كانت، أم كان هناك هدف وسقف ومعطى آخر؟. سبب الحرب بين اليمن في عهد النظام الإمامي والسعودية هو انهيار الدولة الادريسية في ظل جزر ومد توحيد من كلا الطرفين، وبالتالي فكون السلطنات والمحميات مثلت تشكلات تحت مسمى سياسي "الجنوب العربي" فذلك يعطي المشروعية للنظام الذي ورث وضع الاستعمار كنظام إكمال توحيد واقعي للموحد سياسياً تحت ذات المسمى أو تغييره، وهذا كان يحتاج واقعياً وبظروف ذلك الزمن لموقف داعم من قوة كالاتحاد السوفيتي في ظل الخيار الشيوعي أو بدونه ما أمكن. دعم السوفيت لتوحيد السلطنات وفرض النظام الواحد كان حاجية حيوية ربما أو ضرورية ليمنع اعتراض أو تدخل طرف آخر، ولكن هل كان الخيار الشيوعي ضرورة لحل هذه الضرورة وتجنب أضرار أخرى؟. مثل ذلك ما لا استطيع الجزم تجاهه تأكيداً أو نفياً، ولكنه مثلما الاشتراكي بعد ذلك الذي كان يطمح سياسياً بدعم السوفيت لتحرير كل الجزيرة والخليج من انظمتها "الرجعية والمتخلفة" فالانظمة الأخرى لها حسابات أو طموحات ليست فقط حتى توحيد السلطنات، ولكنه حتى حرب 1994م التي بات الاشتراكي فيها مع الطرف الآخر والرؤية المضادة. إذا كان ذلك الطرف الآخر المناهض لثورة أكتوبر بنظامها الشيوعي استخدم لاذاعته عنوان "الجنوب اليمني الحر" فها هو الاشتراكي كطرف داخلي ومن يحشده أو يتحشد به من أطراف داخلية، يحاولون إعادة احياء النص "الجنوب العربي"، وبالتالي فنحن حين التعاطي والتداول في أي حديث نستخدم سهولة وتسهيلا مسميات كوريا الجنوبية أو كوريا الشمالية، وليس لنا موقف من وحدة أو انفصال في كوريا بقدر ما هي حاجيات أو تسهيل فهم. إذا كان عبدالناصر أخذ خياراً وخطاً قومياً بمستوى من الصراع فذلك له بل وفي إطار صراع المصالح، فها هي امريكا تتدخل معه وتمنع العدوان الثلاثي على مصر 1956م، لكنه غير مسموح له أن يرمي اسرائيل في البحر أو يمد ثوراته وتثويره إلى مكامن الثروة والأنظمة الحليفة. مسألة ثورة قومية وأممية في اليمن في إطار وضع وموازين صراعات القوى الكبرى ولكن في ظل سقف الخطوط الحمراء وقياسات ما يعتمل بميزان الصراعات وفي توازن الصراعات. إذا كانت مشكلة اليمن التي نشأت أصلاً في هذه الفترة منذ حرب 1934م حتى ما بعد الهزيمة القومية 1967م هي إضافة إلى تخلف مركب متراكم بلد فقير وسط محيط غني فذلك يجعل الصعوبات أكبر وأكثر لتطبيق أو نجاح نظام شيوعي. الاشتراكي حين تطبيق الشيوعية اكتشف هذه الحقيقة الأهم وأخرى في الواقع تجعل النجاح الواقعي لنظام شيوعي في واقع اليمن اقرب إلى الاستحالة فتصرف كطالب تستهويه الرياضيات مثلاً ويرسب في بقية المواد فيجد متعته بالهروب إلى لذته ويذاكر الرياضيات يومياً وكفى وما هو قادم فليأتي ولكل حادث حديث. فالاشتراكي بدعم السوفيت حل بسهولة مشكلة كانت صعبة في واقع اليمن "توحيد السلطنات" وفي الحقيقة فهو استفاد من وضع النظام في صنعاء من وجهي التناقض. الأول.. علاقة الارتباط بالسعودية ووصمه بالرجعية وبالتفريط الوطني في مسائل حساسة أو شديدة الحساسية كالحدود. الثاني.. الاستفادة من مساحة أو اسيات ضعف الثقة في علاقة النظام في صنعاء بالسعودية، فمن قضية الحدود المفتوحة واحتمالات أخرى ففي إطار الصراع الشطري لم تكن السعودية تدعم بأقصى استطاعة مقارنة بحرب العراق مع إيران أو حرب افغانستان، وانما بالحد الذي لا يسمح باكتساح شيوعي شامل ولا يتيح للنظام في صنعاء الوصول إلى وضع أو قوة أكثر مما يراد والسعودية مخولة ومصدقة من امريكا في التعامل مع هذا الوضع ولا تأثير وربما لا تواصل ولا توصيل للنظام في صنعاء مع امريكا. النظام في صنعاء منذ رحيل القوات المصرية اضطر للتعامل مع مراكز القوى الاجتماعية كمراكز قوى سياسية وأحياناً بمستوى من السلطات كالسلطنات ولنا استرجاع صورة ومشهد رد الفعل تجاه خطوات وقرارات سياسية للرئيس الحمدي في هذا الاتجاه. ولذلك فخيار الشيوعية والحملة بالشيوعية على النظام في عدن لم تنجح ولم تؤثر على بيئة نجاح الحملات السياسية الاعلامية للنظام في عدن في موازاة لنجاحات في حروبه الشطرية والأخرى عبر الجبهة الوطنية وأية قوى مناوئة. الجبهة الوطنية باتت كما "الفيت كونج" في فيتنام الجنوبية وحيث جاء علي عبدالله صالح إلى الحكم وفيتنام الجنوبية تنهار والقوات الامريكية في انهزام لتوحد فيتنام شيوعياً وبالقوة، بل وعبر الحاق هزيمة تاريخية باحدى القوى الكبرى وهي الولاياتالمتحدة. إذا كانت استعانة علي عبدالله صالح بالقوى ذات الفكر الأصولي مثلت تحولاً نوعياً في هذه الحرب فوصول الصراع داخل الاشتراكي إلى حرب 1986م بعدن أنهكه أو أنهى قدراته على الاستمرار في شن الحروب، وفي ظل تخلف السوفيت في صراع ما عرف بحرب النجوم ومستوى من التراجع والضعف في الصراع الدولي. وصول الصومال إلى وضعه الحالي هو بسبب الصراعات الخارجية المتداخلة مع صراعاته، وبسبب ضعف وعي النظام بالصراعات الخارجية في احتمالاتها ومتغيراتها، فالسوفيت دعموا نظام محمد سياد بري لطرد اثيوبيا من صحراء "أوجادين" وضمها للصومال، ومع مجيء نظام شيوعي في الحبشة دعم السوفيت اثيوبيا لاسترداد الصحراء وكأنما الطرف الدولي الآخر "الولاياتالمتحدة" لا تعنيه أوجادين والصراع عليه في إطار تكتيكه مثلما تعامل مع وضع اليمن مكتفياً بدور وقدرات ورؤى الرياض، ومنذ قيام ثورة سبتمبر والصراع "القومي – الرجعي". إذاً دعونا نسأل الاشتراكي الآن ان كان يستطيع توضيح المبررات أو أخطاء النظام في صنعاء لشن حروب توحيد اليمن بالقوة شيوعياً؟. لو سردها من – وفي – وضعه الحالي فانها لم تعد أخطاء تحسب على النظام في صنعاء بقدر ما تدين الاشتراكي في خطاياه. الوضع بعد الوحدة تغير كصراع داخلي كما المتغير أحدث تغييراً في تموضعات الصراع الخارجي، وإذا كان الاشتراكي حتى حرب 1994م لم يكن يحتاج غير تبريرات للشعب ليحارب من أجل فرض الانفصال بالقوة متحالفاً مع المؤثرات الخارجية فإنه بعد حرب 1994م وتوقيع الاتفاق الحدودي مع السعودية عام 2000م بات يحتاج لأي جمع ومجاميع من الشعب لحرب فرض الانفصال بالقوة ولأي مال أو رأسمال ارتبط بالصراعات والمشاريع السياسية، كما أنه تلقائياً وبانهيار الشيوعية بات على استعداد للتحالف حتى مع شياطين الانس أو حتى الجن من أجل صراعاته. بعد حرب 1986م كان "حيدره" من أبين بين المقرر اعدامهم وتصفيتهم، ولكن معروفا أو صديقاً مؤثراً من الفريق المنتصر رحمه وطلب التسامح معه أو العفو. هذه الرحمة والتسامح نقلته إلى سجن سري في كوبا غير "جوانتانامو" وبشكل سري فرض وافترض وفاته من قبل الأهل والأقارب. مع اقتراب عقدين من سجنه لا يعرف كيف وجد أو دل عليه ملف أو رسالة أو حالة تسجيل أو سجل فتوبع وأفرج عنه وجيء به في حالة الشيخوخة كمفاجأة لكل من عرفه يسألونه كيف بعث من الموت وهو يسألهم هل تزوجت زوجتي؟. قيل له لم تتزوج فرد الحمد لله فهذا كان أقصى ما بات يقلقني أو أقلق منه. نحن بحاجة لطرح وطرق أخطاء كل الأنظمة التي رحلت والتي حلت والحاكمة والمعارضة لنقلل هذه الاخطاء أو نمنعها ما أمكن على مستوى بلد كاليمن أو في إطار المنطقة أو على المستوى العربي. التجريب الديمقراطي لعقدين في اليمن يؤكد ان استعمال "أخطاء نظام" صراعياً وخداعياً لم يضر النظام ربما بقدر ما أفاده. ولهذا فأي مفردات أو عبارات استخدمتها الصراعات ك"رجعيين" أو "كفار" أو "الحاديين" أو غيرها مما كان يقال من إذاعة صنعاء أو عدن أو "الملكيين" أو "الجنوب الحر" أو غيره لم تعد تؤثر أو ضعف تأثيرها إلى حد بعيد. المتغير العالمي بوقعه في المنطقة والواقع الداخلي في تبدلاته لم يعد مع صراعات من هذا النوع وبهذا المستوى مهما كان في واقع أي بلد من صعوبات في وضع تخلف وضعف امكانات. انذار الولاياتالمتحدة لأطراف العدوان الثلاثي على مصر يعني عدم وعي أطراف هذا الهجوم بوضع امريكا آنذاك في اللعبة والصراع الدولي، فهل كان الوعي في رمي اسرائيل في البحر أو الغلو في الصراع مع الرجعية؟. الانتقال إلى صفوة الرجعية وصف الامبريالية لا تعني اطلاق يد الصراعات للاشتراكي أو بواقي الصرعى والذين وصلوا نفسياً إلى وضع الصرع وعلى هؤلاء ان يعلموا ما لم يتعلموه أو يعوه.