-الديمقراطية انتقال من صراعات بتخلف الواقع إلى تخلف الوعي -إذا "الدمقرطة" إرادة معارضة فهي أفضلية نظام بين ما يتداول بشكل نادر من حقائق باتت من الحكايات والنوادر، هو أن اليمن في عهد النظام الإمامي كانت تمارس تبادل مقايضة مع الأشقاء في السعودية. فالسعودية تزود اليمن بالمشتق البترولي الكيروسين "القاز" الذي تعتمد عليه اليمن في الإضاءة "فوانيس- سراج- لمبه- اتريك" وأي مسميات قد تختلف من منطقة إلى أخرى. ذات مرة كما يطرح ارتفع سعر الكيروسين فأُبلغ الإمام بهذا الرفع أو الارتفاع وبما يوجب على الإمام زيادة كمية الحبوب كالشعير والذرة والقمح مقابل هذا الارتفاع. كان رد الإمام كما يطرح "الشبعان يستطيع أن ينام".. في واقعة أخرى فالإمام رفض عرض الاستعمار البريطاني بضم الضالع وشبوة إلى حكمه، لأن ما سينفقه على هذا الضم هو أكثر مما يحصله من إيراد الواجبات أو الجبايات. هذا الفكر والتفكير الإمامي كان استمراراً يحتاج إلى جمود وتجمد العالم، وبأن يظل محيطه في جموده وتخلفه، فيستفيد النظام من عناء ومعاناة وجهد المواطنين كإيرادات، ويظل استقرار الظلام هو الحال. فهو لم يكن يفكر أو يكترث بما يعنيه التطور العالمي واستخراج الثروة النفطية في المنطقة ولم يكن يفكر أو يكترث بتوحيد أو وحدة برفضه ضم شبوه والضالع بحسابات ضيقة. الاستعمار البريطاني حين يعرض ضم الضالع بالذات فذلك يعني ثقته بالنظام الإمامي أمنياً، كما أن العرض ورفضه يعني وجود علاقة بين النظام الإمامي والاستعماري، ولكن النظام الإمامي كأنما كان مبدئياً ضد النهوض والتطور، وبالتالي فهو لن يستفيد من هذه العلاقة لا في توحيد ما أمكن ولا في النهوض والتطور بقدر ما وظفها لحماية ذاته أمنيا وللتعاون أمنيا بالمقابل مع النظام الاستعماري، ولهذا فالنظام الإمامي في فرض التجهيل أو تكريس التخلف بالذات لا يقارن لا بالإجمال ولا بالتفاصيل مع أي نظام عاصره في بلد آخر، أما مقارنته بأي نظام يأتي بعده أيا كان قومياً أو رجعياً أو شيوعياً فذلك المحال والمستحيل بأي مقاييس نظرية وبأي قياسات واقعية. وضع تخلف الواقع ومستوى تخلفه بأي فوارق أو مفارقات تجعل أية ثورة تنجح ضد الإمامة أو الاستعمار أمام مشكلتان الأولى "تخلف التخلف وتمزق التمزق" والثانية حاجيتها للخارج في ظل صراعات هذا الخارج وحاجيته لليمن للصراعات، وبالتالي فأي نظام لن يكون في وضع قدرة على توظيف كل الجهود والإمكانيات لإنهاض الواقع، وربما في وضع صراعات الخارج والعلاقة بها لن يكون في أفضل وعي للتطور أو يمتلك الأفضلية الواعية في ظل هذه الصراعات للتطوير. إذ محاور الصراعات عربياً هي مصر والسعودية وعالمياً الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، فالأفضل واقعياً السعودية والولايات المتحدة والأفضل ثورياً مصر والاتحاد السوفيتي. عند ربط الأمور نظرياً أو تنظيراً بمسألة كالقضية القومية "فلسطين" فماذا بمستطاع اليمن التأثير إن سارت في الخط القومي أو التقدمي أو الرجعي الغربي أو "الإمبريالي"؟!!. إذاً فنحن كنا مع ثورية فوق الواقع وتخلفه وفهمه وفوق قدرات هذا الواقع وإمكاناته أو باتت حاجتنا لوضع وتموضع ثورة وثورية، هي الأهم من الواقع وفوقه وقبله. إذاً فهل ما كنا نمارسه من واقع التخلف كصراعات هو صراع تخلف أم صراع تطور؟!!. مقياس التخلف والتطور لم يعد مقياس الظلام الإمامي وإنما مقياس الوعي بالواقع وبصراعات الخارج. فإذا نحن اخترنا الصراعات فهل الوعي أصوب في هذا الخيار، وإذا الصراعات اختارتنا فأين وعينا وخياره؟!!. إذا اختيارنا للصراعات واختيارها لنا صنوان وسيان فنحن كنا تحت الطلب وأي صراعات ستختارنا فإننا سنختارها. بين ما يطرحه الكاتب والمفكر الأستاذ محمد حسنين هيكل في فضائية "الجزيرة" يستوقفك مثلا استعراضه لحقائق تناقضات المواقف والمعلومات من كبار المسؤولين السوفيت، بما أربك الزعيم جمال عبدالناصر وبما وضعه في حيرة تعجزه عن اتخاذ قرار في أهم الأيام واللحظات الحساسة والحاسمة في حياته قبل حرب 1967م. ولهذا فالهزيمة القومية 1967م لم تكن فقط السبب في رحيل القوات المصرية من اليمن وسقوط نظام السلال والصلح مع الملكيين والانتقال من وضع التأثير المصري إلى ثقل التأثير السعودي في اليمن، وإنما كانت السبب في مجيء الشيوعية إلى اليمن لمعالجة وضع الدب السوفيتي شديد الهيجان. فنحن لم يكن لنا خيار رحيل قومية أو مجيء رجعية وشيوعية بقدر ما تختارنا أثقال أو صراعات، بل والفضل والامتنان لمن يختارنا وليس لمن قبل الخيار والاختيار حتى وإن تصرف تصرفاً "باختيار" فالجبهة القومية أو "الحزب الاشتراكي" لم يكن أمامهما بعد رحيل الاستعمار غير الشيوعية أو الرجعية أو الوحدة. تصفية وإقصاء ونفي جبهة التحرير كان رفضاً لخيار الوحدة، والرجعية في ثقلها لم تكن مع توحيد رجعيا بأي حسابات أو حساسيات، وبالتالي لن يجد بوابة بمواصفات صورية وتؤمن وضعاً وتحمي واقعاً لنظام غير البوابة الشيوعية. فترة الحرب العراقية – الإيرانية وحتى غزو الكويت أحدثت متغيراً في وضع وثقل العراق واندثار الشيوعية في ثقلها هو المتغير الأهم للوصول إلى وحدة لا تستخدم قوة كبرى "الفيتو" السري ضدها، ولا تستطيع معارضة أثقال أقليمية لا أن تمنعها ولا أن تجهضها، وحيث جرت محاولات ومحاورات للمنع أما محاولات ومحاورات الإجهاض فكانت في مشهد 1994م. إننا في ظل هذه الصراعات بشططنا وشطحاتنا ثم في إطار آلياتها وتكتيكاتها وأهدافها لم نتوقف لا أمام واقعية واقعنا ولا أمام واقعية مفترضة لوعينا. فبدلاً من اضطرار مذل للاستعانة بالسعودية لترعى اتفاق الصلح مع الملكيين بعد الهزيمة القومية، وبدلاً من الهرولة المهينة والأكثر إذلالاً بعد اندثار الشيوعية، كان علينا الوعي بما يفترض أن تعيه الإمامة "بلد فقير وسط محيط غني" والتعامل بهذا الوعي وعلى أساسه. إن لم يكن مثل هذا الخيار أو منه هو لنا قبل الوحدة فهو لنا بعدها. ما الذي تغير بين وفي مشهدي المطالبة بعودة الإمام أو المطالبة بالعودة لانفصال كظلم وظلام؟!!. إذا الانتقال إلى الديمقراطية يعني قياس واقع اليمن بمحيطها الغني كرفاهية، أو مقارنة بواقع أميركا كديمقراطية دون اتزان مقارنة بواقع إمامة واستعمار وحروب وأنظمة تشطير، أو بأوضاع أقرب كالصومال والسودان فذلك انتقائية للصراعات وانتقال إلى صراعات بتحوير يناسب التحورات "تعددت الأسباب والصراعات واحدة" كانتقال من صراع وصرعى الأنظمة إلى صراع ضد النظام، ومن الصراع مع الوحدة أو من اجلها إلى الصراع ضدها ولإجهاضها. هل يصدق قول من يسعون لإجهاض نظام أنهم لا يستطيعون مواجهته في أخطائها وإصلاحها؟!!. هل يصدق قول من يتطاولون على وحدة بلد ويتمادون في محاولة إجهاضها في الواقع والشارع وفي صحف ومنابر وفضائيات الداخل والخارج؟!!. هل يصدق قولهم بعدم القدرة على تعرية أخطاء نظام والضغوط لإصلاحها؟!!. ليس غريباً أن تسمع من يطرح أن الشيوعية كانت أفضل والإمامة أفضل والاستعمار أفضل والمسألة ليست مفاضلة ولكنها أفضلية صراع لأطراف صراع. علي عبدالله صالح لم تقدمه نجاحاته وإنجازاته كما قدمته الصراعات قبل الوحدة، وكما قدمته وتقدمه أفضلية الصراعات وفضلاتها بعد الوحدة. مثلما تعاملنا مع الصراعات قبل الوحدة على أنها نضال وثورية من أجل الوطن، فإننا نتعامل مع الصراعات بعد الوحدة على أنها ديمقراطية في الوطن ولأجل الوطن. النظام وهو يمارس الصراع مع التمرد الحوثي ويصعد الحرب ضد إرهاب "القاعدة" كأنما سلم المبادرة للثقل المعارض "المشترك" ليختار عناوين وألعاب الصراع لكل فترة حيث بات متمرساً بقدراته وألعابه على مواجهته، وبالتالي فهو استفاد من شفافية كشف الصراعات وألعاب الصراعات، وهذا القدر من الشفافية التي تعري الآخرين تكفيه إن كان ذلك إرادة أثقال المعارضة. أثقال المعارضة القائمة لا تستطيع تحمل ديمقراطية أكثر من هذا المستوى ك"دمقرطة" ولهذا تقفز كمعارضة إلى خيار إجهاض الوحدة أو إقصاء نظام. النظام بات يعري المعارضة أكثر مما تعريه وبات في وضع لا يشترط تصفية ولا إقصاء لخصوم سياسيين كما تشترط المعارضة إقصاء نظام أو تستهدف الوطن بإجهاض الوحدة. ولذلك فلسنا بحاجة للدفاع عن النظام ولا النظام بحاجة لمثل ذلك وربما لا يريد أياً من ذلك. الصراعات الخارجية في ظل واقع التخلف صادرت إرادة اليمن والصراعات الداخلية في ظل واقع تخلف الوعي، إنما تصادر إرادة ووعي الوطن.. فهل الوطنية هي الشيوعية أم الرجعية؟!.. هل الوطنية هي الوحدة أم الانفصال؟!.