في أي مجتمع وحسب تخلفه أو تطوره ونهوض أو تخلف واقعه، فإن الصراعات حين تصل إلى وضع ووزن أثقال تصبح انظمة كصراعات بغض النظر عن وضعها في الحكم أو خارجة كمشاركة أو مؤثرة أو بدون ذلك، وهذه الأنظمة الصراعية عادة ما يتولد منها أو يشتق مستوى من النظام أو التنظيم للصراعات. ولهذا فما تسمى "لوبيات" الضغوط السياسية في الولاياتالمتحدة هي من الصراعات للتأثير أو للتعامل مع الفوضوية السياسية أو الإرادة والقرارات السياسية أو الاقتصادية أو غيرها، وما يحصل في قاع المجتمع كسرقات وسلب بالإكراه أو قتل في بعض أحياء نيويورك أو تداخل مع تجارة وترويج المخدرات هو من الصراع وله نظام صراع. في نقطة أخرى فالأنظمة شديدة القمع، هي بقدر استقرار الحكم وبقاء الحكم لأطول فترة تولد وعي الأسطورية أو الوعي الأسطوري بأي قدر. ولهذا فالتحول الكبير الذي لم نتوقف عنده للتقدير أو القياس هو أن يعود السلاطنة وينتقدوا أنظمة، أو ان تنشر صحيفة في الداخل لقاءً صحفياً أجرته مع أحد الأئمة كعلي بن ابراهيم. فالطبيعي أن يقدم علي ابراهيم جده الإمام يحيى أو عمه أحمد تقديماً أسطورياً، ويقدم كل الأنظمة وكل الحكام بعد الأئمة غير وبغير ذلك وبمن فيهم الرئيس علي عبدالله صالح، لكنه في الأساس ومنذ تفتح وعيي بالحياة اجتماعياً وسياسياً وحيث كنت اسمع عن وجود علي بن إبراهيم بمنطقة مبين بحجة، فانه لو كان المقياس لدى العامة انجازات نظام أو أخطاء نظام ما استطاع علي إبراهيم الإقامة ليلة واحدة في مبين أو غيرها. قد يكون في الإمبراطوريات والقيصريات وعي الأسطورة أو أسطورية الوعي بما في ذلك القيصرية في روسيا، ولكن بعد ذلك اختلفت معياريتها وان ظل معيارها. فالأسطورية لم تظل في صاحب ومؤلف ومبدع الفكر الشيوعي ماركس، ولكنها في الحاكم لينين أو ماوتسي تونغ أو كيم إيل سونغ. فها هي كوريا الديمقراطية "الشمالية" تصل إلى التجارب النووية وفي ظل معاناة تصل إلى مستوى من المجاعة، لقد كنت في بيونج يانج عام 1989م وبعد رحيل الزعيم كيم ايل سونغ، وقناعتي من خلال قياس التفاعلات غلبة وعي أسطورية أكثر من وعي مقموع أو تحت القمع والخوف من القمع. الحزب الاشتراكي في اليمن الذي مثل استثناء بين الأحزاب الشيوعية في العالم بصراعاته الدامية الدموية لم يستطع لهذا السبب تقديم أسطورة أو تشكيل وعي أسطوري، بل انه في صراعاته لجأ للاستزادة أو الاستعانة بأقدم وعي صراع في حياة العرب "القبيلة" فهذا الوعي يصلح للأسطورة والأسطورية إذا كان رأسه أو سقفه شيخ القبيلة كما الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، الذي حول قبيلته حاشد إلى جيش استراتيجي في السنوات الأولى للثورة لمواجهة أي مد أو توغل للملكيين، بينما الاستخدام بتلك المباشرة وسقفه نظام ولصراع داخل النظام كما حرب 1986م يولد وعي واستجابات صراع مفتوحة. فإذا بات الحزب الاشتراكي هو الأسطورة فهو موجود لم يحاكم ولم يعدم كصدام حسين الأسطورة أو حتى يمارس إعدامه سياسياً من قبل النظام أو الشعب، ومع ذلك فهذه الأسطورة ليست أكثر من اسطوانة يتم تطويرها بتقدير الأذواق وقدرات الأوراق على طريقة "الفضائيات" و "الفيديو كليب". عندما نتكلم عن الصراعات في اليمن من وضع ووعي الآن فأول بديهية هي أنه ما دامت القوات والتدخل المصري لم ينجح في تأمين نظام الحكم في اقصر فترة وتعاد القوات المصرية إلى بلدها فهو استدرج مبكرا فيه مما حصل لاحقا لأمريكا في فيتنام ثم الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، بل ها هي إيران رغم وضع واختلاف واختلال القوة أمام الولاياتالمتحدة والغرب تؤثر على وضع العراق وتناور من خلال هذا التأثير، والبديهية التلقائية الأخرى هي ان السعودية كأي نظام أو بلد مستهدف ستدافع عن نفسها بالوسائل الأنسب وهي تستطيع التعامل مع الوعي الأسطوري أو الوعي المصالحي أو أي صراع اجتماعي أو سياسي أو مصالحي، بما يخدم استقرارها أو مصالحها كما القومية وثورة سبتمبر أو تحول ثورة أكتوبر من القومية إلى الشيوعية. اليمن أصلا من بعد ثورة سبتمبر ثم أكتوبر دخلت صراعات بأكبر وأكثر وابعد مما تعي، وإذا كان المرحوم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر منذ انسحاب القوات المصرية كأقوى مراكز القوى الاجتماعية إلى علاقات تفاهم أو تحالف مع السعودية توافقت مع النظام باستثناء بضع سنوات في ظل حكم الرئيس الحمدي، فالحزب الاشتراكي الذي مثل عداء التطرف ضد السعودية صار إلى تحالف أبعد وأعمق مع السعودية وهو طرف في نظام وليس النظام. وإذا لم يعد من قياس ولا مقياس للتقدم أو التخلف غير قياس الواقعية ومقياس الواقع أو قياسات ومقاييس الصراعات كما التعامل مع الوحدة أو الانفصال. وهكذا فان ما يطرحه الإمام علي إبراهيم أو السلطان الفضلي أو مليونير كالجفري أو الوزير أو حتى مليادير كأسامة بن لادن بات ذات الطرح أو متوافقاً مع حزب شيوعي أو قومي كطرح صراعات أو للصراعات. علي عبدالله صالح جاء إلى الحكم من وضع صراعات وفي أوجها ومع مقتل ثلاثة رؤساء لليمن في عام، فشخص مشكلة اليمن الأهم وهي الصراعات وحيث افترض لنفسه وضع من يتعامل مع المشكلة لحلحلتها أو تخفيفها فهذا الطرف الذي لا يريد صراعات ولا طرفاً فيها أو مندفعا إليها إلا لاضطرار ما توجبه المسؤولية والواجب الوطني كما في حرب 1994م، فالنظام في هذه الحالة يمارس احتواء الصراعات بأي احتواء وحاويات هي اقل كلفة أو ثمنا من عنف ودماء ودمار الصراعات. انه لم يعتمد على الوعي الأسطوري أو الأسطورية المتوارثة من الإمبراطوريات والإمامة، ولم يسر في منحى الأسطورية الثورية أو وعيها كقومية أو تقدمية أو نحوها، وإنما مارس واقعية تشخيص مشكلة وواقعية عالية الوعي للتعامل معها، وهذا الخيار يمثل أسطورية لاحتواء أو ترويض الصراعات، وهذه الرؤية هي ذات ارتباط وحضور في العلاقات بالخارج وفي ظل أي مؤثرات أو متغير خارجي أو دولي. ولهذا فعلي عبدالله صالح قد يطور علاقة مع النظام في العراق كما دول المنطقة في ظل الحرب العراقية – الإيرانية هدفها الداخل اليمني، وهو ابعد ما يكون عن أي استهداف تجاه الخارج كمسألة مرفوضة في أساسيات تفكيره السياسي وليس فقط في أية علاقة سياسية. علي عبدالله صالح كأي حاكم لا يريد ما استطاع تعارض مواقفه مع الرأي العام الشعبي وأساس تأمين ذلك، وبين حاجيات الأمن لليمن ولنظام الحكم عدم استهداف بلد أو نظام آخر في أي أفعال أو مستوى للصراعات وبما هو معتاد سرا أو سرية. إذا كان علي عبدالله صالح لم يندفع تجاه السعودية أو أمريكا وهو يواجه الشيوعية إلا بالحد الأدنى للحاجية الحيوية الداخلية، وهو في ذات الوقت لم يبتعد عن الكرملين والسوفيت الذي ظل المصدر الأساسي لتسليح جيشه، فهو بداهة ليس من يندفع مع أي نظام آخر كما النظام العراقي. لقد استثمرت فرصة تاريخية لتحقق وتحقيق الوحدة سلمياً وديمقراطياً وهذه الوحدة لم تحتج لحماية استنجاد بالقوات المصرية أو استدعاء شيوعية انهارت أو لا زالت، ولكن حاجية الحماية هي موقف صارم وحازم وحاسم وقوي حينما تستدعي الضرورة فهذه الصراعات غير الواعية عادة ما تطور وعيها شكلياً ومجاراة للأشكال والتشكلات، ولكنها لم تعد تجد أفقاً لصراعاتها ولا ساحات واستباحات ومتاجرات وتجاوزات غير الداخل، فتجد الواقع الذي هو أساس انهاكه وإضعافه لاستثارته أو تثويره بكل مستطاع وباسطوانة وثقافة نفي وإقصاء الآخر وأسطورية وعود اوهام وأحلام. النظام بالتأكيد لا بد ان له أخطاء ولكنه اقل الأنظمة خطايا وهذا لا يعني ان النظام فوق تعرية أخطاء له والضغط لإصلاحها، لكن علينا مراعاة ما اعتنى به ماركس "العوامل الذاتية والموضوعية" فأخطاء أي نظام قضية منفردة تطرح وتعرى وتناقش وتستوفى كل مكوناتها وحقائق لتعالج بكل وأي أساليب مشروعة وسياسية متعارف عليها في كل المشروعيات والديمقراطيات بدون أي ربط هو من الصراعات بوحدة وطن أو بالوطن ووحدته. حقائق ووقائع الصراعات قبل الوحدة وبعدها في اليمن سياسياً وديمقراطياً تؤكد ان الصراعات تحاول فرض سطوتها بأسطورية تلاقي حابلها بأوبائها وشرقها بغربها وتطرفاتها بظرافتها، فأصبحت كل التطرفات المعروفة عربياً وإسلامياً وعالمياً هي واحدة أو موحدة ضد الوحدة في اليمن بنهم وشراهة الصراعات. الإماميون يمتدحون افضلية نظامهم ومثلهم السلاطين والشيوعيون فيما النظام الحالي فاقد الصلاحية بسبب الوحدة والوحدة فاقدة الصلاحية بسبب النظام. المعتاد في اليمن وغيرها ان النظام القائم يحاكم الانظمة التي سبقته واقعياً أو سياسياً وإعلامياً، لكنه وإزاء ما يجري في اليمن وتجاه اليمن يمارس المعكوس حيث أنظمة الماضي الإمامية والسلاطينية والشيوعية هي من يحاكم النظام القائم سياسياً وإعلامياً. وضع كهذا يسهل مهمة أدق واصدق قياساً بمرجعية الواقع وحقائقه وبمقارنة حقائق انجازات واخفاقات وأخطاء وصواب أنظمة، مثل هذه المقاييس بكامل المصداقية تاريخياً والدقة واقعيا لا تقبل بها اطراف الصراع المدمنة في أبشع وأشنع صراعات التطرف. مثل البيض كان سيخطب قبل الوحدة وحدوياً شيوعياً فارضاً الوحدة بمد السوفيت، أما بعد الوحدة فهو لن يخطب مهاجما الامبريالية والرجعية كما أسامة بن لادن، لكنه سيمارس الهجاء والهجوم تجاه الوحدة اليمنية وهذا حال أطراف وتطرفات أخرى لم تحاكم أو تعدم على تطرفات أو تصرفات، ولم تذهب إلى منفى وكهوف بن لادن حيث تظل في حاجة لإقامة رفاهية في عواصم العرب والغرب لتمارس كل تصرف تطرف تجاه الداخل، ومثل هذا قد يظل قدر اليمن لكنه لن يكون فوق قدرتها بعزيمة الشعب ورعاية الخالق!.