الفساد آفة, سواء تمظهر على شكل رشوة أو محسوبية أو محاباة أو ما سواها, مجتمعة لما كان كذلك, فإنه يقتل بالحتم الثروة والإنتاج, يستصدر مبادرة الأفراد والجماعات, ويرتهن لفائدته كل سبل التنمية والتوزيع العادل للثروة الفساد آفة هات تاريخ, وله أسباب ودواع دون شك, لكن تبعاته ونتائجه أقوى وأضخم من أن يبحث المرء له عن الأسباب أو المسوغات. هذا لا يهم كثيرا. إن المهم فيما يبدو لنا باليمن على الأقل, إنما التساؤل في سبل, إذا لم يكن التخلص من هذه الآفة, فعلى الأقل الحد من مفاعيلها في الزمن والمكان. والواقع أن آفة الفساد باليمن رشوة ومحسوبية ومحاباة وغيرها, قد تجاوزت على الحد المعقول, حتى باتت الآفة إياها ظاهرة معممة تتحدث بركبانها الخاصة والعامة, لا بل قل باتت قيمة في حد ذاتها,فاليوم غير المفسد هو الغير صالح والغير شريف والغير نزيه, ولكأن النزاهة أن يكون المرء فاسدا مفسدا بامتياز. وإن أصل الآفة ضعف في الأخلاق, ونقص المناعة في إعمال الضمير, تجعل من الفاسد والمفسد لا يرى في أبناء طينته إلا خزانا للثراء الذاتي, ومستودعا للجباية الشخصية ومصدرا للاغتناء السريع الغير مكلف. هل من سبيل لاستئصال هذه الآفة باليمن؟ ليس لدينا وصفة لذلك, ولا يمكننا أن ندعي امتلاكنا للحل. لكننا مع ذلك نقول التالي: ليس من شك أن الدولة, وزارة في الداخلية ومخابرات وأجهزة المحاسبة والرقابة, تعرف مكامن الفساد وأوكار الثاوين خلفه, لا بل وتمتلك أرشيفات حول ما قاموا به, ولا يزالوا يقومون به... لم إذن لا تستدرجهم الواحد تلو الآخر للعدالة, وتحيدهم من الصورة, وتقي الأفراد والجماعات شرور ما يقومون به أو ينوون الإقدام عليهم؟ وليس من شك أن لوزارتي الداخلية والعدل, دع عنك هيئة الرقابة والمحاسبة, ملفات عن هذا الفاسد المفسد..لم إذن لا تعمل فصول القانون, لمتابعة هؤلاء ومحاسبتهم, واسترجاع ما اكتنزوه من ثروات من القطاع العام تحديدا, وقد دخلوه حفاة عراة لا يلوون على شيء؟ كما أنه ليس ثمة من شك في أن للقضاء ملفات عن هذا الفاسد كما عن ذاك, بتحري من النيابة العامة كما باستقصاءاته هو نفسه. لم إذن لا يعمد الجهاز القضائي إلى مساءلة هؤلاء, ولا إلى متابعتهم ومساءلتهم حول شرعية ومصدر ما يملكون كل هذا قائم وممكن, لكن لا يد تطاول هذا المفسد ولا تبلغ حد درء شر ذاك المفسد. لماذا لأنهم مجتمعين فاسدين ومفسدين, قطاعا عاما وقطاعا خاصا, إدارة وجهاز محاسبة, مشرعين وقضاة...إن لهم مجتمعين مصلحة في فساد العباد وإفساد البلاد. وما دام الأمر كذلك بالجملة أو بالتفصيل, فإن استئصال الفساد باليمن يبدو بعيد المنال حقا, لا بل ويبدو لنا أن استئصال اليمن من الفساد أضحى هو الأصل, في حين أن استئصال الفساد منه هو الاستثناء.