شبحٌ مُخيف وكابوساً مؤلماً وقاتلاً، لطالما ملئ رأسي بالأهاويل والمخاوف والتنبأؤات المُظلمة، وأخرى شديدة الظلام، يكاد ظلامها أن يقبض روحي، دون أنما رحمه، أو بوادر خيرٍ وبركات. ف الصداع الشديد، والحمى المرتفعة، والرجفان والقلق والخوف، كل هؤلاء وأكثر يرفضون البتة إلا أن يصاحبوا ذلک الكابوس المُخيف القاتل، والمُبيت في داخلي أنا، وداخل كل طالب علم ومثابر، بناء من دراسته ومن خلالها أحلامهُ وطموحاته الكبيرة والعظيمة، بل وأجتهد بكل كفاح وعزم وإصرار للوصول إليها.
فتلك الايام التي لطالما قاسيت وعانيت وسهرت وصبرت وجعت وشبعت وهلكت.. الكثير والكثير من أجلها، وذلك من أجل ولأجل دراستي، أح دراستي.. ناهيک عن أؤلئک الغاليين الذين يشاطرونا وما زالوا المتاعب والمشقات في توفير كل سُبل الدعم التي لطالما يعانون كثيراً في كِسبها، ليسلمونا إياها في سبيل دراساتنا..!!!!
ثم ماذا ..؟ ثم ماذا ..؟ بعد كل ذاك العناء العظيم، والإجتهاد المُفرط، والجد اللامحدود.. يأتي مسوؤل ويضع هناک ورقة بيضاء، يحتوي أسطرها على ما أسماهُ هو "قرار وزاري"، بل إنه ورب الكعبة "هادم اللذات، ومبعثر الأحلام والأمُنيات" -بالنسبة لي شخصيا-ً كوني طالب دبلوم وللأسف الشديد القاتل.
فعن أي قرارٍ يتحدث هذا؟ وهل هذه وزارة تعليم أم أنها قاضٍ زورٍ وبهتان يستمتع بإصدار أحكامهُ الجائرة، ف تُدمر هنا، وتفجر وتقتل هناک؟
هل عن ذلک المُدمر للأحلام، أم عن ذلک الكابوس المُفزع والفوبيا المُخيفة والمُرعبه، أم عن تلک السنوات والأشهر والأيام والساعات التي هدرناها ونحن نقنع أنفسنا بأن ندرس، نقنعها بحسن نية، وبنظرة تفاؤل، وبإصرار كبير، وصبر عظيم لا استطيع وصفه، صبر رافق اللحظات والثواني التي عيشناها وعيشنا بها وتعبنا وعانينا كثيرا كثيرا، لأجل أن نعيش أولاً، ثم لأجل أملنا وحلمنا في العيش الكريم، والأخير مرهوناً بدراستنا وتخصصنا الطبي، كونها أول درجة في سلم المستقبل بحد تفكيري، هذا إن حالفک الحظ وملكت ذلک السُلم في مثل هكذا بلاد، وفي ظل هذه الظروف التي لا تخُفى عن أحد.
فأملنا معقود بدراستنا، ودراستنا قاعدة، بل ومُقعدة بتلک الورقة البيضاء التي تحدثت عنها سابقاً، وفي ظل تلک العُقد والتعقيدات، تقاعدنا نحن ودراساتنا وأحلامنا وأُمنياتنا نتيجة ذلک.
فقرار وزارة التعليم العالي القاضي بإلغاء نظام التجسير أو المقاصصة لطلاب الدبلوم الراغبين في مواصلة الدراسة بالجامعات والحصول على شهادة البكلاريوس، قرار إعدام قهراً وجوراً وتعذيباً وتحطيما، قرار تصفية جماعية بالقهر حتى الموت لطلاب الدبلوم، ولا أُبالغ حين أقول إعدام، فهو يجرف وبشكل همجي كل تلک الأحلام والأمنيات التي لطالما نعيييش أملاً في تحقيقها، والحصول عليها، كل تلک الآمال والخيالات التي كانت تزيح وتمهد لنا وفي طريقنا كل الصعاب والمعوقات ونحن نسير أعواماً وسط الأتعاب والمشقات وصور الكفاح المُثلى حاصدين بذلک درجات تقدير لا تأتي هباءا.
هي رسالة صادقة إلى أؤلئک المسئولين والقائمين على صدور القرار، إبتداءاً من رئيس الجمهورية ،مروراً بوزيرا التعليم العالي والبحث العلمي، والتعليم الفني والتدريب المهني، وكل القائمين على صدور ذلک القرار: إذا كنتم مُصرين على عدم إلغاء القرار، ومُستهينين بالعمل به وسريانه، فيجب عليکم صيام ثلاثة أشهر متتالية وذلک تكفير عن قرار الإعدام الذي تنفذوه على حياتنا، وتقضوا به على أبناءكم، وبذلک تكون نهاياتنا مؤلمة جداً، لمن يعيشها.
المسئولون الأفاضل: نعلم أن مُبرر القرار بإختصار هو فساد الكليات الخاصة ومتاجراتهم بالعملية التعليمية، حيث أصبحت الكُليات كالبقالات تبيع الشهائد التعليمية وبأعلى التقديرات، لكن قراركم قرار عقيم وقاتل، يساند الجلاد ضد الضحية، فما ذنب الطالب المجتهد والذكي الذي يعاني ويصبر الكثير لأجل أن يدرس وبنيات صادقة، حيث وأنه سجل في قسم الدبلوم لنظراً للحالة المادية المتواضعة، حيث ولا يُخفى عليكم أسعار ورسوم البكلاريوس في الجامعات الخاصة، هذا بعد أن حاول أعواماً الإلتحاق بجامعات حكومية، وكما تعرفون أن الجامعات الحكومية صعبة المنال، ومستحيل الوصول إليها، وهذا أمر واضح لديكم.
المسئولون الكرام: إذا كانت الدولة إتخذت القرار بموجب عِلمها بفساد ومتاجرة الكليات الخاصة، كما تدعون، فلماذا لا تتخذ قرار عادل وشُجاع بحق تلک الكُليات، بحيث تضع لهم قوانين وضوابط تُسير أعمالها، إلى جانب معايير قبول ورفض تضمن من حفظ حقوق وواجبات الطالب وتمنع من إنحرافها وضياعها أو التلاعب فيها، وتفرض للدولة كلمتها وهيبتها المُتمثلة بسد منابع الفساد، وتشجيع وتذليل الصعاب أمام أبناءها في مواصلة دراساتهم الجامعية، كونهم هم الثمرة الصالحة التي يُرجى حصادها بكل خير، لما يعود على الوطن وأبناءه بالخير والتقدم والإزدهار.
ف قرار قتلنا بهذا الصورة الهمجية، ليس حلاً، بل إنه يفتح الملايين من المشاكل والإختلالات، إلى جانب أنه يقف حجر عثرة، بل ويسُد الطريق أمام الطلاب ذوي الحالة المادية المتواضعة، بل ويقتل أحلامهم وطموحاتهم، وبقتل ذلک لا حياة لمن تنادي.
فيا ترى ماهو الذنب الذي إرتكبناه نحن -الطلاب الذين لا حول لنا ولا قوة- حتى نُجازا بمثل هكذا إعدامات؟ وهل يا تُرى أن هناك أمل أن نحيى بأحلامنا، أم نموت بقتلها؟
سؤال يطرح نفسه لكم الآن يا كل ما يهمه الأمر، لكنه كابوس مطروح ويُطرح في ذهوننا وعقولنا كل لحظة، فلا نملک له نفعاً ولا صدا، غير إنه مُمُيت جداً، كآلة مخيفة تعمل على جرف ودهس كل ما يقف أمامها، وبلا إستثناء، وبشكل مستمر، دون أي مراعاة لضحاياها ولا ل أشلالهم المُتناثرة هُنا وهناک، ف رائحة الدماء والدمار تسود دون غيرها في المكان، والموت هو سيد الموقف.