اي مجتمع لا يسدل الستار عن المرأة ولا يسمح لها بالدراسة والتعلم ويحتجزها في البيت فهذا مجتمع غارق ومهدد بالدمار الكامل. يقول: الشاعر حافظ إبراهيم في قصيدة العلم والأخلاق :"الأمُ مدرسةٌ إذا أعددتها... أعددت شعباً طيب الأعراق". غالبيةُ النّاس قد سمعوا هذا البيت الذي نُقِش في عقولنا منذ الصغر, فقد شبّه الشاعر الأمَ بالمدرسة التي إذا أُعدّت إعداداً جيداً من كافة النواحي التربوية والتعليمية كان نِتاجُها شعبٌ طيب الأعراق . تُراوِدُني الكثير من التساؤلات كلما يطري هذا البيت على مسمعي , ماذا لو كانت هذه الأم غير معدة؟ ما نِتاجُها؟ ماذا تحتاج المرأة لتصبح أمً ناجحة؟
إن المرأة فاعل أساسي في المجتمع البشري , فهي الزوجة والأم والأخت للرجل, وهي جزء من كيانه الاجتماعي والنفسي، وليست فقط رقم ديموغرافي مكمل بالنسبة له , وقد كرمها الله ورسوله في كثير من المواضع والدلائل الصريحة , وبالتالي فإن تعطيل دورها أو الحد منه يعد هدم ركن اساسي للمجتمع، فضلا عن أنه عصيان لما أراد الله ورسوله لها. وقد عانت المرأة كثيرا في مجتمعاتنا الإسلامية، جراء التقاليد البالية التي لم يتم التخلص منها, بل ومما يزيد الأمر سوء أن يتم إسباق القدسية على هذه التقاليد من خلال مزجها سواء عن قصد أو جهل بالتفسيرات والتأويلات الدينية التي تنتقص من المرأة وتقلل من قدرها وبالتالي ما ساهم في أن تبقى مجتمعاتنا الإسلامية متخلفة بل وعاجزة حتى عن مسايرة التقدم البشري في شتى مجالات التطور ومنها التكنولوجية والصحية والاجتماعية وغيرها.
إن هذه الأمور قد أنتجت ما يمكن تسميته ب"الظلم الاجتماعي" الواقع على المرأة , هذا النوع من الظلم الذي يقع على فئات اجتماعية معينة، يظن من يقوم به أنه على حق وان ذلك المظلوم إنما يستحق الظلم لان الله يريد له ذلك أو خلقه على هذا الحال، أو قد حط من قدره لان قيمته كذلك.
لقد اتخذت ممارسات الاضطهاد ضد المرأة أهمها: استخدام العنف ضدها في غالب الأحيان، وسيادة السلطة الذكورية ابتداء من سلطة الأب وليس انتهاء بسلطة الأخ الأكبر، وعدم الثقة بقدرتها في القيادة والعمل والعلم والتربية وتنشئة الأجيال، وإجبارها على الزواج خلافا لرغبتها، وغيرها من الممارسات السلبية خاصة في مجتمعاتنا الشرقية. إن المرأة للأسف بعيون الكثيرين من أصحاب النظرة القاصرة، أو ممن اعتادوا على هذه المعاملة السيئة وأخطرهم من يقومون بهذا النوع من الظلم الاجتماعي ويعتقدون أنهم على حق، في نظرهم مجرد وسيلة للإستمتاع وإشباع الرغبة الجنسية، ومستخدم في البيت ووعاء للإنجاب فحسب. لقد كان من نتاج هذا الفكر وهذه الممارسات أن تعطل دور المرأة إلى حد كبير في المساهمة في تنمية المجتمع، وترك فراغا كبيرا لا يستطيع الرجل قط ملئه. و علاج هذه المشكلة المستعصية يحتاج إلى وقت طويل، وجهود كبيرة يساهم فيها المثقف، والمتعلم ورجل الدين الواعي، الذي يعيد صياغة وتأويل هذه النصوص، التي يستاء فهمها وتوظيفها باستمرار, كما تساهم فيها المؤسسات الحكومية والأهلية من خلال زيادة فرص التعليم وشموليته والزاميته تصل إلى مراحل عمرية ودراسية أفضل مما هي عليه الآن. وكذلك تخصيص ضمانات اجتماعية واقتصادية وقانونية للمرأة تقوي من موقفها الاجتماعي وتدعمه. كما أن على المرأة المسلمة المتعلمة خاصة أن تعي مسؤوليتها وتقوم بدورها من أجل تغيير هذه الصور النمطية عن المرأة. ولتنهض المرأة المسلمة بدورها في تنمية وتطوير الثقافة والحضارة والعلوم.