في مثل هذا اليوم..أرتقت الارواح إلى السماء،وعانقت عنانها،وسبحت محلقةً فرحةً،متتشية،مسرورةً،وتعالت الزغاريد وارتسمت على الملامح السعادة ولبست عدن ثوبها (القشيب)،وأغتسلت بدماء الشرفاء من دنس (الأنذال) ورجسهم.. في مثل هذا اليوم لم يتسعنا الكون الفسيح من فرحتنا،ولم تتسعنا دواخلنا،ولم تحتمل أحداقنا الفرحة والسعادة، فذرفنا الدموع أنهاراً لهذه المناسبة التي شاء الله أن تكون في أفضل وأجمل أيام الله،لا لشيء ولكن لان هناك من تأبط الصبر ، وتوشح الجلد، وأرتدى الصلابة كي تنتصر عدن وتشرق منها شمس الحرية والإنفراج.. يومها لم تسعفني الكلمات، وتمردت عليّ الحروف،وخذلتني اللغة،ولم تحمل أناملي القلم ولم تمتطه،لتكتب عن فرحة النصر، وسعادة الفرج،ولحظة الإنعتاق،بل وقفت مشدوهاً فرحاً مسروراً اذرف دموعي مدراراً، رغم ألمي على تلك الأرواح الطاهرة التي سقطت هنا وهناك، ولكن هي هكذا الافراح لا تُصنع إلا بالدماء والاوجاع.. لن أنسى ذلك اليوم الذي ولدت فيه السعادة من (رحم) المعاناة والألم،وأشرقت شمس الضحى من عدن، وتعالت الصيحات والافراح والأهازيج، لتعلن عن إنفراجة وتحررٍ من براثن المستبد الغاشم الهمجي الآثم،وتخبرنا أن الفرج قريب والنصر حليفنا ضد تلك الفئة التي ظنت أن عدن والجنوب (لقمة) سائغة، وأن رجالها سينبطحون مثلما حدث ويحدث في الشمال.. لن ننسى ذلك اليوم الخرافي الذي أثبت فيه الابطال من الشباب أن الذود عن الأوطان لن يأتي بشعارات جوفاء،وخطب عصماء، وكلمات معسولة،بل يأتي بالعزيمة والكفاح والنضال والتحدي والصبر والجلد،وأنه حين يُحمى (وطيس) المعارك،وتدق طبولها، سيهب الكل،صغاراً وكبار،فالأوطان غالية،والأعراض أغلى.. في ذلك اليوم نُسج النصر بأيادي الأفذاذ من الرجال،شباباً كانوا أو كبار،ورسمت لوحته سواعدهم الفتية التي لم تحمل السلاح قط،فصالوا وجالوا ولم يشق لهم غُبار، وتصدوا لآلة الحرب الحوثية بصدورهم الغضة النحيلة التي تبحث عن السلام في مدينة الحب والسلام،فذاق الحوثي وأذنابة الهزيمة كؤوس مرة، وولوا هاربين يجرون أذيال الهزيمة والخزي والعار والإنكسار.. تخضبت شوارع عدن بدماء الشرفاء،وأرتوت منها أزقتها ومدنها وحاراتها،وظلت تلك الأرواح سابحة في سماء المدينة تؤازر الشباب وتحثهم وتزيد من عزيمتهم وصلابتهم،وتبشرهم أن النصر آت،وأن الحق معهم،فما زادهم غير تثبيت وقوة وإصرار،ليمضوا حاملين رأية النصر وقلوبهم وأرواحهم تهفوا للموت في سبيل الله ثم الذود عن وطنهم وعرضهم،وما أجملها من شهادة وما ألذه من نصر.. أنتصرت عدن بأبطالها وبكل الشرفاء ممن لم يبحثوا عن جاه أو مناصب أو كراسي، أو أموال،أنتصرت بأولئك الذين صدقوا فيما عاهدوا الله عليه، فكان لهم ما أرادوا....