بعد أن انهار المبنى ، كانت هي بنت الرابعة عشر وأخيها أبن ست سنوات الناجون من الموت تحت الأنقاض بعد قصف طيران النظام ، فكانت الأم والأخت تقوم بكل شؤون أخيها الصغير وهم في مخيم النزوح حتى أجمعت أمرها وحزمت ما بقي معهما من متاع للخروج مع بعض سكان المخيم للنزوح إلى خارج الحدود السورية مع تركيا وفي طريق النزوح تعثرت الفتاة الصغيرة وتأخرت عن موكب النازحين وهي تارةً تحمله تارةً تجره خلفها ، تلتفت من حولها وإذا بموكب النازحين قد تلاشت معالمه فإذا بها وأخيها وحيدين في غابات يكسوها بياض الجليد وهما يرتعدان من شدة البرد وجسميهما الناحلان بدت عليه علامات الفاقة والمرض وهي في شدة ضعفها تحاول أن تبعث العزيمة والقوة إلى نفس أخيها الصغير قائلةً له: نكاد أن نصل لا تخف كان الصبي شديد الثقة بأخته الكبرى بل أمه، تشابكت أيديهما الناحلتان وهما يتابعان المسير نحو المجهول الذي كلما اتجها نحوه ازداد غموضاُ وعتمة ، سواد الليل قد غشى ملامح الجليد والبرد قد داعب العظام والجوع قد انهك البطون الخاوية لا شيء يؤكل غير كرات الجليد ، نام الصبي على حجر أمه الصغيرة ولا شيء يبعث على التدفئة ، جسده يرتعد تقلب بصرها علّها تجد شيء تدفئه به فلم تلحظ شيء غير جسدها الذي أضناه المسير وقلة الزاد فترتمي عليه كي تدفئه ويدب دفئ جسدها فيدفئه حتى يستيقظ يحاول دفعها فيناديها تارةً أختي وتارةً أمي : أمي .. انهضي فقد طلع الصباح لكنها لم تجب ، فيعاود النداء. أختي .. علينا متابعة المسير ، علنا نلحق بموكب النازحين .. هي انهضي لكن الاخت لم تجب ولن تستطيع أن تجيب فقد فارقت روحها المنهكة الجسد وانتقلت إلى عالم أخر ، يستمر الصبي في مناجاة أخته ويحاول إيقاظها ودفع جسدها بعيداً من جسده وكفاه الصغيرتين تداعب خصال من شعر أخته يقدم رأسه يطأطأ نحو خديها يقبلها ، عينيها مطبقتان يحاول فتح جفنيها لكنهما مطبقتان فقد تصلبا يدرك الصبي ما حصل لأمه الصغيرة هو نفس الشيء الذي حصل لأمه وأبيه تحت القصف لم يكونا يجيبان على نداءه وعينيهما أطبقتا ولم تفتح ، عندها يرفع الصبي صوته بالبكاء والعويل .: أمي لا تتركيني وحدي .. أمي افيقي تنزل دمعة حارة على جسد أخته المسجى بلحاف من الجليد وهو جالس يقلب الجسد الذي فارق الحياة ، يستمر الجليد بالتساقط حتى غطى جسد الأخت الحنون والصبي ينفض خيوط الجليد الساقطة على جسده وهو يجمع كل جسده حتى يخفف من احساسه بالبرد والوحدة ورأسه ملقي على جسد أخته الراحلة عصام عبدالله مسعد مريسي قصة قصيرة