وحيث أن المدنية هي طموح كل شعوب الأرض وما تأمله المجتمعات وهي أسمى ما قد يصل إليه الفرد وفيه تصبح للعدالة مكانا وللفرد حقوقه وتتعزز سلطة القانون ويعيش الفرد بتلك القوانين بجو يسوده العدالة والمساواة. وحيث أن عدن ودورها الريادي وما تحتويه من إرث حضاري موغل في القدم وما تلاه من مدنية بأعلى مستوى وتجلى واقعا بكافة نواحي حياتها مما جعلها على مدى عقود تضاهي أرقى دول العالم تحضرا وعن جدارة والذي طال الإنسان العدني وتميز عن غيره ممن في المنطقة فالمدنية وما تميزت به عدن هي المحك الأساسي لها وهي روح المجتمع العدني والتي لم تعرف هذه المدينة إلا المدنية وهي سياجها وحصنها ومحيطها والتي لا تستطيع أن تعيش بدونها .. وهذا الذي جعلها أكثر تضرراٍ في هذه الحرب وأكثر من تاثرت فيها وما زال تاثرها قائم في كافة الجانب. حتى وصل الأمر أن تقارن هذه المدينة بمدن أخرى وبأن الحال هناك أفضل أمنيا ومعيشة، بل أن الكثيرين يقارنها بالقرى وأن تلك القرى افضل. ومن يرثى لحالها أو يعتب عليها سيجد نفسه بهذا الأمر يميزها ويقر دون وعي منه أن عدن مدنية ولا تعرف غير المدنية والقوانين، ولا حامي لها إلا ذلك السياج المدني الحضاري وهو أساسها ولا يوجد لأهلها إلا المدنية وبدونها تسقط فيها المقومات والأنظمة المجتمعية وتنهار كل الضوابط وتتفشى بدلا عن ذلك الفوضى والإنفلات. ولهذا في ظل حرب وما كان من غياب الدولة وإنهيار كيانها المتمثل بالسلطات والقوانين يكون هناك خياران لا ثالث لهما اما أن تتمسك بكيان الدولة أيا كان شكله أو أن تتمسك بالقوانين. وما حدث ان كل مدن وأرياف اليمن ومن ضمنها العاصمة صنعاء والتي تعتبر فيها المدنية قشرة تلاشت أمامنا مع أول محك وأحتموا بأرثهم القبلي وشكلوا لأنفسهم كيان بمنظورهم وطبقوا فيها قوانينهم حدث ذلك كذلك بمدن أخرى وبالقرى ايضا حيث فرضت لنفسها سياج من الأعراف القبلية تحميها، إلا عدن التي وقعت بمنزلة بين المنزلتين فالدولة فيها منهارة وهي التي لم تمتلك ارث إلا مدنيتها تمسكت بقوانين لم تسطيع تطبيقها فلا الدولة حمتها لانها انهارت ولا القوانين كانت منجاة لها في ظل عدم تطبيقها. لهذا نتكلم هنا أن المدنية مهد عدن وهي التي تربت عليه ولم تعرف غيرها شبت عليها وليس لها غيرها فمن يعيد لعدن متكأها والتي تجعلها براحة وأمن من أعاصير الزمن. أروى المفلحي