خرج الحراك الجنوبي في ثورة شعبية عارمة عام 2007 شهد لها العالم بأسره ، وقفت أمام الطاغية الهالك علي عبدالله صالح عفاش وقواته المختلفة في عهد جبروتهم وقوتهم و التي قتلت وأصابت واعتقلت منا عشرات الآلاف .. كل ذلك كانت له أسباب مفصلية على رأسها طبعا حرب صيف 94 الاحتلالية ، نهب ثروات الجنوب وإفقار أهله ، تسريح الموظفين المدنيين والعسكريين سيما قادة الصف الأول والثاني في الدولة ، و تحويل مدنية الدولة ونظامها المرتكز على النظام و القانون إلى نظام قبلي يرتكز على الأعراف والتقاليد وما يراه الشيخ فلان والشيخ علان ، وهو الأمر الذي تجاوزه الجنوبيون منذ عقود قبل الوحدة ! جاءت حرب 2015 وثار الشعب ليثأر لنفسه وما واجه من صلف وظلم واضطهاد وإفقار وتجهيل متعمد خلال عقدين ونيف من الوحدة المشئومة ، وليستعيد دولته وينصف المظلومين فيها ويبني الدولة المدنية القائمة على النظام والقانون والضامنة للحقوق والحريات ، ويعيد أمجاده التي لطالما تغنى بها في ظل الدولة القبلية التي فرضت عليه بقيادة عفاش وشركاءه في الحكم من أحزاب وقوى قبلية ودينية على رأسها دوما وأبدا آل الأحمر ! تمكن الشعب الجنوبي من دحر هؤلاء الغاغة بما فيهم الحوثي القاتل ومليشياته الطائفية القاتلة المدعومة من إيران فكرا ومالا وسلاح ومعلومات .. إلخ ، وحرر الشعب بسلاحه الخفيف ( وبدعم التحالف العربي بالسلاح والذخيرة والمال حينها ) معظم مساحة الأرض الجنوبية بعد أن قدموا قوافل من الشهداء والجرحى والأسر المشردة بسبب دمار الحرب ..إلخ . وبعد أكثر من ثلاث سنوات منذ تحرير العاصمة عدن وحتى اللحظة لم يستطع الجنوبيون استعادة دولة النظام والقانون وفرضها وإنهاء مظاهر القبيلة الدخيلة على أراضيهم ! لم يستطيعوا بناء المؤسسات المدنية التي من شأنها تأسيس الدولة المدنية ذات النظام والقانون وذلك لعدة أسباب منها دور التحالف الغريب في عدن والذي لم يقدم أنموذجا محترما للنظام والقانون في المناطق المحررة بدعمه فئات لا مؤسسات وهو ما انتج المزيد من الفوضى اليوم ! وكذلك دور الشرعية التي تتغنى بالقرارات الدولية بين الحين والآخر بينما في الواقع هي أكثر القوى تخبطا وهزالة حتى باتت هزالتها تحيط رقبة الشرعية ذاتها بمن سيشنقونها في لحظة ما بسبب خيانتهم لها وفشلهم وفسادهم الذي أزكم الأنوف برائحته اللصوصية العلنية التي من أهم سماتها نهب الثروات ونشر الفوضى على كل الصعد وتقاسم المناصب سيما ذات النفوذ والسلطة في الدولة وهو ما لا يختلف عن ما فعله عفاش الذي ثار عليه الشعب في الجنوب والشمال .. بل فاقوه فسادا بكل صدق ! وكذلك بسبب المجلس الانتقالي الذي فوضه الشارع الجنوبي ليكون كيانا سياسيا جامعا للحراك الجنوبي وكل فئات الشعب في الجنوب فيمثل إرادتهم ويحمل مطالبهم أمام العالم ويتفاوض باسمهم حين يجد الجد ، و لينتشلهم من دائرة الفوضى التي أغرق داخلها هذا الشعب المغلوب على أمره رغم كل تضحياته التي لا تشبهها تضحيات ، فظهر الانتقالي ذاته بلا قرار كغيره من القوى التي يحركها الخارج اكثر من الداخل ، فأصبح يتحرك بأوامر وتوجيهات التحالف لا بتوجيهات الشعب الذي فوضه أساسا أمام العالم في تظاهرات واعتصامات سلمية لطالما ميزته عن غيره ، الذي علق عليه أمانيه وأحلامه بالدولة المدنية الخالية من الفساد والفوضى بل وأكملها ( بالتكتكة كما يطلق عليها شعبيا ) حينما قبل بوجود طارق عفاش داخل معسكرات رسمية ( يرعاها ويدعمها التحالف ! ) حتى بات يخطب خطاباته الرنانة من داخل العاصمة عدن ! وهو ( طارق عفاش ) الذي فر هاربا خانعا خاضعا تاركا أسرته نساء وأطفالا وشبابا وشيوخا وقبلهم جميعا عمه و ولي نعمته ( علي عبدالله صالح عفاش ) ليقتل ويمثل بجثته أمام العالم أجمعين ! المصيبة الكبرى والطامة العظمى أن كل تضحيات الحراك الجنوبي وكل فئات الشعب جاءت من أجل بناء الدولة واستعادة الهوية الجنوبية المدنية الملتزمة بالقوانين والنظم والحقوق والحريات ، لكن كل ذلك بات شعارات لا تمت للواقع على الأرض بصلة .. فمثلا بالأمس فقط تخرج مجموعة من أبناء القبائل المجاورة لعدن ليقيموا حفلا لإشهار ما أسموه ( تحالف قبائل الجنوب العربي ) ! ما هذا ؟! أين نحن ؟! حلف قبائل في القرن الحادي والعشرين و في عدن ؟! لماذا تفعلون بنا وبأنفسكم كل هذا التدمير البنيوي للفكر الجمعي للمجمتع الذي كل تضحياته هذه كانت من أجل بناء دولة لطالما حلم بها وتفاخر بها قديما لا من أجل بناء تحالفات قبلية تعيده عصورا إلى الخلف !!! تجاوزتم المنطق والعقل واحترام كل تلك التضحيات التي قدمناها جميعا وأنتم أولنا فتطاولتم على أحلامنا وأحلام أبناءكم وأحلام شباب في سن الزهور قدموا أرواحهم رخيصة لحلم اسمه ( الوطن ) لا القبيلة ! لم ترتبط القبيلة بالدولة على مدى التاريخ ولا ينكر ذلك إلا مستفيد من دور القبيلة وأعرافها ومستغل لا أكثر . فالدولة تقوم على قوانين تحمي الجميع دون استثناء وتلزمهم جميعا بها ، ولا سلطة لشخص على مجموعة فالسلطة سلطة الدولة التي هي الشعب بأكمله وكل ذلك لا يخضع لأعراف ومزاجيات أشخاص دون غيرهم فقط لأنهم يسمون مشائخ و وجاهات ! لا تمييز في الدولة لأبيض على أسود ولا لغني على فقير ولا لابن قبيلة على من لا قبيلة له ولا تمييز لمن يحمل أي فكر مخالف لفكر آخر أو آخرين طالما يلتزمون جميعا بالقانون فالجميع في الدولة سواسية أمام هذا القانون . طريق الدولة لا يتقاطع مع طريق القبيلة بأي حال من الأحوال فلماذا تصرون بين الفينة والأخرى على التشويش على مطالب الشعب واحتياجاته وأحلامه الثمينة بأفكار صغيرة ومشاريع قزمية أمام مشروع الحلم الأكبر وهو الدولة المدنية الجامعة ؟! نعرف أن الوضع يزداد سوءا كلما مر الوقت ونعرف أن البلد تنهار اقتصاديا وسياسيا وأمنيا وعسكريا وتدمر على يد كل القوى الآنف ذكرها ، لكن السبب أولا وآخرا هو نحن جميعا من نعرف أن مطلبنا الدولة والقانون والحريات والحقوق للجميع وعلى الجميع ثم نصمت أو في أحسن الأحوال نغرد وننشر في صفحات التواصل الاجتماعي ثم نعود للنوم دون صراخ ! الصمت عار .. والخوف عار .. والتفرق والتخاذل جريمة نعاقب أنفسنا بها .. فلم الصمت تجاه كل هذا أيها الشعب ؟! الضغط على كل القوى لفرض الدولة وبناء المؤسسات مهم لكنه لا يكون ابدا باستدعاء القبيلة إلى عدن على وجه التحديد .. فعدن مدنية ولن تقبل هذه الأفكار الدخيلة ولن تقبل بتحويلها لقرية تحكم بالأعراف والعادات والتقاليد وما يراه الشيخ وحاشيته .. فعدنالمدينة الكوزموبوليتان متعددة الأعراق والاجناس والألوان والأديان والطوائف ولكن يغير ذلك فيها شيئا ، وإلا فإننا سنتسائل يوما لماذا ثرنا على عفاش والوحدة وخرج الحراك الجنوبي أساسا ؟ ولماذا قدمنا كل تلك الدماء والتضحيات النفيسة ؟!!! مطلبنا في الحراك الجنوبي وهو مطلب الشعب بكل فئاته دولة ولا شيء سوى الدولة ومن يفكر بمنظور القبيلة وتقزيم دور الدولة به فإنه لا يدمر إلا نفسه .. وسيمضي نحوها هذا الشعب بإذن الله .. فقط سيروا في ركبه قبل فوات الأوان .