الحديث عن مأساة متحف ردفان حديث قديم لا ينسى ومتجدد لا يبلى طالما بقي على هذا الحال المؤلم الذي هو عليه الآن معالم الجريمة التي تعرض لها لا تمحى بمرور الزمن ومظلوميته لا تسقط بالتقادم ولا يجوز السكوت عنها مادمنا أحياء . منذ عام 94 م من القرن الماضي ومتحف ردفان ظل مجرد مبنى تم إفراغه من محتواه بعد ان كان اهم ذاكرة تاريخية اكتنزت لكل ما تسنئ لابناء ردفان جمعه من تحف وأدوات حرفية وحربية ومنزلية ونقوش ومخطوطات قديمة ووثائق تاريخية تحكي عن تاريخ منطقة ردفان ومحيطها على مر العصور . عندما تم إنشاء هذا المتحف في عام 1978م استبشر اهل ردفان خيراً وبادروا برفده بكلمى كانوا يكتنزونه في منازلهم من تحف قديمة وأدوات أثرية وبذلوا جهدهم الجهيد للبحث عن ما يمكن إيجاده من كنوز أثرية في جبال ووديان وشعاب وكهوف المنطقة حتى وجدوا الكثير منها ووضعوها في هذا المتحف الجديد لحمايتها وصيانتها ودراستها والتعريف بها . متحف ردفان كان قبل حرب صيف 94م ممتلئ بالآثار كغيره من المتاحف التي كانت منتشرة في ربوع ارض الجنوب . وكان هذا المتحف يظم في جنباته كثير من الآثار المتنوعة منها ما هو قديم وما هو معاصر ، كانت تحكي عن فصول تاريخية مختلفة عاشها الإنسان في هذه المنطقة ومثلت جزء هام من تاريخ شعب الجنوب الحافل بالإحداث والروايات والقصص والمآثر التي سطرها التاريخ لأبناء هذه البقعة العزيزة من الأرض هذا التاريخ الذي أراد أعداء الجنوب دفنه لكونه يوثق لحياة شعب عاش على هذه الأرض وصنع فيها تاريخ وهوية عرف بها منذ القدم وسيظل متمسك بها ومحافظ عليها طالما بقي على هذه الأرض مهما حاول الأعداء طمسها خلال فترة نشاطه لعب متحف ردفان دوراً كبيرا في تبليغ هذه الرسالة التاريخية وربط التاريخ القديم بالمعاصر من خلال توثيق الإحداث القديمة التي شهدتها المنطقة ليضيف إليها إبراز دور الإنسان الردفاني في صراعه المرير والطويل كمواطن جنوبي مع الاستعمار البريطاني منذ ان وطئت قدمه في ارض الجنوب الطاهرة عام 1839م وحتى تم طرده منها عام 1967 م . ما كان يميز متحف ردفان هو وجوده في منطقة انطلاقة أعظم ثورة ڜعبيه تحررية شاملة في الجزيرة العربية على الإطلاق وهي ثورة شعب الجنوب ضد الاستعمار البريطاني التي اشتعلت شرارتها الأولى هنا في ردفان يوم 14 أكتوبر 1963م والتي لم يثور فيها هذا الشعب على الاستعمار وحسب بل وعلى واقعه المتخلف الذي كان يعيشه في ذلك الزمان وكان متحف ردفان خير شاهد على هذه الثورة وخير من وثق لها وروئ فصولها،. ولان الثورة هذه لم تروق للعديد من قوى الحقد والظلام في الإقليم والمنطقة وإذنابها في الداخل فهي لم تسلم من مؤامراتهم ، بالتالي لا عجب ان تعتبر هذه القوى الحاقدة متاحف الجنوب عامة ومتحف ردفان خاصة من أهم الأهداف المرسومة على خارطتها التدميرية وقد تجلا ذلك في صيف عام 94 م عندما اجتاحت تلك القوى ارض الجنوب بطوفان بشري لا يبقي ولا يذر بقيادة علي عبدالله صالح الذي أرخا الحبل بكامله لكلابه الضالة كي تنهش وتعبث وتنهب بكلمى هو جميل في الجنوب مدعومة بدواعش تسعينيات القرن الماضي التي أرسلها صالح لتدمير المكتسبات وتكسير المتاحف ونهب التحف والكنوز الأثرية كمحاولة لمحو كلما له صلة بتاريخ وهوية شعب الجنوب وحضارته، لذلك كان متحف ردفان من أهم ضحاياها ، فعلت به اكثر مما فعلته دواعش هذا القرن بمتاحف سوريا والعراق في حلب وتدمر والموصل وغيرها من المناطق الاثرية في تلك البلاد !! اليوم متحف ردفان مازال على حاله المزري منذ ذلك العهد رغم التحولات السياسية لتي شهدتها البلاد ورغم التغيرات الإدارية للسلطات المحلية على مستوى المحافظة والمديريات خلال السنوات الماضية ، لم يلتفت إليه أحد حتى الان وهذا ما يدعي للعجب والاستغراب !!!! المتحف حالياً مجرد مبنى طالت ايادي العبث كل مكان فيه ، لم يتبقى منه غير الحيطان والسقف وبينهما فناء مهجور وموحش تغطي أرضيته القاذورات وتسكنه الأشباح . صورته من الداخل تشوهت الى ابعد الحدود ومن ينظر اليها يشعر بالحسرة ويحس بان هذا المبنى قد أصيب بجرحآ داخليا عميق مازال ينزف حتى اللحظة.!!! . اما منظره الخارجي فقد يبدو متماسكا وصامدا ومحتفظا بشكله وهيبته بكل كبرياء وشموخ رغم ما يخفيه بداخله من جراح، تراه واقفاً كالطود بقوة وعزة وإباء معبرا عن طبيعة وحال الإنسان الردفاني المقاوم والصامد والمخلص اينما كان وحيثما حل مهما يكن في داخله من آلام . متحف ردفان يحتاج منا أليوم الى التفاتة شعبية ورسمية وعلى كل المستويات من اجل إعادته إلى سابق عهده والعمل على تمكينه من تأدية رسالته الوطنية والتاريخية النبيلة التي وجد من أجلها . فهو منتظر فقط صحوة ضمير من الجهات المختصة لإنقاذه باعتباره مرفق حكومي مازال قابل للحياة ومازال فيه قدرا"من نفس .