تمثل الامتحانات النهائية آخر كل عام دراسي أو جامعي في الوطن العربي تحديا من نوع خاص للآسر التي تحشد كل طاقاتها وإمكانياتها لخدمة أبنائها الطلاب أثناء فترة الامتحانات ومرحلتها التحضيرية، ويكمن جانبا من تعقيداتها في توقيتها في فصل الصيف وأيامه شديدة السخونة حيث يحل موعدها عادة بعد أن يصاب الطلاب والطالبات بحالة إعياء وإجهاد بدني وشحن عصبي وتوتر نفسي ، جعل البعض يشبه الامتحانات بأنها شكل من أشكال الحرب النفسية التي تمارسها المؤسسات الأكاديمية والإدارات التربوية والتعليمية بحق فلذات أكبادنا، حيث لا تخلو عادة من مظاهر الترهيب والتخويف والقمع التي تجعلهم أمام خيارين لا ثالث لهما أما رفع الراية البيضاء تعبيراً عن الفشل وصرف النظر عن رغبتهم في التميز و الإبداع، أو تحقيق النجاح بالغش والتزوير والاحتيال، وهو ما جعل الكثير من الأصوات ترتفع لتطالب بإلغاء الامتحانات أو مراجعة طرائق أعدادها وأساليب صياغة أسئلتها التحريرية.
واستجابة لهذه الدعوات بادرت دوائر علمية عربية وانبرت مؤتمرات تربوية وتعليمية إقليمية لتتولى مهمة إعداد الدراسات التي من شأنها تحديد كوامن الضعف والخلل التي تعتري الامتحانات في العالم العربي، وقد كشفت إحدى أهم هذه الدراسات أن نسبة ما يبقى من معلومات في ذهن الطلاب بعد أسبوع واحد فقط من الامتحان لا تتعدى 22% فقط مما كانوا يعرفونه ليلة الامتحان، والسبب يرجع إلى نوعية الأسئلة التي تحملها الورقة الامتحانية والتي تقيس فقط كمًّا من المعلومات، دون أن تقيس التراكم المعرفي للطالب منذ بدأ التعليم وحتى تلك اللحظة وقدراته العقلية المتنوعة. وعلى أطلال هذه الدراسات برز من تكفل بتحديد سلبيات نظام الامتحانات في مدارسنا العربية في بعض نقاط،منها: محدودية دور المعلم (وهو أقرب الناس للطالب) في تقويم الطالب. عدم تنويع أساليب القياس والتقويم، والاعتماد غير المبرر على الامتحانات التحريرية بدرجة تكاد تكون كاملة. إتاحة فرص أوسع للغش الفردي والجماعي؛ بسبب نظام الامتحانات ومضمون وطريقة الامتحان. ارتفاع درجة السرية والغموض والشك حول التصحيح والنتائج، وتعقد إجراءات تصحيح الخطأ عندما يتم اكتشافه. عدم قياس وتقويم بعض الجوانب المهمة في أداء الطالب، مثل: المواهب الخاصة، أو النمو الخلقي.. كما انبثقت فكرة إنشاء بنوك لأسئلة الامتحانات أو الاختبارات المختلفة، التي توضع جميعها على جهاز الكمبيوتر؛تتيح إمكانية مقارنة نتائج تطبيق الاختبار على مجموعات مختلفة من التلاميذ على نفس مستوى القياس وبدرجة دقة عالية لإتمام المقارنة، واعتماد طريقة "لا مركزية تطبيق الاختبارات والامتحانات"، تقلل من مشكلة تسرب الأسئلة أو عدم الأمن لها بسبب ضخامة كَمِّ أسئلة البنك، وتفيد بنوك الأسئلة بشكل أكبر في حالة البلدان ذات النظام التعليمي الذي يضم عددًا ضخمًا من المدارس مع قلة الموارد والإمكانات. وإذا كانت بعض الدول أو معظمها لا تجد في بنك أسئلة الامتحانات خيارا يناسب بيئتها وطاقاتها فقد يكون البديل (الاختبار التعاوني المشترك)، الذي يقدم لطالبين أو ثلاثة ويحاولون جميعًا الإجابة عنه أو إنجازه إذا كان تدريبًا عمليًا أو عملاً يدويًا مثل الأنشطة الفنية كالخزف أو الأشغال اليدوية، أو كتابة التقارير عن موضوع معين في شكل بحث مشترك، أو بحث ميداني يعتمد على زيارات لبعض الأماكن وهكذا، وتوزع درجات هذا الاختبار على الطلاب المشاركين بالتساوي، وهي اختبارات تأخذ في اعتبارها تنمية المهارات الاجتماعية والنفسية للطلاب.
كل تلك الحلول قد تكون بمثابة معالجات أو عمليات تدخل جراحية للحيلولة دون إلغاء الامتحانات اقتداء بالتجربة البحرينية التي ربطت نتائج الاختبارات بالانتقال من صف لآخر خلال العامين الأولين من التعليم الابتدائي؛ بمعنى أن الطالب في الصف الأول الابتدائي سينتقل إلى الصف الثاني الابتدائي، ولن يرسب أي طالب مهما بلغ مستواه العلمي أو المهاري، وكذلك الأمر بالنسبة للانتقال من الصف الثاني الابتدائي إلى الثالث، فيكفي فقط كتابة تقرير للطلاب، مع التوصية بتوفير برنامج علاجي لجوانب الضعف عند التلميذ مع رفعه إلى الصف الدراسي الأعلى، أما في الصف الثالث فإن الطالب لا ينتقل إلى الصف الرابع إذا رسب في مادتين أساسيتين هما اللغة العربية والرياضيات.
ويقوم هذا النظام على تطبيق جديد للتقويم بالمدارس الابتدائية بحيث لا يشعر التلميذ بأنه يقوم بأداء امتحان؛ فالأسئلة الشفهية طوال اليوم الدراسي، والأنشطة التي يقوم بها الطلاب، والملاحظة المنظمة من قبل المعلم لسلوك الطالب وأدائه تشكل جميعها تقييمًا للطالب يحتفظ به في الحقيبة المدرسية أو الملف الخاص بكل طالب، وفي المراحل المتقدمة فإنه يضاف إلى هذا النوع من التقويم التقويم التحريري أو تقويم الورقة والقلم، لكن نسبة درجات هذا الاختبار التحريري لا تشكل سوى 30% من مجموع درجات الطالب التي يحصدها طوال العام الدراسي، وبذلك يكون التقويم الحالي قد ركز على طريقة توزيع الدرجات وتقليل رهبة الامتحانات، عن طريق احتساب درجات الطالب بشكل تراكمي خلال ستة فصول دراسية هي مجموع الفصول الدراسية خلال السنوات الثلاث الثانوية، ولا تشكل نسبة درجات الامتحانات التحريرية سوى 50% فقط من درجات الطالب، والباقي عبارة عن درجات تقويم يومي وأسبوعي وشهري (أعمال السنة). أن تقسيم درجات تقييم الطالب على عدة مجالات أو على الأنشطة العملية، وقصر درجات الامتحان التحريري على نسبة لا تتجاوز 15% من درجات التقييم النهائي سيقضي على الكثير من مشاكل التعليم، ويزيل التوتر الذي يعاني منه التلميذ والأسر العربية أثناء فترات الامتحانات. و التحدي القائم حالياً هو كيفية التغلب على العقبات التي تحول دون تطبيق هذا النظام أو غيره من المقترحات التي يفترض أن تحظى باقتناع الأسر وأولياء الأمور الذين لا يتوانون عن المطالبة باستمرار أما بتبسيط أسئلة الامتحانات أو مراعاة أبنائهم عند تصحيح دفاتر الإجابات. وهذا ما يجعلني استحضر ماقاله الدكتور قدري حفني بأننا لا بد أن نتحلى بالشجاعة ومصارحة أبنائنا بان تيسير الامتحانات والتصحيح رغم ما ينجم عنه من سعادة فإنها سعادة وقتية زائفة, وأن الشهادات التي نمنحها لهم وفقا لذلك النظام لا تزيد كثيرا عن رخصة قيادة مزيفة يحصل عليها بطريقة أو بأخرى من لا يعرف القيادة, ومن ثم لا يكون أمامه إذا ما صدق الشهادة التي يحملها إلا أن يقدم على كارثة قد تدمره شخصيا.