بقلم: سعيد بن حيدرة هل نحن مولعون بتعذيب أنفسنا ، وتحميلها أعباء فوق طاقتها ؟ يبدو أن هذا سؤال غريب لا يستحق الإجابة . ولكن خاطراً انقدح في ذهني جعلني أظن ذلك ، حين رأيت ابني الذي يدرس في الصف الأول وهو يتعارك مع أمه التي تحترق – كمئات الأمهات – التي تعاني خلال فترة الامتحانات إن لم أقل تجاهد ، وترفع سقف التحفيز بأساليب مختلفة لجذبه من أجل ان يركز معها ليحفظ ما تملي عليه ما في الكتاب فيحصل على درجة عالية . وأدفع تكاليف ذلك من راتبي . هذا الخاطر ازداد قوة حين زرت مدرسة بلقيس للتعليم الأساسي في زيارة تفقدية ، أيام امتحانات الفصل الدراسي الأول ، وكان لديهم أحد الموجهين مشرفاً عليهم ، وكان الاستعداد للامتحان على أشده ، فوزعت الإدارة الصف الأول على ست فصول – من فصول المدرسة الضيقة التي تستحق أن تكون فندقاً متواضعاً لا مدرسة – لضمان ألا يغش التلاميذ ، وليس هذا فقط بل طبع الامتحان ونظام مراقبة ، وكثير من الأمور الأخرى . وإذا بالأستاذ الموجه يقول للإدارة أنتم في لائحة الامتحانات ليس لكم امتحانات ؟ إذا لماذا نبذل كل هذا الجهد إذا كانت اللائحة تخالف ذلك ؟ وتضع بديلاً عن ذلك ؟ إذا نحن مولعون بتحميل انفسنا أعباء إضافية يدفع كلفتها الإدارات المدرسية ، والمعلمون ، والتلاميذ . كلام الموجه لم يكن غريباً علي فكم قد نوقش هذا الكلام من قبل الموجهين ، ولكن لايزال الإصرار على تنفيذه قائما فمن أين يأتي الخلل؟ أولاً : أحب أن أنقل ما جاء في لائحة الامتحانات – قبل الخوض في أي مناقشة – ، فقد جاء في الفصل الرابع : أسس وضوابط تقويم التلاميذ / الطلاب صفوف النقل المدرسي مادة ( 23 ) أ الصفوف (1- 3 ) – ما يلي :- " 1- تطبيق مبدأ الترقية الذاتية ( الذي لا يدع مجالاً لرسوب التلميذ أو انتقاله بصورة خاطئة ) على أسس سليمة . 2- تتركز خبرات التعلم والأنشطة المختلفة في هذه الصفوف على المهارات الأساسية ( القراءة – والكتابة – والحساب ) . 3- تخطيط وتنفيذ وتقويم البرنامج التعليمي ، وفق أسس موضوعية سليمة ، تضمن للتلميذ نجاحه . 4- التقويم المستمر للتلاميذ على مدار العام بمعرفة مربي الصف من خلال الملاحظة المباشرة والمتابعة المستمرة لهم ، وجمع المعلومات الخاصة بتطور مستوياتهم ، وفق أسس كيفية ، وصفية باستخدام الوسائل المناسبة ، مع التركيز على استخدام البطاقة الهادفة " هذا ما جاء في لائحة الامتحانات فيما يخص الصفوف ( 1- 3 ) ، فهي صريحة لم تحدد لهم اختبارات كوسيلة قياس ، وإنما تركز على التقويم المستمر للتلاميذ من خلال الملاحظة والتقويم الذي يستمر العام كله . فما المراد بالتقويم ؟ التقويم جانب من جوانب العملية التربوية والتعليمية ، وعنصر أساس من عناصرها ، يتيح فرصة جيدة للمعلم والمتعلم ، والجهات المعنية بالتربية والتعليم للتعرف على قدرات التلاميذ، ونواحي ضعفهم وقوتهم ، والمهارات التي حذقوها ، والإتجاهات التي تكونت لديهم ، بقصد تعزيز جوانب القوة ، وتصحيح جوانب الضعف ، فهو عملية شاملة ، أما الاختبارات فليست سوى أداة من أدوات التقويم . قد لا تكون ناجعة مع تلاميذ ( 1 – 3 ) ، التي تعد مرحلة فاصلة لتعلم المهارات الأساسية في ( القراءة ، والكتابة ، والحساب ) فإذا لم يتقن التلميذ هذه المهارات فهو الصورة الخاطئة التي حددتها اللائحة ، ولا سبيل إلى ترفيعه إذا كان في نهاية المرحلة مما يشي بوجود خلل ما إما في التلميذ وهنا يحتاج إلى عناية خاصة ، أو خلل في النظام التعليمي التعلمي الذي يحتاج إلى دراسة تحدد أسبابه ، وطرق علاجه . ولكن كيف اعتمدت الإدارات المدرسية نظام الامتحان لهذه الصفوف ؟ ألم تقرأ اللائحة ؟ وكيف أبقت إدارة الامتحانات بالمديريات والمحافظة هذا الوضع ؟ وأين إدارة التوجيه التربوي بالمديريات والمحافظة لماذا هي ساكتة ؟ لماذا لم يقم مكتب وزارة التربية بمناقشة اللائحة لتخفيف هذه الأعباء على تلك الأجساد الطرية ؟ أسئلة من حق كل مدير مدرسة أو معلم لهذه الصفوف ، أو أولياء أمور ، أو تلاميذ أن يسألها ، بل من حق كل مهتم بالتربية يريد أن نحصل على نتائج أفضل أن يطرحها. من وجهة نظري كتربوي لا أرى كبير فائدة في هذه الامتحانات التي تخالف في بعض جوانبها الأهداف التربوية التي وضع المنهج لتحقيقها في هذه المرحلة الهامة ، بل هي لا تعطي مؤشراً حقيقاً للمهارات التي اكتسبها التلميذ وكيف لأداة واحدة إعطاء حكم بهذه الأهمية ؟. فليسمح لي المعلم أو المعلمة أو الإدارة المدرسية كيف لتلميذ في الصف الأول أن يجيب على امتحان مطبوع، لا يستطيع فك رمزه ؟ ولذلك يلجأ المعلم لقراءة الامتحان ويحاول التلميذ متابعة المعلم ، فإن زادت الرأفة بالتلاميذ فلا مناص من التبرع بحله لهم . فلماذا نحمل انفسنا هذا العبء ؟ لماذا لا يتم الالتزام بما جاء في اللائحة ؟ وكفى الله المعلمين أعباء التصحيح والمراقبة والطباعة والقائمة تطول ، أم أننا مولعون بتعذيب أنفسنا .