إن تأملنا في كتاب الله تعالى تأمل المفكر القانت لأدركنا أن ليس بالأمن فحسب تحيا الشعوب. يقول الله عز وجل في كتابه العزيز وتحديداً في أواخر سورة قريش متفضلاً على قبيلة قريش بأجل نعمتين في مكةالمكرمة : ( الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ).
فالإطعام من الجوع والأمن من الخوف هما قرينان لا ينفكّان، وتوأمان لا يفترقان، فإن فقد أحدهما لم يكن ثمة من جدوى للآخر.
فإن وجد الأمن مثلاً في حين يسود الفقر والفاقة وصعوبة الأوضاع المعيشية، وغلاء الأسعار وتغوّل الفساد واستشرائه في مفاصل الحياة، وغياب الخدمات الأساسية، فلا معنى يومئذٍ إن قيل للناس أنتم في وضع أفضل، وحال أحسن لأن أحد الجناحين مكسور أو مفقود فكيف يطير الطائر عندئذ !!!
إن الأمن عامل مهم من عوامل رفاه الإنسان وعيشه براحة وطمأنينة، لكن هل يمكن أن تقولوا لي ما طمأنينة الجائع الفقير؟!! وما راحة بال من لا يجد لقمة العيش إلا بصعوبة بالغة ؟!!! وكيف يرتاح من لا يكفيه راتبه ولو بعشر معشار تكاليف المعيشة والغلاء؟!!!
كيف تنام الأم آمنة وفلذة كبدها غائب عنها في غيابات السجون وغياهب المعتقلات؟!!!
يأتي أصحاب الكراسي ليمنّوا على الناس بتحقيق الأمن.. شكر الله سعيكم .. ثم ماذا ؟!! هل فعلتم شيئاً آخر بعد تثبيت الأمن؟!!
هل وفرتم طاقة كهربائية تكفي الجميع بدل هذا العناء والعذاب التي يكالفها الشعب ساعات في اليوم ؟!!
هل اتخذتم بعض الإجراءات ضد التجار الجشعين الذين يغتنون من دماء الفقراء والمساكين؟!!
هل كافحتم سرطان الفساد الذي ينخر في جسد الوطن حتى صار الجسم هزيلاً على وشك الموت والدمار؟!!
هل صنتم الشباب عن الفساد والمخدرات والبطالة واستغللتم طاقاتهم الجبارة بتوفير الوظائف لهم حتى يعيشوا كرماء ؟!!
هل وفرتم قطرة الماء لمن يعاني شحتها وبنيتم السدود، وأحييتم أرضنا الموات؟!!
عن ماذا وماذا سنتكلم، فحياتنا مليئة بالنقص والثغرات، وما من مجال إلا ووجدتم فيه حاجة للتحسين أو التأسيس.
أخيراً تمعنوا في الآية أكثر ودققوا في الترتيب :
1 - ( أطعمهم من جوع ). 2- ( آمنهم من خوف ) .
هل فهمتم أيها الساة الكرام ما معنى أن يختل الترتيب فيختل ميزان حياتنا كما نراه عياناً وكما تدل عليه معيشتنا البائسة!!!