الزميلُ المبدع محمد جبلي ، عرفتهُ شابا مفعما بالعطاء المهني الدافق ، وبالابتسامة المشرقة التي لا تفارقُ شفتاه ..بشوشٌ ..خلوقٌ ..خفيف الظلِّ سخر جلَّ حياته لنصرة المقهورين ، في الارض ، وكان قلما منافحا عن الحق والحقيقة.. تبنى مشاريع وطنية كبيرة ..وكان همّهُ الاول ؛ أن تلقى القضية التهامية أذانا صاغية ، عند من يهمهم أمرها ، من أبنائها ، بالدرجة الاولى..
كنتُ معه ، أقاسمه همَّ القضية التهامية ، لأني أرى فيها جزءً لا يتجزأ ، من القضية الجنوبية!
تضامنتُ معه ، ومع مشاريعه الطموحة ، لتحريك المياه الراكدة ، في أروقة أصحاب (الشأن) في البلاد ، فوجدتهُ متطلعا لغد أفضل لكل أبناء تهامة.. الارض الحبلى بشتى صنوف والوان وانماط العطاء الانساني
مات ابن اللحية الذي لم يجد في اغلب الاحيان ، ما يسد به رمقه ، فكان يتناول الوجبات السريعة والمحدودة الثمن!.. واحيانا كنتُ اجده يقطع مسافات طويلة ، حتى يصل الى مكانه المقصود ، لا لشيء بل لان جيبه (مخروم) ..يعني خالي الوفاض.. اليد قصيرة والعين بصيرة .. لا يملك حقَّ اجرة النقل او التنقل من مكان الى اخر
عاش فقيرا عفيفا ، ومات شامخا كالطود ، في محرابه ..في المكان الذي أحبه ووجد ضآلته فيه ..في ساحة التغيير بصنعاء
لأنه صادقٌ ، بما كان يؤمن به ، فقد تحمل كل أعباء المعيشة وضنك الحياة ، رغم امتلاكه مؤهلا علميا رفيعا ، في مجال (إعلامي) معروف ، ولكن لم يلق من يوظفه !
ترك مسقط رأسه اللحية بمحافظة الحديدة ، والتحق بطابور (العاطلين) التواقين لغد افضل ، من شباب الوطن الذين تقطعت بهم سبل الحياة ، في وطن لا مكان فيه ، إلا للفاسدين و(القوادين) وأشباه الرجال!
لم يجد حقَّ حبة الدواء، وكان يتلوى من شدة ووطأة المرض العضال ، ولكن دون مجيب لاناته!
هكذا يموتُ الصادقون والمخلصون والاوفياء لقضايا وطنهم ..دون ان يلتفت اليهم احد !
جمعتني بالزميل الراحل محمد جبلي لحظات ود عديدة ..لا أنكر انه كان فيها ، قريبا الى قلبي وجوانحي
حاولت التخفيف من همومه ، وطرقنا بعض ابواب اصحاب (الشان) للبحث عن وظيفة ، تليق بمؤهله العلمي ، إبان النظام السابق ، ولكني وجدتهم يصدون كل أبواب الامل في وجهه!
تنكر عنه قريبون و(مقربون) خوفا من يُقال عنهم ؛ لم تلقوا إلا هذا "المشاكس" (العنيد) لتتبنوا مشاريعه؟
رحل دون ضجيج ، عن دنيا الزوال ..وهو الاعلامي الذي طرق أبواب كثيرة لتقديم مشاريعه الطموحة ، فمات وظلت مشاريعه حبيسة ذاكرتنا المترهلة ، نحن الاحياء الاموات!
فإلى جنة الخلد أيها الزميل العفيف العزيز ..فأنت من نذر حياته لخدمة الناس ، ولكن اغلب الناس ، تنكروا عنك بصورة ، تبعث على اهمال متعمد ومقصود ، في اغلب الاحيان!