وزراء عديدين تعاقبوا على وزارة التربية والتعليم لكن لا اسم في الذاكرة يبقى مثل احمد جابر عفيف الذي ظهر أسمة مذيلا على المناهج الدراسية والذي ارتبط في ذهنية العديد من طلاب المدارس في سبعينيات القرن الماضي وكانت له بصمات ومعالم واضحة خلال تلك الحقبة التي كانت البدايات الأولى للتعليم في اليمن في ظل عدم وجود منهج تعليمي محدد وفي ظل الوصاية الأبوية للمناهج الدراسية المصرية. ذلك الطفل القادم من بيت الفقيه والذي تربى يتيما والذي اختير لإلقاء قصيده أمام الإمام يحي وأعطاه الإمام ريالا عماديا ما يزال محتفظا به إلي اليوم اختار العمل في أوساط الشباب كونه يرى أن التغيير لا يصنعه سوى الشباب وهو ما جعله يؤسس مؤسسة العفيف الثقافية التي تقوم بدور تثقيفي وتنويري يفوق دور وزارة الثقافة في عديد من الحالات. من يستطيع أن يتذكر من هو رئيس مجلس إدارة البنك اليمني للإنشاء والتعمير قبل احمد جابر عفيف بالتأكيد لن يستطع تذكر من تعاقبوا على إدارة البنك بعده فبالرغم من الفترة القصيرة التي قضاها هناك إلا انه الوحيد الذي ترك بصمة واضحة للبنك كما استطاع أن يخلد اسم البنك كمؤسسة وطنية ساهمت في توفير بيوت لمحدودي الدخل عبر مشروع المدن السكنية لموظفي الدولة وبالتقسيط ومدينتي حده وسعوان خير شاهد على انه متى توفرت الإدارة الرشيدة والعقلية المتفتحة لا يكون هناك شيء مستعصي على التطبيق هذان المشروعان هما ما يجعلان الكثيرين اليوم يتمنون لو أن هناك عفيف أخر في أي مؤسسة وطنية استثمارية يحقق أحلام الآلاف من الموظفين البسطاء بمأوى يوفر لهم ولو جزء بسيط من السكينة ويمنحهم الشعور بالأمان وعدم القلق على مستقبل أسرهم ويريحهم من ملاحقات المؤجرين. وزارات متعاقبة للثقافة ووزراء من مختلف الاتجاهات فيهم المثقف والسياسي وعام للثقافة وأخر للسياحة وميزانيات ذات أرقام اعجز عن قراءتها وإصدارات تسد عين الشمس كثير منها غث وقليل منها سمين لكن العفيف ومؤسسته الثقافية تجاوز وزارة الثقافة بمراحل طويلة وحقق بماله الشخصي ما عجزت عنه ميزانية الدولة عبر النشاط السنوي المنتظم منذ أكثر من عشر سنوات والذي استطاع أن يحتل مساحة الاهتمام الأوفر في الحياة الثقافية والأدبية اليمنية حتى أصبح لزاما على من أراد أن يتعرف على الحياة الثقافية في اليمن أن يزور مؤسسة العفيف الثقافية وان يخلع نعليه على بابها احتراما للثقافة وتقديرا لدور المؤسسة الجدير بالأنحاء أمامه. لا مجال هنا للمقارنة بين مؤسسة العفيف التي أوقف لها صاحبها منزله الشخصي الذي لا يملك غيره والذي أوصى بتحويله إلى متحف بعد وفاته أمد الله عمره والذي كرم أقطاب السياسة والفن والأدب والصحافة وكافة المبدعين في شتى المجالات ولم يكرمه أحد ولا ينتظر من احد منا ولا أذى. وبين وزارة الثقافة أو أي جهة أخرى فالرجل هنا أنجز لليمن ما عجزت عن انجازه عشرات الوزارات المتعاقبة على وزارة الثقافة والمقصود هنا الموسوعة اليمنية أو بالأصح موسوعة العفيف الثقافية التي طبعت مؤخرا طبعتها الثانية على غرار الموسوعات العالمية بطريقة منهجية وعملية قلما تتوفر في أي عمل بحثي يمني وهنا الفرق فالرجل لديه الرغبة في خدمة اليمن حتى وان كان بعيدا عن السلطة وهو هنا يعطى درسا من الصعب على العديد ممن امتلكوا ناصية الجاه أو الدنيا أن يفكروا بخدمة بلدهم وكان من السهل علية جدا أن يبحث عن حياة هانئة وأكثر هدوءا ومللا بعيدا عن هم الثقافة والمثقفين ولكن كما يقال أن النفوس الكبيرة تأبى إلا أن تنحت أثرها على الحياة. كم من الأجيال تعرف العفيف وكم من النخب الثقافية عايشته وعرفته عن قرب وتربت على يديه وكم من المبدعين الذين كرمهم أحياء "وهي ليست عادة يمنية" بعد أن تناستهم الجهات الرسمية وهم كثر. الغيرة المفرطة ومضغ القات والنرجسية ربما هذه الأسباب التي تجعل وزراء الثقافة المتلاحقين في خصومة مع برامج المؤسسة الثقافية وفعالياتها الاحتفائية. جامعة صنعاء هي الأخرى مكان بصمات العفيف ما زالت محفورة عليها ولعل الفضل يعود له في تأسيسها ووجودها على هذه الهيئة والمساحة الشاسعة من الأراضي والتي امتدت مؤخرا أيدي مافيا الأراضي إليها والتهمت أكثر من نصف مساحتها. وهو الذي تحمل إرهاب المرجفين وقاوم أعداء الحداثة والتطور وأبى إلا أن يكمل مشروعه الذي رأي فيه بداية للحاق بالعصر وهو مشروع جامعة صنعاء. اليوم والرجل يشارف دخول عامه السادس والسبعين والذي قضاه في خدمة الثقافة وخدمة هذا البلد أليس جديرا بالالتفات إلى ما أنجزه وحققه وتكريمه تقديرا للعطاء المخلص والمثابر وهذا أقل ما يجب والله من وراء القصد. *المدير التنفيذي لنقابة الصحفيين اليمنيين