وزارة الخارجية ترحب بالبيان الصادر عن مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    حوادث الطيران وضحاياها في 2025    الترب يبارك اتفاق الأسرى ويعتبره مفتاح لبقية القضايا الانسانية    بلجيكا تنضم لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بالعدل الدولية    اختتام دورة تدريبية لفرسان التنمية في مديريتي الملاجم وردمان في محافظة البيضاء    تونس تضرب أوغندا بثلاثية    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة القاضي محمد عبدالله عبد المغني    أعضاء في سياسي أنصار الله: السعودية دمرت اليمن واستنزفت ميزانيتها بلا فائدة    السعودية تغلق مطار سقطرى أمام الرحلات الإماراتية وتترك مئات السياح عالقين    مجلة أمريكية: اليمنيون غيروا موازين القوى الذي تهيمن عليها أمريكا وإسرائيل    الشرعية لمن يمثل الشعب    العقيد البركاني فقد ساقه أثناء تحرير مطار عدن يوليو 2015 (صور)    البشارة بولد.. لكنه ولد ميت: مجلس الامن يحبط الشرعية اليمنية    وفاة رئيس الأركان الليبي ومرافقيه في تحطم طائرة في أنقرة    إغلاق مطار سقطرى وإلغاء رحلة قادمة من أبوظبي    قراءة أدبية وسياسية لنص "الحب الخائب يكتب للريح" ل"أحمد سيف حاشد"    قراءة أدبية وسياسية لنص "الحب الخائب يكتب للريح" ل"أحمد سيف حاشد"    البنك المركزي يوقف تراخيص فروع شركات صرافة بعدن ومأرب    مجلس الأمن يجدد التزامه بوحدة اليمن ويؤكد دعمه لمجلس القيادة والحكومة    أسعار الذهب تلامس 4500 دولار متأثرة بالتوتر بين كراكاس وواشنطن    خطوة إنسانية تخفف المعاناة.. السعودية ترحب باتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين    انعقاد اللقاء الأسبوعي الخامس بين الحكومة والقطاع الخاص    لقاء موسع للعلماء بالعاصمة صنعاء انتصارًا للقرآن الكريم    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    هيئة الآثار: نقوش سبأ القديمة تتعرض للاقتلاع والتهريب    الرئيس الزُبيدي يشدد على أهمية تطوير البنى التحتية لمطار عدن الدولي    مستشار الرئيس الاماراتي : حق تقرير المصير في الجنوب إرادة أهله وليس الإمارات    فعاليات ثقافية بمديريات محافظة صنعاء احتفاءً بجمعة رجب وتأكيداً على الهوية الإيمانية    جامع الشعب.. تدشين أنشطة جمعة رجب وفعاليات الهوية الإيمانية بحضور علمائي ونخبوي واسع    البنك المركزي يوقف تراخيص عدد من شركات الصرافة المخالفة ويغلق مقراتها    اتلاف 20 طنا بضائع منتهية الصلاحية في البيضاء    سفراء بريطانيا فرنسا ألمانيا هولندا والاتحاد الأوروبي يؤكدون التزامهم بوحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه    برنامج الأغذية العالمي يعلن استمرار تعليق أنشطته في مناطق سيطرة سلطات صنعاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    رئيس مجلس الشورى يعزّي في وفاة القاضي محمد عبدالله عبدالمغني    صلاح ومرموش يقودان منتخب مصر لإحباط مفاجأة زيمبابوي    نابولي بطلا للسوبر الإيطالي على حساب بولونيا    فنان تشكيلي يتلقى إشعاراً بإخلاء مسكنه في صنعاء ويعرض لوحاته للبيع    الخارجية الروسية: روسيا تؤكد تضامنها مع فنزويلا على خلفية التصعيد في البحر الكاريبي    الصحفي والناشط الحقوقي نشوان النظاري    تواصل منافسات بطولة الرماية المفتوحة للسيدات والناشئات    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يعزّي في وفاة الشيخ حسين جابر بن شعيلة    هيئة المواصفات تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    رشيد تعز يفوز على تضامن شبوة في دوري الدرجة الثانية    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    وقفة طلابية تندد باغتيال الاستاذ الشراعي بالتفجير الذي استهدف مقر الإصلاح بتعز    الإصلاح بحجة ينعى الشيخ مبخوت السعيدي ويذكّر بمواقفه الوطنية وتصديه للمشروع الحوثي    فيفا: السعودية معقل كرة القدم الجديد    الذهب يتجاوز 4400 دولار للأونصة والفضة عند مستوى تاريخي    خلال مراسم تشييع جثمان الصحفي الأميري.. المشيعون: الإعلام اليمني فقد أحد الأقلام الحرة التي حملت هموم الوطن    مرض الفشل الكلوي (33)    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر الغنائي الكبير .. عمر عبدالله نُسير.. رائد من رواد اللهجة الغنائية العامة
نشر في عدن الغد يوم 10 - 08 - 2018


------------------
هذا شاعر غنائي احبه كثيرا، في مواضيع نصوصه الشعرية المبتكرة، اعتمادا على الفكرة الواحدة في النص، يعبر عنها شاعرنا بمعان جميلة ومفردات بسيطة، دون اسفاف او تعقيد.
ففي مطلع السبعينيات من القرن الماضي، بدأ حبي له، في اعجابي لبعض أغاني الموسيقار الكبير محمد محسن عطروش، وتلك التي لحنها لمطربات ومطربين شبان، من كلمات الشاعر الغنائي الكبير عمر عبدالله نسير، رجاء باسودان وصباح منصر ومحمد سعيد منصر وابوبكر سكاريب وعوض احمد وغيرهم، وبعد سنوات،ايقنت انني مازلت اجد متعة في هذه الاغاني، ولا ازال، واتذوق حلاوة فيها، ليس من امتزاج الكلمة باللحن امتزاجا فنيا رائعا وحسب، ولكن ايضا من قدرة الشاعر على التنوع التعبيري في اطار النص الواحد. ثم عرفت ان اسمه عمر عبدالله نُسير، وملحن نصوصه الشعرية هو الفنان الكبير محمد محسن عطروش، ولأكون صادقا مع القارئ، كنت اشعر حينها ان العطروش فاز بالشهرة الفنية بسبب النصوص الغنائية التي لحنها لنسير، وكثيرا ما كنت ادافع عن نسير، بأن نصوصه رائعة بدون تلحين، ومواضيعها الجميلة تجعلها مقروءة، خصوصا وانها سهلة المفردة، وجميلة الايقاع، وتلامس مشاعر البسطاء، وفئات عدة، عشاق وفلاحين وصيادين وثوار ..الخ، ثم اتسعت مساحة استماعي لالحان العطروش، لأكتشف عبقرية هذا الفنان الكبير، صانع الاغنية الابينية الحديثة، وصانع الالحان الفذة والعبقرية من النص النسيري، وتبقى العبقرية تتجلى في عدد من نصوص نسير، بدون تلحين.
كان العطروش عملاقا في تلحين نصوص نسير بما يناسبها، من عذوبة ورقة وشفافية وعواطف جياشة، وحداثة كذلك، لأنها نصوص شعرية غنائية حديثة، الى اليوم، ويظل رأيي قائما، أن عددا من نصوص نسير تظل نصوصا رائعة ومبتكرة وزاخرة بالجمال والتعبير عن مشاعر المحبين بمنتهى الصدق والاحساس الذائب والرقيق، بدون تلحين، اي نصوص تصلح للقراءة، وبعضها يتفوق على مبتكرات شعر الحداثة بجوه الشعري الخاص الذي يصنعه نسير من معانية المؤثرة على النفس بمفردات محلية يختارها بانتقاء وابداع حقيقي واهم نماذج لذلك نص(الصياد) (مطنوش والنوبي) (القافلة)(طبع الزمان).
ثم تأتي قدرته على الايجاز البديع لموضوع النص وفكرته، ففي اغنية(جواب) قدم لنا ملخصا وجيزا لرسالة عتاب، فيها معان حلوة في العتاب المسامح وفرحة العاشق باستلام رسالة من معشوقه البعيد:
جاني جوابك يا حبيبي جاني/فرحت لما استلمته فرحت/وظنيته محمل بالسلام/جاني جوابك يا حبيبي جاني/وليه هكه كتبته وليه/حملته شرارة للخصام/كنت فاكر انني بقرأ تحية في البداية/ماكنت افكر انني بقرأ عتاب/كان ظني فوق ما صور خيالك للحكاية/لكن ظني ياحبيب الروح خاب
وفي البيتين الأخيرين، ينقلك ينقلك الى داخل محتويات الرسالة، وتقرأ بنفسك ان المحبوب بدأ رسالته بتحية رقيقة، ليس فيها ما يدل على العتاب.
والملاحظ اختياره للبساطة في المفردة، مع عمق في المعنى، ولم يأت هذا من فراغ او صدفة، ولكن عن فهم وادراك الشاعر انه يكتب نصا شعريا. سيصبح اغنية، وستغنيها اصوات طربية، وتسجل في اذاعة عدن، في مرحلة رقّت فيها مفردات الاغنية في الجنوب ممثلا بعدن، ومصر رائدة الاغنية حينها، ولذلك لا توجد في نصوصه كلمات غامضة او نافرة او نادرة، او من لهجة ابين التي لا يعرف معناها غير اصحابها، فيما عدا بعض المفردات القليلة جدا، وانظر الى السهولة العميقة التي يولدها الشاعر من بساطة المفردات العامة، في هذا النص الجميل:
كتبت اشرح شعوري وارسلت الخطاب
وجوب لي بدمعه على نفس الجواب
وخط الدمع قال لي
حبيبك في عذاب
يارب من له حبيب
لا تحرمه من حبيبه
هذا النص وغيره كثير لنسير، مكتوب بلهجة شعرية عامة، تجعله مفهوما في كل البلاد العربية، وتجعله خالدا كنص اولا، وقد نجح شعراء مصر الغنائيين، في فرض لهجة غنائية عامة لتأليف النصوص الغنائية التي يتم تلحينها وغناؤها وتسجيلها في الاذاعة، حتى صار ابناء الارياف واقاصي الصعيد يفهمون ما تغنيه ام كلثوم.
وهذا حدث في عدن، ونجح الشعراء من مختلف المناطق في الجنوب، في ايجاد لهجة غناء عامة، يفهمها الناس من مختلف المناطق اليمنية في عدن وخارجها، وقد اسهم نسير في هذا المجال بدور كبير، وعن وعي وادراك، ولعله اكثرهم حضورا في هذا المجال، بأهمية تأليف نص غنائي حديث وجديد ومفهوم، مع عدم الإخلال بروعة المعاني وجمال الافكار، في حين لايزال المستمع في عدن او لحج او ابين وغيرها، يجد صعوبة في فهم معنى بعض المفردات في نصوص ابوبكر المحضار الغنائية، فنسير احد رواد شعراء النص الغنائي الذي يكتب ليصبح اغنية، يتم تسجيلها للاذاعة، ودوره لايقل شأنا عن دور محمد عبده غانم لطفي امان ومصطفى خضر وغيرهم في هذا المجال، وفي هذا ما ينفي انه لم يكن مثقفا، فأمية القراءة والكتابة لا تلغي ثقافة الاستماع، ففي اغنية (سبوله) يقول نسير:
واشارح حرام لو شليت من دهلك سبوله
والطيري حلال يتهنى
ليه ليه باتسمحوا له
والمعنى مقتبس تقريبا من قول احمد شوقي:
احرامٌ على بلابلة الدوح/ِحلال للطير من كل جنسِ
فقد كان نسير يسمع ويحفظ ويتأثر، ويبدو انه كان سريع الحفظ حاد الذكاء، بدليل ايضا انه كتب نصا من اجمل النصوص الغنائية عن معاناة الصياد وهو في البحر، موظفا فيه بعض مفردات اخذها من الصيادين، فقد اشتغل نسير صيادا من اجل لقمة العيش الحلال، لكنه لم يكن صيادا في الاصل، ولا من اسرة تمتهن صيد السمك، فهو من اسرة فلاحية، الا ان اغنية (الصياد) تعني جلوسه مع الصيادين والاستماع لمفرداتهم، والأصح لروح تلك المفردات وحويتها، بتذوق شاعر مطبوع، مرهف الحس، فالنص مليء بمفردات عامة، لكن نسير كانت لديه ملكة توظيف مفردات قليلة من لهجة معينة، لينسب النص لهذه اللهجة:
هيب هيب هيبه/ياسواعدنا القويه/ياهوارينا النديه/من فجر ربي ونا بدبج دبيج/شليت لي تمره صبوح معي شليت خوص
ثم لاحظوا كيف يصور معاناة الصياد، وهو في عرض البحر، تصويرا بديعا، الذى سرى في البحر دون زاد، ثم يفرح مع طلوع الفجر بالصيد الوفير، رغم الريح وهيجان البحر، بمفردات موحية ومعان رائعة ومؤثرة:
قصيت لاقيت اشباكي تموج
والصيد لاقيته كثير بداخلها يغوص
الفجر شعشع علي والبحر هاج
والريح قد نفنف يقول عسى حظك سعيد
والصيد في الماء لمع مثل السراج
وان قد سرب في الماء تراه كما البرق البعيد.
في هذا النص فن راق بمفردات عامية بسيطة، معاناة وصياد جائع، وبحر وموج وريح وشباك ومجاديف ودعاء وتوسل لله، ثم جملة التحميس(هيب هيبا)ان هذا النص يصلح لتلحينه في اوبريت غنائي وراقص في منتهى الابداع.
بالاضافة الى نصه الخالد بدون تلحين وغناء(مطنوش والنوبي) بلهجة البدو في ابين، ونسير لم يكن منهم، ولم يكن مناسبا ان يكتب عن معاناة البدو بلهجة زنجبار او عدن، وبأبيات قليلة، جعلنا نغضب من استبداد العسكر، وان نحزن بشدة لمأساة البدوي:
قافلتنا حملوها لعدن بالحطب والسود/فيها بكره ما تعول في الحمى بالظما والنود/حمّلوها واثقلوها وانها عنقها مشدود/والجماعة فتشوها في العلم واسألوا مسعود/كل واحد جا مسلح بو خشب والشنب محرود/نيّخوها والحمولة نذّقوها فوق ذاك الكود/راجعوا لي مطنوش والنوبي
فكيف يعقل ان يكون من كتب هذا النص الدرامي بمفرداته المحلية الغاضبة والموحية بالخوف والتوتر والقلق، عسكر وشاؤوش وبندق ورشاوى وظلم وقهر واستبداد، هو الشاعر ذاته الذي كتب هذا النص الرقيق الفياض بالحب والحنان والمشاعر الجياشة:
يا هلي.. وين طبعك الاولي/يا هلي.. كنت ملكي كنت لي/ كنت تسأل كلما يطلع صباح/كنت صابر فوق مابك من جراح...انها عبقرية الشاعر.
وكذلك نص(بائعات البلس والقات)وقد كتبه بمفردات قليلة من لهجة اهل تعز، ولم يكن حينها قد زار تعز، مما يعني انه كان مدركا لأهمية اختيار اللهجة المناسبة لموضوع النص، وهذا اشتغال فني وابداعي واع، يدل على انه كان له حظ من ثقافة الاستماع، وأن نصوصه ليست مجرد نصوص كتبها رجل امي انتهت حياته الوظيفية ل (باطوالة) في مدرسة، يقول النص:
يا بائعات البلس والقات/
يا حوريات يانازلات من علالي الى البندر
يا لابسات الذهب زينات/
ياسعد من يشتري من صبايا صبر الاخضر/ في حسنهن شاضيع.. لو ذا الجمال للبيع.. عتشتريه الناس.
هنا تأتي اهمية اعادة دراسة هذا الشاعر الفذ(شاعرا غنائيا وشاعرا شعبيا) عمر عبدالله نسير، دراسة اجتماعية ونفسية، مستندة لنصوصه الشعرية المتنوعة، لتعرفنا بهذا الشاعر الكبير، شاعرا وانسانا، لنستوعب روافد شاعريته المتنوعة، التي روت فطرته في الشعر، وساعدته في كتابة هذا الشعر الجميل والمتألق بكل مافيه من حب وآمال ولوعة واشتياق وصبر ومعاناة الناس الفقراء كالصياد والبدوي الجمّال. بقيت مسألة وهي دعوة لمثقفينا، وخصوصا مثقفو ابين، للعمل على توثيق نصوص الشاعر الكبير عمر عبدالله نسير، يرحمه الله، كما ارجو من السلطة المحلية تكريمه التكريم الكبير الذي يستحقه، وعدم الاكتفاء بتكريم مزدوج، كان الهدف منه التخلص من العتاب، في برنامج فني وادبي وثقافي واعلامي، لعدة ايام، تشارك فيه عدة محافظات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.