فيما مضى حكى الأجداد أنه إذا زمجرت الرعود وقصفت البروق احتمى البدو بجامع النقعة، كانوا لا يملكون بيوتاً كالتي نعرفها اليوم، بل عروشاً من الجريد بالكاد تحميهم من أشعة الشمس الحارقة أو البرودة الليلية. كان الجامع بمثابة مؤسسة خيرية للتكافل والرحمة بالفقراء والمساكين، ومن الغريب أن يرحم المساكين مساكين مثلهم، ربما تتساءلون كيف، يأتي المسكين بما تيسر له مما جناه من أرضه المتواضعة، كالطعام مثلاً ( نوع من الحبوب )، يصنع منه أقراصاً صغيرة في التنور ويحملها في ( قفّة ) لتوزع على الحاضرين، ما أجمل هذا المنظر البديع، منظر يغني عن التعليق حقاً.
جامع النقعة لم تدخل في بنائه قطعة خشب واحدة ، لكنه بنى رجالاً في المنابر وفرساناً للدعوة ومن ينسى الشيخ أحمد بن مبارك بن فضل رحمه الله ودعوته بالحق، لم يشغل مكانه أحد وإن تفيهق المتفيهقون ونهق الناهقون.
منارة الجامع نُكبت في آخر المطاف، وأزيلت كما يزال دمل عن جسد أرعن، لم يتكلم أحد، ولم يعترض معترض لأنها كانت تهدد بوجودها المارين، هكذا قالوا.
جامع النقعة بمنارته وقبابه ومقالده وسقايته ومعشّته ( جسر قديم ) تلاشت مع الزمن ولم يعد لها بقاءٌ إلا كبقاء الريح في قبضة اليد.