آثرت الصمت وعدم الخوض في مواجهة المتغيرات التي شهدتها الساحة الجنوبية في الفترة الأخيرة والتي كان أبرزها الانقسام الذي أصاب تيار المجلس الأعلى للحراك السلمي الجنوبي وكنت أرد على التساؤلات التي تصدر عن الأخوة والزملاء عن أسباب صمتي بأنني لم أتفاجأ بهذا الانقسام فقد كنت أتوقعه في أي لحظة لما المسه من تنافر وتباعد بين قيادات هذا المجلس ولما أراه من غياب لأهم مبدأ يتوقف عليه نجاح أي عمل عن نشاطات هذا المجلس وهو مبدأ التنظيم كما أنني أدرك أن لاشيء ثابت في السياسة وهناك متغيرات تتطلب تحالفات جديدة وقد تتطلب لاعبين جدد والأيام والأشهر القادمة ستحمل الكثير ولن يكون هذا الانقسام هو الأخير, وفي المحصلة النهائية فأنني لست متخوفا على مصير القضية الجنوبية جراء هذا الانقسام لإدراكي أن المجلس الأعلى وان اظهر غير ذلك فلا يعدو كونه فصيل من فصائل الحراك الجنوبي والثورة الجنوبية بشكل عام وسواء انقسم أو حتى تبدد فلا خطر على قضية سكنت وجدان امة بأكملها !! في الحقيقة أنني كنت متابعا لمحطات سير هذا المؤتمر وقريب مما دار فيه من لغط واختلافات وتباينات وصلت في بعض الأحيان للاشتباك بالأيدي بعد أن تعدت خط الشتائم وكنت رغم كل ذلك امني النفس بأن يكون الانقسام الذي أصاب المجلس الأعلى خطوة باتجاه تصحيح ما حمله خطابه في مرحلة ما قبل هذا المؤتمر من أخطاء وتجاوزات أضرت بأهم عنصر من عناصر انتصار القضية الجنوبية وهو (اللحمة الجنوبية ووحدة الصف الجنوبي) والتي أصابها ما أصابها نتيجة للخلافات والتباينات التي كانت تعصف بالمجلس الأعلى قبل إعلان الانقسام , لكنني في الحقيقة أصابني الإحباط وخيبة الأمل عند اطلاعي على البيان الختامي والتوصيات التي خرج بها المؤتمرون فقد بقي الخطاب هو الخطاب وإنما جاء المؤتمر ليوسع الدائرة القيادية ويحاول جاهدا جبر خواطر الحالمين بسلطة الغد ولو حتى على حساب القضية ذاتها!!
ما زال المجلس الأعلى في (شطره الجديد) يكرر خطاب ما قبل انقسامه ويصر على انه الممثل الشرعي لأبناء الجنوب هذا ما حملته مقدمة بيانه فقد جاء فيها((هكذا سطر أبناء الجنوب أروع مؤتمر وأروع ملحمة وأنتج قيادة جنوبية جديدة تمثل شعب الجنوب!!!!)) وهذه هي أول محطات الإخفاق , وتؤكد هذه الفقرة وما تبعها لاحقا كالفقرة مسلسل (11) في التوصيات وهي التالية((التأكيد على أن المجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير الجنوب هو الممثل الشرعي وليس الوحيد لشعبنا العربي الجنوبي في أماكن تواجده كافة وقائد نضاله الوطني والناطق باسمه في المحافل العربية والدولية ومقاومة كل المحاولات التي تستهدف النيل من مكونات الحراك الجنوبي السلمي أو تجاوزها أو خلق بدائل أو شركاء لها في تمثيل الشعب العربي الجنوبي!!!!!)) بأن المؤتمر فعلا مثلما ذكرنا وجه كل جهوده للحشد وجبر الخواطر وتوسيع دائرة القيادة على حساب أهداف القاعدة ولم يلتفت إلى الخلافات والتباينات بين أبناء الجنوب والتي تشكل حجر الزاوية في المرحلة الراهنة والتي ساهم في إبرازها خطاب الاستحواذ والأنانية الصادر من المطابخ التي اعتادت مصادرة حق الآخرين وصناعة خطابات التهميش والإلغاء !!
في الفقرة (12) من التوصيات((رفض ومقاومة مشروع الفيدرالية أو الكونفدرالية والمشاريع التصفوية الأخرى التي تهدف إلى تكريس الاحتلال اليمني للجنوب العربي)) وفي الفقرة (18)من التوصيات(( إعادة بناء العلاقات فيما بين كافة المكونات الجنوبية على أسس جديدة بغض النظر عن قناعاتها ومشاريعها المتباينة بشان استعادة الدولة!!!)) اعتقد أن هناك تعارض بين الفقرتين فكيف سيتم التوفيق بين رفض الآخر ومقاومة أفكاره وأطروحاته ووصفها مقدما بأنها مشاريع تصفوية تهدف إلى تكريس الاحتلال اليمني وبين الدعوة إلى بناء العلاقات مع هذا الآخر على الأسس الجديدة التي تغض النظر عن القناعات والمشاريع؟؟ اعتقد انه كان الأجدر الاكتفاء بالفقرة (18)لأنها لا تخلو من محاولة لتجميل قبح المشهد!!!
ختاما لست هنا بصدد تقييم البيان الختامي للأخوة في المجلس الأعلى المولود(قيصريا) من المجلس الأعلى الوليد بدوره(قيصريا) من رحم المجلس الوطني ولكنني فقط أوردت ما أوردته للتأكيد بأن خطاب الأخوة في المجلس الأعلى لم يكن مطروحا على طاولة مؤتمرهم ولم يتنبهوا لمراجعة ما يحمله من بذور فرقه حولت الساحة الجنوبية إلى فرق تاهت بها السبل وأبعدتها عن الصراط المستقيم المؤدي إلى استعادة الوطن السليب ثم أتت عليه كتيار فجعلت منه مجلسين نأمل أن لا يتجزأ إلى أكثر من ذلك , وأنا شخصيا اعتبر انقسام المجلس الأعلى في هذا الوقت وبهذه الطريقة السلمية خطوة تخدم القضية الجنوبية لان استمراره على حالته السابقة لن يكون إلا صداعا مزمنا للجنوب وقضيته, ولكن تلك الايجابية للخطوة تشترط أن ينأى كل جانب بنفسه عن المعارك الخطابية والكلامية والمساجلات البيانية وأن يبحث الجميع عن طرق راقية لحل القضايا التي مازالت عالقة بين الجانبين وأن يتبنى الجميع خطاب جديد عقلاني مغاير للخطاب السابق يعمل على التعاطي مع الآخر الجنوبي بإيجابية ويبتعد عن عبارات التوحيد والشخصنة لمشروعية تقرير مصير الجنوب وأهله ,خطاب يقبل بكل الجنوبيين أينما كانوا ومهما كانت توجهاتهم , ويطرح ويناقش الأفكار والسبل لخلق التقارب الجنوبي الجنوبي على أساس التنوع والتعدد ووفقا لخيارات أبناء الجنوب !!
بعد الختام همسه في أذن كل من لا يقرأ التاريخ أو يقرأ وينسى ما قرأه , أي محاوله لتغيير الواقع الذي وصل إليه المجلس الأعلى والذي كان لزاما عليه أن يوصل إليه بحكم المتغيرات وبحكم الخلافات والتباينات التي كانت تسود العلاقات بين أعضاء قيادته لن تكون إلا محاولة عاطفية غير ناضجة تضعنا كجنوبيين من جديد أمام (دمج قسري) جديد وبوسائل ومغريات جديدة ,,,,,,