بعد أن أستطاع الجنوبيون كسر الطوق الإعلامي عن قضيتهم، وفي محاولة لمجاراة الموجة، أعترف اللقاء المشترك المعارض سابقاً والشريك في الحكم حالياً بالقضية الجنوبية كقضية أساسية وكمدخل أساسي للحل الشامل في اليمن، ثم سمعنا في خضم ثورة الشباب الاعتراف تلو الآخر بالقضية الجنوبية من قبل الكيانات التي أفرزتها الثورة، حتى سار حزب المؤتمر في ركب المعترفين وهو الحزب الذي طالما تغنى بالوحدة "العوجاء" التي بنيت على أساس "االمنتصر والمهزوم في الحرب" وليس على أساس الشراكة والمواطنة المتساوية وتحقيق العدل والرخاء للشعوب التي تعيش في إطار النظام الواحد الجديد. تأتي القضية الجنوبية – كما سمعنا – في سلم أولويات الحوار الوطني المرتقب وثاني القضايا هي قضية صعدة بالإضافة إلى سماعنا بعددٍ من القضايا الأخرى التي ستدرج ضمن أجندة الحوار الوطني والتي من بينها قضية تهامة والمطالبات بجعل تعز وبعض المناطق المجاورة لها إقليم فيدرالي منفصل وغيرها، لكننا لم نسمع عن القضية العدنية والتي هي لا تقل خطورة و أهمية عن باقي القضايا المذكورة آنفاً، بل أنها يجب أن تأتي في أول سلم أولويات أي حوار في أي إطارٍ كان، كون عدن كانت الضحية مرتان، الأولى بعد رحيل المستعمر في 1967م والثانية بعد 1994م، ففي كلا هذين التاريخين كانت عدن ضحية سلب ونهب وتدمير وإقصاء لمواطنيها وإحلالٍ للقبلية والمناطقية المتخلفة في لباسي الاشتراكية العلمية والقبلية الأسرية بدلاً عن المدنية والسلمية والتناغم الاجتماعي في عدن، والتي عانى ولازال يعاني منها الشعب في عدن. قضية عدن قضية وطن ودولة دخلت في وحدة قسرية مع جاراتها سلطنات ومشيخات الجنوب العربي في العام 1963م، وتم بعد ذلك دمج هذه الكيانات بشكل غير علمي ولا مدروس من قبل الجبهة القومية في العام 1967م في جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، وهو في الواقع كان سبب الصراعات الدموية التي تلت ذلك التاريخ، والتي كانت عدن ضحيتها الأكبر، بشهادات سياسيين كبار بينهم الدكتور محمد حيدرة مسدوس في مقاله الموسوم ب"المحاولة الأخيرة وبعدها الوداع". تتشابه قضية عدن مع قضية الجنوب إلى حدٍ كبير، كون عدن أدخلت في وحدة قسرية وتم بعد ذلك دمجها بشكل متخلف ومورست ضد أهلها كافة أنواع التنكيل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتم تشويه الدور الرائد لأهلها في كل المجالات وتحريف الحقائق التاريخية والنضالية لعدن ونسبها إلى مناطق أخرى وتسريح كوادرها وتشريد أهلها، كسياسة أي منتصر في حرب. من منظوري الشخصي المتواضع أن قضية عدن ليست قضية انفصال أو عزل عن محيطها الجنوبي أو اليمن بشكل عام، ولكن هي قضية استرداد حقوق مدنية وسياسية واجتماعية ورد اعتبار لمكانة وريادة عدن ومينائها ومطارها وتاريخها وقبل ذلك شعبها الذي سرح من وظائفه بعنصرية وحقد، إن لم يسرح البعض من وطنه وحياته بدعاوى أقبح مما يتخيله عقل بشر.
لذلك، من هنا ومن هذا المنبر، أطالب الحراك الجنوبي بكافة مكوناته بالاعتراف بالقضية العدنية وأن يضعها في أول سلم اهتماماته، كونه يعاني من نفس ما عانته وتعانيه عدن إلى يومنا هذا، ونطالب قيادات الحراك التي ساهمت في إجتياح عدن في العام 1967م وساهمت في دمجها قسراً بشكل متخلف وغير علمي في غفلة من التاريخ أن تعترف وتعتذر للشعب في عدن عن أخطائها، تكريساً للتصالح والتسامح، كون الاعتراف بالذنب فضيلة وأول خطوة في طريق الحل والذي سينتجه الحوار مع ممثلي عدن الذين تختارهم عدن بكافة منظمات مجتمعها المدني في أي حوار جنوبي - جنوبي. سيأتي البعض ويقول أن التصالح والتسامح جٌب ما قبله ولننسى الماضي... ألا يقول الشماليون نفس الشيء، بأن تغيير النظام في صنعاء قد جب كل الموبقات التي أرتكبها البعض اليوم ممن أنظموا لثورة الشباب لتستمر الوحدة؟ كيف يكونون هم الظالمون فقط؟ الاعتراف بالمشكلة وجذورها هو من أول أولويات أي مشوار للتصالح والتسامح... التصالح والتسامح الذي نريده تصالحاً وتسامحاً حقيقياً لا سياسياً ينتهي بانتهاء المسببات تم نعود إلى مربعنا الأول!
ونطالب حكومة الوفاق الاهتمام بقضية عدن واعتبارها مدخلاً للاستقرار في اليمن بشكل عام، فعدن، المدينة الدولة، أو "State City", لا ينقصها شيء لتكون مثل بروناي أو موناكو أو غيرها، نطالب فقط باستعادة مجد عدن السابق، الذي نماه الاستعمار ودمره الاحتلال وبالشكل الذي يرتضيه العدنيون بدون وصاية من أحد. ومن هنا أيضاً أطالب كوادر ومنظمات المجتمع المدني وكافة الأطياف السياسية الفاعلة في عدن وعلى رأسهم العدنيين في الحراك الجنوبي والمشهود لهم في الأحزاب السياسية أن يسرعوا في إجراء حوار عدني - عدني للخروج بقيادة موحدة يجمع عليها كافة العدنيين وذلك كأساس للدخول في أي حوار جنوبي – جنوبي أو جنوبي – شمالي. في الختام، أذكر النخب الجنوبية والشمالية أن أبناء عدن والعدنيين لا يسعون إلا لاستعادة مجد عدن وموقعها الرائد في المنطقة والعالم، عدن ثالث أهم ميناء في العالم، عدن أول تلفزيون وإذاعة ونادي رياضي وثقافي وصحيفة وشهادة ماجستير ودكتوراة في الجزيرة العربية، لن يرضى شعبها أن تكون سليبة الريادة، يقتسمها السفاحون ورجال العصابات، بينما شعبها يتفرج ويندب حظه، لذلك وجب على الكل الاعتراف بالمشكلة قبل أن تكبر وتعظم النار التي تأتي من أحقر الشرر، ولكم في قضية الجنوب عبرة يا أولي الألباب. *مقال خاص ل"عدن الغد"