عشت جل مرحلة الشباب في ظل حكم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، بل والطفولة مرت وكأنها حلم جميل، أتذكر قسائم شبابية نستخدمها لدفع أجرة المواصلات في باصات القطاع العام وقسائم اخرى تستخدم من قبل الجمهور، يثقبها المواطن حال صعوده الى الباص بنفسه ليس عليه رقيب سوى ذاته ومجموعة الركاب والأخلاق القيم السائدة آنذاك ، اتذكر (الكباش) الاسترالية التي تصل الينا عبر المراكب وتضع من اللحم كأنها العجول وبمبالغ زهيدة، اتذكر الحليب البودر الجيد غير الملوث وبأسعار جعلت من الرعيان يقدمون الحليب للمواشي وكذلك القمح، مما جعل السيد ابوبكر العطاس إن ينصح بعدم إطعام الحيوان ما هو مخصص للمواطن، وبل حليب الاطفال وغيره الذي تقوم الاسر بابتياعه بالكرتون، اتذكر باحترام الناس للقانون خاصة ايام منع مضغ القات ورحلاتهم الى عقان والحبيلين وشراءهم من عقان بعض العطور التي تتسرب من الشمال، اتذكر رجل الشرطة ورجل المرور المحترمين، اتذكر اعانات الدولة للطلاب التي توفر لهم الباصات من والى الكليات، اتذكر مواكب رجال الدولة ومنازلهم وملابسهم المتواضعة، اتذكر رحلاتنا الى بستان الكمسري المجانية وثماره الذانية وبستان الحسيني في حوطة لحج ، اتذكر رحلات الاسر الى الغدير في مدينة البريقة وبياتهم حتى الصباح، اتذكر السلم الاجتماعي وعدم التفرقة في البعثات الدراسية او الحصول على مسكن من الدولة .. كثيرة هي الذكريات منها الالتزام بالأسعار والعلاج المجاني، وتحويل السجن الى مؤسسة منتجة (لبلوكات) البناء وغرف النوم وغيرها. أتذكر دور السينما التي تعج بالبشر ودور سينما بلقيس التي تفتح ابوبها نهارا ومساءا، اتذكر مراكز الامومة والطفولة المنتشرة في الوحدات السكنية، اتذكر نظام التجنيد الاجباري للشباب وتدريبهم على استخدام انواع مختلفة من الاسلحة، اتذكر قانون الضمان الاجتماعي ، وفواتير الماء والكهرباء التي لا يشتكي منها احد لان الناس يوصفون بالمشتركين وليس بالمستهلكين ،اتذكر كيف تنتهي حروبنا بتطبيع الوضع خلال ايام، اتذكر مياهنا التي لا تنقطع، اتذكر كل تفاصيل الماضي وانظر حولي اليوم لأجد نفسي غريبا لا املك مسكنا وقد جاوزت الخمسين وغيري كثر كذلك، نملك بقعة ارض في الخبت البعيد لم يرد المتنفدون أن يمنحوها لنا بل سحبت المخططات من اطراف مدينة المنصورة (حاشد ) الى العريش ثم حاولوا نهبها وتأخيرصرفها اعشرين سنة ، انظر حولي اليوم لأرى عدد من الشباب (مديزين) او (محببين)، ورجل طورد وقتل في قضية ثأر امام الناس في (جولدمور)، أنظر حولي لأرى الاصدقاء يعزونني في قريب صرعته جلطة او داهمه السرطان ، انظر حولي اليوم لأرى شيخا برفقة حارسا له يمنع (الاسنسير) من الصعود حتى يكمل الشيخ حديثه مع عزيز له ظهر فجأة في مبنى المحافظ في المعلا، انظر حولي لأجد عدن رغم همها تبتسم، رغم حزنها تشع بالأمل، فقد مل الناس حمل النعوش، خرج الناس حاملين في نفوسهم قهر الخديعة بوحدة صارت احتلالا، بوثيقة عهد صارت خداعا وتمهيدا للحرب، وفيئا او فيدا حرث كل الجنوب ومازال ، حمل ناسك ياعدن كل ذلك وخرجوا نحو الحرية والاستقلال وبدأت احلامهم تتهاوى مع دوي وزمجرة صوت قطار الثورة الجنوبية الذي دارت عجلاته.